الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ
نَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا عَظِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ اللهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا
إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَرِيمًا.. أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا
اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ واشكروه على بلوغ هذا الشهر المبارك شهر الصدقات والبركات , فإن نبيكم صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ
فِي رَمَضَانَ" فجوده لا نهاية في هذا الشهر وكذا سخاؤه المتناهي فكَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ
يَدُهُ، وَكَانَ لَا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا أَعْطَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا
يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ،
قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ
الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ
سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيهِ أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الْآخِذِ بِمَا
يَأْخُذُهُ، وَكَانَ إِذَا عَرَضَ لَهُ مُحْتَاجٌ آثَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، تَارَةً
بِطَعَامِهِ، وَتَارَةً بِلِبَاسِهِ.
وَكَانَ
يُنَوِّعُ فِي أَصْنَافِ عَطَائِهِ وَصَدَقَتِهِ، فَتَارَةً بِالْهِبَةِ،
وَتَارَةً بِالصَّدَقَةِ، وَتَارَةً بِالْهَدِيَّةِ، وَتَارَةً بِشِرَاءِ
الشَّيْءِ ثُمَّ يُعْطِي الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَالسِّلْعَةَ جَمِيعًا.
وَتَارَةً
كَانَ يَقْتَرِضُ الشَّيْءَ فَيَرُدُّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَفْضَلَ وَأَكْبَرَ،
وَيَشْتَرِي الشَّيْءَ فَيُعْطِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ
وَيُكَافِئُ عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ بِأَضْعَافِهَا، تَلَطُّفًا
وَتَنَوُّعًا فِي ضُرُوبِ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَكَانَتْ
صَدَقَتُهُ وَإِحْسَانُهُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَبِحَالِهِ وَبِقَوْلِهِ، فَيُخْرِجُ
مَا عِنْدَهُ، وَيَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا، وَيَدْعُو
إِلَيْهَا بِحَالِهِ وَقَوْلِهِ، فَإِذَا رَآهُ الْبَخِيلُ الشَّحِيحُ دَعَاهُ
حَالُهُ إِلَى الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، وَكَانَ مَنْ خَالَطَهُ وَصَحِبَهُ وَرَأَى
هَدْيَهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ مِنَ السَّمَاحَةِ وَالنَّدَى.
وَكَانَ
هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى الْإِحْسَانِ
وَالصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ، وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَشْرَحَ الْخَلْقِ صَدْرًا، وَأَطْيَبَهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمَهُمْ
قَلْبًا، فَإِنَّ لِلصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي
شَرْحِ الصَّدْرِ، وَانْضَافَ ذَلِكَ إِلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ شَرْحِ
صَدْرِهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَخَصَائِصِهَا وَتَوَابِعِهَا، وَشَرْحِ
صَدْرِهِ حِسًّا وَإِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْهُ.
فالسخي
المؤمن قريب من الله ومن خلقه ومن أهله، قريب من الجنة بعيد عن النار، والبخيل
بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار. فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله
يبغضه إلى أولاده، وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته مما لم يختص به
الرب جل وعلا، فهو سبحانه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، ورحيم يحب
الرحماء، قال ابن القيم " الكريم
المتصدق يعطيه الكريم مالا يُعطي غيره جزاء له من جنس عمله " .
والصدقة
تطفئ شؤم المعصية، يقول النبي صلى الله
عليه وسلم لمعاذ
رضى الله عنه : «ألا أدلك
على أبواب الخير ؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (رواه الترمذي
الصدقة
وقاية بين العبد وبين النار، والمخلص المسرُّ بها يستظل بها يوم القيامة، ويدعى من
باب الصدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم
: «ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة» (متفق عليه
ومن
فضائل الصدقة: أنها إذا كانت من كسب حلال خالصة لوجه الله تعالى، فإِنَّ الله
تعالى يقبلها بفضله، ويضاعف ثوابها لصاحبها أضعافًا مضاعفة، والله ذو الفضل العظيم.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -
رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ
تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ -،
وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا
يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أي المهر الصغير - حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ
الْجَبَلِ» فيأتي المؤمن يوم القيامة، وإذا بحسناته أمثال الجبال فيفرح بثواب الله.
ومنها:
تكفير السيئات. روى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال له: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟
الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ
النَّارَ»
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فإن من أفضل أنواع الصدقة، الصدقة الجارية التي تستمر
للعبد بعد وفاته مثل الصدقة على طلاب العلم وحفر الآبار، وبناء المساجد، وطباعة
الكتب، ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والأوقاف الخيرية على الفقراء والمساكين
ونحو ذلك.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله
عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ
انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»
وعلى المنفق أن يراعي الأمور التالية: الإِخلاص لله
عز وجل في صدقته، وأن يحذر من الصدقة بالرديء من طعام أو لباس أو نحو ذلك، أو أن
يتبع صدقته المن والأذى، أو أن يبخل بما أعطاه الله، أو أن يحتقر شيئًا من الصدقة،
أو أن يرجع في صدقته.
ولقد يسر الله لنا مؤخراً قنوات رسمية للتبرعات
الخيرية سالمة من الشبهات في بلادنا حرسها مثل منصة إحسان.
اللهم
إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار،
اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما
علمتنا، اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل
فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو
علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم
ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم علمنا منه ما جهلنا
وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي
يرضيك عنا، يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .
|