الــوقــــت
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهدي الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد :
أيها المؤمنون:
إن الوقت نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل على عباده , ولعظمة هذه النعمة, أقسم الله بالوقت في سورٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم , قال تعالى: ( والعصر) , وقال تعالى: ( والليل إذا سجى ) , ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها ), وقال تعالى: ( والليل إذا يغشى ).
وقال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً {62}} الفرقان .
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن نعمة الوقت فقال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري
والغبن بالوقت يكون بفواته بلا عمل صالح يعمله الإنسان, سواءً كان دينياً أو دنيوياً.
ولقد حرص السلف رحمهم الله على الوقت, حيث لا يضيع من أوقاتهم شيء سدى , كل أوقاتهم في طاعة الله ومرضاته .
مرّ شريح _رحمه الله_ على شباب يلعبون , فقال : مالكم , قالوا : فرغنا يا أبا علي, قال: يقول الله عز وجل: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ {7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ {8}}0
وقال ابن القيم: [ وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة, وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم , ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مر السحاب, فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته , وإن عاش فيه عيش البهائم , فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة , وكان خير ما قطعة به النوم والبطالة , فموت هذا خيرٌ له من حياته] ( الجواب الكافي 184).
ويقول ابن عقيل الحنبلي رحمه الله :
[ لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة, وبصري عن مطالعة, أعملت في فكري في حال راحتي وأنا مستطرح ] ( ذيل طبقات الحنابلة 1/146).
عن سري السقطي قال: [ دخل علي أبو جعفر بن السماك وكان شيخاً متعبداً متروياً, فرأى عندي جماعة, فوقف ولم يقعد, ثم نظر إلي وقال: يا سري صرت مناخ البطالين, ورجع ولم يقعد وكره اجتماعهم حولي] (صفة الصفوة ج2/ص392) .
وبلغ من حرصهم على أوقاتهم أنها كانت أغلى عندهم من الدراهم والدنانير .
قال الحسن البصري _رحمه الله_: [ أدركت أقواماً كان حرصهم على أوقاتهم أشدّ من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم] .
أيها المسلمون:
إن الكثير من المسلمين تضيع أوقاتهم سدى, لا في دنيا ولا في دين, إما باللهو أو بالسهر على غير طاعة الله, أو في الأودية والشعاب بين المأكولات والمشروبات , أو في الأندية والملاعب , والأعجب من ذلك أنك تجدهم يتحدثون عن مآس المسلمين وما يحل بهم من النكبات والمحن والويلات, ونسوا أن يسألوا أنفسهم ماذا قدموا للإسلام والمسلمين من أوقاتهم .
أيها الناس
إنكم مخاطبون جميعاً بقوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } آل عمران .
وبقوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71}} التوبة .
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبديٍ حتى يسأل عن أربع: منها عن عمره في أفناه .." الترمذي وغيره.
فما جوابك يا من ضيعت وقتك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك , وحياتك قبل موتك , وصحتك قبل سقمك , وغناك قبل فقرك , وفراغك قبل شغلك" . [ الحاكم عن ابن عباس ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه كريم ملك بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
أيها المسلمون :
حافظوا على أوقاتكم, واستغلوها بالأعمال الصالحة,
واعلموا أن لحفظ الوقت عوامل مساعدة على حفظه منها:
تقوى الله وطاعته: وذلك بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين , والزهد في الدنيا والطمع فيما عند الله , لأن المسلم العاقل يقدم ما يبقى على ما يفنى ، ومنها تذكر الموت , وأن ساعته آنية لا محال, فيستغل المسلم وقته ليكون مستعداً لها .
ومن أسباب حفظ الوقت :
معرفة أثر البطالة على أصحابها . إن الشباب والفراغ والجدة, مفسدة للمرء أيُّ مفسدة .
ومن العوامل المساعدة على حفظ الوقت:
معرفة قيمة الوقت , وأنه سريع الأخذ من عمر الإنسان .
قال بعض الزهاد : [ ما علمت أن أحداً سمع بالجنة والنار؛ تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاةٍ أو قراءةٍ أو إحسان , فقال له رجل : إني أكثر البكاء , فقال : إنك إن تضحك وأنت مقرٌ بخطيئتك, خيرٌ من أن تبكي وأنت منبسط في عملك , فقال: أوصني, فقال: دع الدنيا لأهلها, وكن في الدنيا كالنحلة, إن أكلت أكلت طيباً, وإن وضعت وضعت طيباً, وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه ] (الفوائد 118).
** انتهت الخطبة **
|