العين حق
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه وأتباعه, ومن اهتدى بهديه, إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس:
إن الله عز وجل حرم الاعتداء على الناس بجميع أصناف الأذى, فحرم الاعتداء على أموالهم, وأعراضهم, وأنفسهم, بنصوص كثيرة من القرآن والسنة النبوية.
ولكن هناك اعتداء من نوع آخر, يقع من بعض الأنفس الخبيثة الشريرة, ألا وهو الاعتداء بأعينهم على الناس, وهو ما يسمى ( الإصابة بالعين ).
والعين: هي أن ينظر شخص إلى آخر فيصيبه بعينه, ويقال: أصابته نفس أو منظور.
أيها الناس: إن الحديث عن حقيقة الإصابة بالعين, هو حديث في العقيدة الإسلامية, وفي مسائل القضاء والقدر.
قال ابن القيم: [إن أصل العين, هو إعجاب العائن بالشيء, ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة, ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين]. زاد المعاد 4/167
وقال الحافظ ابن حجر: [ حقيقة العين نظرٌ باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع, يحصل للمنظور منه ضرر]. فتح 10/200
وأدلة الإصابة بالعين ثابتة بالقرآن والسنة, قال تعالى في سورة يوسف على لسان يعقوب:{ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {67}}يوسف
قال ابن كثير: [قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أنه خشي عليهم من العين, وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم, فالعين حق ]. 2/484
وقال تعالى:{ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51} وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ {52}} القلم
قال ابن كثير: [ قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ليزلقونك : لينفذونك بأبصارهم أي: _ يعينونك_ يصيبونك بأبصارهم]. ابن كثير 4/408
أما أدلة الإصابة من العين في السنة؛ فهي كثيرة جداً, منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العين حق ".
وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا".
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن العين لتولغ الرجل بإذن الله, حتى يصعد حالقاً, ثم يتردى منه"
وروى أبو نعيم في الحلية عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العين تدخل الرجل القبر, وتدخل الجمل القدر"
أيها المسلمون:
إن الآيات المتقدمة والأحاديث لتدلُ على أن العين حق, وتأثيرها حق, وأنها قد تصل, وهو قولُ علماء الأمة كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم, وهو مذهب أهل السنة والجماعة, ومن أنكره من طوائف المبتدعة فهم محجوجون بالسنة وإجماع هذه الأمة .
أيها المسلمون:
إن الأنفس الخبيثة الشريرة لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات, حيث لا ترضى بما قسم الله لها, بل تتطلع إلى الناس حسداً على ما آتاهم الله من فضله, وهذا التطلع المشوب بالحسد يحدث أضراراً بإذن الله عز وجل يبتلي بها العائن والمعين.
ولكن لتعلموا جميعاً أن من حكمة الله عز وجل أنه ما أنزل داءً إلا أنزل له دواءً قال صلى الله عليه وسلم:" لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" رواه مسلم.
فالمصاب بالعين له دواء يشفيه بإذن الله عز وجل وعلاج العين له حالتان:
الأولى: أن يعرف الذي أصابه بالعين, فيؤمر بأن يغتسل له, وذلك بأن يغسل وجهه, ويديه, ومرفقيه, وركبتيه, وأطراف رجليه, وداخل إزاره في قدح, ثم يصب على المصاب من ورائه, ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد, ومالك, والنسائي, وابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف قال: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالجرار[موضع المدينة] فنزع جبة كانت عليه, وعامر بن ربيعة ينظر إليه, وكان سهل شديد البياض, حسن الجلد, فقال له عامر: ما رأيتُ كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء, فوعِك سهل مكانه, واشتد وعكه, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه, فقيل له: ما يرفع رأسه فقال: "هل تتهمون له أحد", قالوا: عامر بن ربيعة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه, فقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برَّكت اغتسل له", فغسل عامر وجهه, ويديه, ومرفقيه, وركبتيه, وأطراف رجليه, وداخلة إزاره في قدح, ثم صب عليه من ورائه, فبرأ سهل من ساعته, فهذا علاج من عرف عائنه.
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ).
وقال صلى الله عليه وسلم :" العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسل أحدكم فليغتسل".
ومعناه: إذا طلب منك شخص أن تتوضأ له في إناء لأنك أصبته بعينك فعليك بالاغتسال له.
أما الحالة الثانية: فتكون عند عدم معرفة العائن, فيلجأ للرقى الشرعية المشروعة,
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاسترقاء من العين في أحاديث كثيرة منها:
ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة)
والحمة: العقرب , والنملة: قروح تخرج في الجسد.
وفي مسلم أيضاً عن أم سلمه رضي الله عنها قالت: ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم جارية في بيتي في وجهها سفعة فقال بها نظرة استرقوا لها)
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس:
" مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة, تصيبهم الحاجة؟", قالت: لا, ولكن العين تسرع إليهم, فقال:" ارقيهم", قالت: فعرضت عليه فقال: أرقيهم" رواه مسلم.
أيها المسلمون:
إن هذه الأحاديث الكثيرة, والإرشادات النبوية, لم يقلها عليه الصلاة والسلام عبثاً, بل قالها لأمر واقع بين الناس, وهو الإصابة بالعين.
أيها المسلمون:
إن الرقية من العين جائزة بشروط ثلاثة:
الأول: أن تكون بكلام الله تعالى, أو بأسمائه وصفاته.
الثاني: أن تكون باللسان العربي, وبما يعرف معناه.
الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها, بل بتقدير الله تعالى.
وأعظم الرقى: فاتحة الكتاب, وآية الكرسي, والمعوذات, وما كان يتعوذ به النبي صلى الله عليه وسلم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ {2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ {3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ {4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}} الفلق
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك بر رؤوف رحيم.
|