الغيرة من صفات المؤمن
إن الحمد الله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له, وأشهد محمداً عبده ورسوله, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, فإن خير الزاد التقوى.
أيها الناس: الغيرة على الدين والمحارم والحرمات صفة للمؤمن, وهي قبل ذلك صفة للنبي صلى الله عليه وسلم, وكذلك هي صفة لربكم سبحانه وتعالى, ففي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة_ رضي الله عنه_ ( قال سعد بن عبادة: يا رسول الله لو وجدت مع امرأتي رجلاً لا أمسَّه حتى آتي بأربعة شهداء! والله لأضربنه بالسفح غير مصفح , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون من غيرة سعد, والله لأنا أغير من سعد, والله أغير مني" ).
ففي هذا الحديث بيانٌ لاتصاف المؤمن بهذه الصفة العالية العظيمة, التي تدل على تمكن بشاشة الإيمان من القلوب, لأن القلوب الخربة لا تعتريها الغيرة لفسادها وانتكاسها.
أيها المؤمنون: إن الحديث اليوم سيكون عن الغيرة, ومتى يغار المؤمن خشية انعدام هذه الصفة أو ضعفها عند المسلمين, فالغيرة يحبها الله عز وجل من عبده المؤمن عند وجود مقتضاها.
عباد الله: يحب اللهُ الغيور على الدين والمحارم إذا انتهكت, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يغار, والمؤمن يغار, وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه" متفق عليه واللفظ لمسلم.
فإذا رأى المؤمن معصية أو عاصياً, أو تلاعباً في دين الله, غار وأنكر, وأمر بالمعروف, ونهى عن المنكر, وغضب لله عز وجل, وإذا رأى رغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, غار وحث الناس على لزوم السنة, ودعا لها ظاهراً وباطناً, ولو قرأنا في كتب سلفنا الصالح لرأينا ما يثلج الصدر, ويشفي العليل, ويروي الغليل من غيرتهم على الدين والسنة والجهاد دونها, وشن الحرب المعلنة على من ناوأ السنة, وأبغضها وحاربها, فحروبهم مع المبتدعة وصراعهم ونزالهم معروف ومشهور لهم غيرة لله, ولمحارم الله.
والمؤمن يغار على المحارم, بدءاً بمحارمه, وعموم محارم المسلمين, فلا يرضى بانتهاك حرمة له, ولا لأحد من المسلمين أينما وجد, فإن استطاع دفعها دفعها, أو دعا إلى دفعها, أو غار في قلبه, فعذره إلى الله عز وجل, لأن أهل الإسلام كالجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو, تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس غيرة على الدين والمحارم , فهذا سعد وغيرته, وفي الصحيحين من حديث أبي هر يرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" بينما أنا نائم رأتني في الجنة, ورأيت قصراً, وبفناته جارية تتوضأ, فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لعمر بن الخطاب, فوليت هارباً لما أعلمه من غيرتك" , فبكى عمر رضي الله عنه, وقال:( أعليك أغار يا رسول الله ).
ورفع يهودي ذيل ثوب امرأة مسلمة في السوق, فرآه أحد المسلمين فعلاه بالسيف حتى قتله.
عباد الله:
إن العالم اليوم قد اختلط وغزا أهل الإسلام في عقر دارهم, محاولةً من الغرب الكافر إذهاب الغيرة من قلوب المسلمين على دينهم وحرماتهم, ولاشك أن هذا الغزو الفضائي قد أثر على أخلاق المسلمين, وعلى غيرتهم, فانسلخت الغيرة من رجالٍ ونساءٍ, فهذا يرى أهله ومخالفتهم السلوكية ولا يغار, وهذا يرى مناظر الكفر في بيته فلا يغار, وهذه كاسية عارية متبرجة فاجرة فلا إنكار من وليها, أو زوجها, أو أخيها, والعصمة لمن عصم الله.
أهل الإسلام:
غيروا على دينكم, وعلى محارمكم, وعلى أعراضكم, وأغضبوا لله عز وجل.
خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس, فقال:" يا أمة محمد, والله ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني أمته" متفق عليه.
فهذا نبيكم عليه الصلاة والسلام يذكر بغيرة الله عز وجل عند حدوث هذه الآية من آيات الله, فا تقوا الله, وقوموا بما أوجب عليكم, وتفقدوا أهليكم, وأسواقكم, واحذروا من التهاون في ذلك, واحذروا الدياثة, فإن بدايتها فقد الغيرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ}.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
|