الْمُحَرَّماتُ
في الصيامِ والحث عَلَى الصَّدَقَةِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الْمُسلِمون: اتقُوا الله تعالى،
واعْلَمُوا أَنَّكُمْ في شهرٍ عَظيمٍ فَعَظِّمُوه، فإِنَّ تَعْظيمَ شَعائِرِ اللهِ
وَأوَامِرِه مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ.
ثُمَّ
اعْلَموا أَنَّ الْمُحَرَّماتِ في الصِّيامِ
تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْن: مُحَرّماتٍ عامَّة، وَمُحَرَّماتٍ خاصَّة:
فالْمُحَرَّماتُ
العامَّة: هي التي حَرّمَها اللهُ حالَ الصِّيامِ والإِفْطارِ، وفي
رمضانَ وَغَيْرِه. كالغِيبَةِ والسَّبِّ والشتمِ واللَّعْنِ والكَذِبِ وقَوْلِ
الزُّورِ والنَّظَرِ الحرامِ وأكلِ الحرامِ وغيرِ ذلك مِنَ الأعمالِ التي
حَرَّمَها اللهُ تعالى على الصائِمِ وغَيْرِه. وَهذِهِ لا تُفْسِدُ الصيامَ،
ولكِنَّها تَجْرُحُه، وَتُنَقِّصُ أَجْرَ الصائِم، وَقَدْ يُحُرَمُ الصائِمُ من
تكْفِيرِ السيِّئاتِ بِسَبَبِ بَعْضِها، لأن رمَضانَ إلى رَمضانَ، يُكَفِّرُ اللهُ
ما بينَهُما مِنَ الخَطايا إذا اجْتُنِبَتِ الكبائِر.
وأما الْمُحَرَّماتُ
الخاصَّة: فَهِيَ مُفَطِّراتُ الصِّيام، وهي الأكلُ والشُّرْبُ، وما في
مَعْناهُما، والجماعُ في الفَرْج، والقَيْءُ الْمُتَعَمَّدُ، وإنْزالُ الْمَنِي
عَمْداً بِأيِّ طَريقة، والحِجامَةُ، وخُروجُ دمِ الحيضِ والنِفاس.
وهناك
أشياءٌ يَحْتاجُ الْمُسلمُ حالَ صِيامِه إلى مَعْرِفَةِ حُكْمِها، لأنه قد يحتاجُ
إليها حالَ صيامِه لكنه يَمْتَنِعُ منها خَوفًا مِنْ أن تكونَ مِنَ الْمُفَطِّرات:
كالقَطْرَةِ في العينِ والأُذُنِ، فإنها لا تُفَطِّر، وهكذا بخَّاخُ الرَّبْوِ،
وإبرةُ الأَنْسُولِين لِمَرْضى السُّكَّر، وهكذا إِبَرُ الحَساسٍيَّة وَإِبَرُ
تَسْكينِ الحَرارة. أو التَحاميلُ التي تكونُ في الشَّرَجِ. وهكذا سَحْبُ الدمِ من
أجْلِ التَحْليل. وكذلك قَلْعُ الضِّرْسِ إذا احتاجَ إليه الصائم ما لَمْ يصلْ
شيءٌ إلى الحَلْق. وكذلك شَمُّ الطِّيبِ فإنه لا يُفَطِّر. ويُسَنُّ السِّواكُ في
كُلِّ وَقْت للصائِمِ وغيرِه.
ثُمَّ
اعْلُمُوا يا عِبادَ اللهِ: أَنَّ العِنايَةَ بالأعمالِ الصالحةِ،
والإكثارَ مِنها، مِن سِماتِ المؤمِنين في رمضانَ وَغَيْرِهِ مِن مَواسِمِ
الخَيْر. وَمِنْ الأَعْمالِ الصالِحَةِ: الصَّدَقّةُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ دَلِيلُ
إيمانِ العَبْدِ، وَفَضْلُها في شَهْرِ رَمَضانُ مُتَأَكِّدٌ، فَقَدْ كانَ رسولُ
اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ بالخَيْرِ، وكانَ أَجْوَدُ ما يَكُونُ
في رَمَضانَ. قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وَالصَّدَقَةُ
بُرْهانٌ )، أيْ عَلامَةٌ على صِدْقِ الإيمان. وهِيَ سَبَبٌ لِلشِّفَاءِ
والسلامَةِ مِن الأَمْراضِ. وعِنْدَما يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً،
وَتَدْنُو مِنْهُم الشمسُ وَيُلْجِمُهُم العَرَقُ، يَكُونُ الْمُسْلِمُ في ظِلِّ
صَدَقَتِه. والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ. وهِيَ سَبَبٌ لِزِيادَةِ
الرِّزْقِ ونُزُولِ البَرَكاتِ. والصَّدَقَةُ مِن أَعْظَمِ أبْوابِ البِرِّ
والإيمانِ وذَوْقِ حَلاوَتِه. والصَّدَقَةُ الجارِيَةُ يَبْقَى ثَوابُها حَتَّى
بَعْدَ الْمَوْتِ. وهِيَ سَبَبٌ لِإِطْفاءِ الخَطايَا وتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ.
