بيـت المـسـلم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا, فكم لا كافي له ولا مؤوي, أحمده على إنعامه, وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله, وأصحابه,وسلم تسليما كثيرا وبعد :
عباد الله:
لقد من الله علينا عز وجل في هذا الزمن بنعم لا تعد ولا تحصى , ومن هذه النعم ما خوَّلَنا من مساكن , قال تعالى : { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً} النحل: الآية:80.
وهذه المساكن التي نسكنها الله أعلم أنها لم تحصل للملوك قبلنا, مساكن مريحة, باردة في الصيف, ودافئة في الشتاء, قسم للرجال, وقسم للنساء, وقسم للضيوف, وهذا للأكل وهذا للجلوس وهذا مجلس للعصر وهذا مجلس للصباح , عسى أن تكون عوناً على طاعة الله, وألا تكون استدراجاً .
عباد الله: إن هذه البيوت التي منّ الله بها علينا وأنعم, يجب أن تقدر هذه النعمة, وأن نطيع الله فيها, ولا نعصيه, وأن نجعلها عامرةً بذكره وشكره .
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ".
فهذا واجب علينا أن نعمرها بقراءة القرآن, حتى تكون مقراً للملائكة, وتنفر منها شياطين الجن, والإنس, ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على بيت أبي موسى ليلاً وهو يقرأ القرآن فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته, فلما أصبح أبو موسى وأتى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره, فقال: أما إني لو علمت لحبرته لك تحبيراً ".
وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت والقرآن من أعظم الذكر ".
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يفارقه القرآن, وكان الصحابة رضي الله عنهم كلّهم من أهل القرآن تمثلوا وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم حينما قال:" اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " رواه مسلم.
ومن الواجب علينا في بيوتنا أن نجعلها عامرة بالصلاة, ففي الصحيحين, من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اجعلوا من صلاتكم في بيتكم ولا تجعلوها قبوراً ".
وقال عليه الصلاة والسلام :" أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة " متفق عليه.
ففي هذين الحديثين, حث للمسلمين على أن يجعلوا بيوتهم عامرة بصلاة النافلة والسنن الرواتب القبلية والبعدية والنوافل المطلقة, كركعتي الضحى والوتر وقيام الليل وغيره من النوافل, لأن المسلم إذا صلى النافلة في بيته اقتدى به الصغير, وتذكر الكبير, وتربى من في البيت على طاعة الله, والخضوع بين يديه, وقوله صلى الله عليه وسلم :" ولا تتخذوها قبوراً " لأن القبور ليست محلاً للصلاة, فالذي لا يصلي في بيته جعله كالمقبرة التي لا يصلى فيها لا فرائض ولا نوافل.
[ وإذا توفرت هذه الأمور في البيوت, ذكر الله فيها, وصلوات النوافل وقراءة القرآن أصبحت مدرسة للخير, يتربى فيها من يسكنها من الأولاد والنساء على الطاعة والفضيلة , وتدخلها الملائكة وتبتعد عنها الشياطين , وإذا خلت البيوت من هذه الطاعات صارت قبوراً موحشة, وأطلالاً خربة , سكانها موتى القلوب وإن كانوا أحياء الأجسام, يخالطهم الشيطان, وتبتعد عنهم ملائكة الرحمن, فما ظنك بمن يربى في هذه البيوت كيف تكون حاله وقد تخرج من هذه البيوت الخاوية, الخالية من ذكر الله والتي هي مقابر لموتى القلوب ]().
عباد الله: إن بيوت المسلمين اليوم إلا من رحم الله صارت أوكاراً للشياطين, تبيض فيها وتفرخ, فالغناء الماجن والموسيقى الصاخبة, والنساء العارية, والصور الخليعة , بل ويذكر أنه يعرض في بعض الأحيان الزنا ومقدماته , فإنا لله وإنا إليه راجعون . بيوت المسلمين, أهل القرآن, أهل الذكر, أهل الصلاة, أهل الخشوع, تتحول بيوتهم [ أوكاراً للشر وجراثيم مرضية تفتك في جسم الأمة الإسلامية ] ().
إن الواجب على كل مسلم أن يقدر ما هو فيه من نعمة, كنا بالأمس رعاة عالة حفاة نستظل بالشجر والحجر والكهوف والمغارات , واليوم كالملوك على الأسرة, نسكن في أعالي القصور , ونركب أفخم المراكب, ونتمتع بنعم عظيمة ومع ذلك لم نقابل هذه النعم بالشكر والثناء , وإنما ملأناها بالمنكرات والملهيات والمغريات.
أيها الناس: اتقوا الله في أنفسكم, وطهروا بيوتكم من أسباب الشر, واجعلوها عوناً لكم على طاعة الله عز وجل , لتتربى فيها الأجيال الصالحة الناشئة على الفضيلة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه كريم ملك بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
عباد الله:
إن بيت المسلم يجب أن يكون مدرسة للأجيال تتربى فيه على العبادة والطهر, والعفاف, والحياء, والأخلاق الفاضلة, يتعلم فيه أدب الدخول والخروج, والأكل والشرب , يتعلم فيه أدب النوم . قال عليه الصلاة والسلام :" مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, وفرقوا بينهم في المضاجع".
لأن التفريق بينهم في المضجع ينشئهم على الحياء والطهر والعفاف , وحتى تختلف أخلاق المسلم عن أخلاق الكفرة الذين لا يرعون حرمة ولا دين .
وبيت المسلم لا يُشرب فيه محرم ولا يُؤكل ولا يُؤذن لأحدٍ أن يشرب فيه محرماً , ومع الأسف أن بعض المسلمين يشرب في منزله الدخان, ولا يحرك ساكناً, وهذا من أضر المحرمات , فربما اقتدى به جاهل أو طفل .
وبيت المسلم له حرمة فلا يُدخل إلا بإذنه, ولا يطلع عليه أحد, ولا يشارف الجار الأعلى الجار الأسفل .
وبيت المسلم لا يخلو من خير, فتتوفر فيه الكتب الإسلامية, والأشرطة الإسلامية, وكل ما يدعوا إلى الخير والفضيلة.
بيت المسلم هادئ, لا صخب فيه, ولا لغو, تتجاذب فيه الأحاديث الودية, والأخبار المروية, بعيداً عن سفاسف الأخلاق وسيئها.
أيها المسلمون طهروا بيوتكم من المنكرات وعمروها بالطاعات , لعل الله أن يتجاوز عما ما لدينا من سيئات .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71}}التوبة.
اللهم أصلح أحوالنا وبيوتنا اللهم وفقنا لما يرضيك عنّا يا رب العالمين .
|