وهِي
حِجابٌ عَن النارِ. والصَّدَقَةُ مِنْ أَفْضَلِ صَنائِعِ الْمَعْروفِ التي تَقِي
مَصارِعَ السُّوءِ.
ومِنْ أَعْظَمِ ما يُعِينُ عَلَى
الصَّدَقَةِ: أَنْ يَتَذَكَّرَ الْمُسلِمُ قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ على العبادِ إلا وَمَلَكانِ
يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويَقُولُ
الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ). والْمُرادُ
بِالْمُمْسِكِ: مَنْ أَمْسَكَ عن النَّفَقَةِ الواجِبَةِ. وقالَ النبيُّ صلى اللهُ
عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( ابْنَ آدَمَ: أَنْفِق، أُنْفِقْ عَلَيْكَ ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ
اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى،
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ صِفاتِ الْمُتَّقِينَ، أَنَّ في أَمْوالِهِمْ حَقًّا
لِلسَّائِلِ والْمُحْرُومِ، فَيُعْطُونَ الذي يَتَعَرَّضُ لِهُمْ بِالسُّؤَالِ،
وكَذلكَ يَتَفَقَّدُونَ الْمَحْرُومَ، وهُوَ الْمُتَعَفِّفُ الذي لا يُفْطَنُ لَهُ
وَلا يَسْأَلُ الناسَ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلم: ( لَيْسَ
الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الذي تَرُدُّهُ اللَّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ
والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ، ولَكِنَّ الْمِسكِينَ الذي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيه
ولا يُفْطَنُ لَه فيُتَصَدَّقُ عَلَيْه وَلا يَسْأَلُ الناسَ شَيْئًا )،
فالْمُؤمِنُونَ الكُمَّلُ هُمْ الذين يَتَفَقَّدُونَ الجَمِيعَ، فَيُعْطُونَ
السائِلَ والْمَحْرُومَ. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَحاوِيجَ
والْمُتَعَفِّفِينَ، والأَرامِلَ وأَسَرَ السُّجَناءِ. وَمَنْ لا يَعْرِفُ كَيْفَ
يَصِلُ إلَيْهِم، فَعَلَيْهِ بِالسُّؤالِ، وَهُناكَ أَيْضًا مَنَصَّاتٌ
رَسْمِيَّةٌ مَوْثُوقَةٌ وَللهِ الحَمْدِ كَمَنَصَّةِ إِحْسانَ وزَكاتِي
وَفُرِجَتْ، يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَتَعامَلَ مَعَها ويُتابِعَها
بِنَفْسِه، حَتَى تَصِلَ إلى مُسْتَحِقِّها.
رَبَّنا
تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ
أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، اللهُمَّ أَعتقْ رِقَابَنا مِن النَّار، اللَّهُمَّ
استعملنا في طاعتِك، وثَبِّتْنا على دينِك، وارزقْنَا الإخلاصَ في أقوالِنا
وأعمالِنا، وخَلِّصْنا من حقوقِ خلقِك، وباركْ لنا في الحلالِ من رزقِك وتوفَّنَا
مسلِمِين وألْحِقْنا بالصالحينَ، اللهُمَّ احفظْنا بالإسلامِ قائمينَ واحفظْنا
بالإسلامِ قاعدِين واحفظْنا بالإسلامِ راقدِين ولا تُشْمِتْ بنا أعداءَ ولا
حاسدينَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ حُكَّاماً ومحكُومين، اللهُمَّ أنزلْ
على المسلمينَ رحمةً عامَّةً وهدايةً عامَّةً يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ
اجمعْ كلمةَ المسلمين على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه
وسَلَّمَ، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم واحدةً، واجعلْهم يداً واحدةً
وقوةً واحدةً على من سُواهم، ولا تجعلْ لأعدائِهم مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ،
اللهُمَّ احقنْ دماءَ المسلمين، اللهُمَّ احقنْ دماءَ المسلمين، اللهُمَّ انصر
المجاهدين في سبيلِك في كلِّ مكان، اللهُمَّ عليك بالكفرةِ والْملحدينَ يَصُدُّون
عن دينِك ويقاتِلونَ عبادَك المؤمنين، اللهُمَّ عليك بهم فإنَّهم لا يعجزُونَك،
اللهُمَّ زَلْزلِ الأرضَ مْنْ تحتِ أقدامِهم، اللهُمَّ سَلِّطْ عليهم مَنْ يسومُهم
سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متينُ، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مِمَّنْ يكيدُ لها،
وأَعِذْهَا من شرِّ الأشرارِ وكَيْدِ الفُجَّارِ، اللهُمَّ وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا
بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك، وارزقْهُم البطانةَ
الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ
والمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ
الدَّعَواتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة عن دروس وأحكام رمضان تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=165
|