الرفق بابن السبيل
الخطبة الأولى
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين, وبعد :
فإن الله عز وجل جعل المؤمنين إخوةً في الدين, قال تعالى: { إِنَّـمَا الْمـُؤْمِنُونَ إِخْـوَةٌ } الآية 10: الحجرات
وأمرهم بالتعاون والتناصح, ونوَّع أبواب الخير والبر حتى جعل في دلالة الأعمى ومساعدة الضعيف, وحمله على دابته؛ أو حمل متاعه صدقة .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم, أن المؤمنين كالبيان, يشد بعضه بعضه.
وقال عليه الصلاة والسلام:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه مسلم.
وأمر الجار أن يغرز خشبته في جدار جاره , كل ذلك دليل على أن هذه الأمة أعني الأمة الإسلامية كالجسد الواحد , ولكن عندما ضعف الإيمان في قلوب الناس وقلَّ الوازع الديني وقلَّت الرحمة , أخذت تظهر بوادر سيئة من بعض المسلمين هداهم الله ,
ومن هذه البوادر السيئة :
عدم إركاب المنقطع على جانب الطريق , وهذه بادرة سيئة , أوحاها الشيطان إلى ضعيف الإيمان, إما بحجة الخوف من هذا الراكب, أو بحجة الكبر ؛ كيف يركب سيارتي مثل هذا ؟
أيها المسلمون :
إن هذا العمل ينافي تعاليم الإسلام السمحة؛ الذي جاء بكل خير وبكل خلق جميل , وحث على فعل المعروف , ويجب ألا يوجد في المجتمع المسلم الذي شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد وبالبناء الواحد , فإذا وجدت هذه الأفعال المنكرة في مجتمع مسلم, دل على خلو القلوب من الرحمة والشفقة والعطف على فقير المسلمين ومحتاجهم , ودل على بُعْدِ المسلمين عن تعاليم الإسلام .
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم, إذ جاء رجل على راحلة له قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له, ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له".
قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر, حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل.
ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن من كان معه فضل ظهر ( أي معه مكان راكب) فعليه أن يحمله, فكيف بمن يمر بالمنقطع من المسلمين ومعه الأمكنة الخالية ولا يحمله.
أيها الناس :
لقد كنتم بالأمس حفاةً على الأقدام, والقليل على البهائم , فأنعم الله عليكم بهذه النعم, أعني نعمة المركب , فلا تبخلوا على إخوانكم المسلمين , واعلموا أن لهم عليكم حقوقاً كثيرة غير إركابهم , ولا يسول لكم شياطين الإنس والجن فيلقوا في قلوبكم الرعب والهلع حتى لا تحملوهم , واعلموا أن الحذر لا يرد القدر , فربما أصابتك دعوة مسلم منقطع أنقذته .
أيها المسلمون :
إن الذي دعاني إلى هذا الكلام أمرٌ شاهدته قبل يومين , حيث مررت برجل كبير في السن من أهل هذه البلاد, انقطع على طريق عام , فوجدته شاحب الوجه, خائر القوى, غائر العينين, قد غيرته الشمس , وقال : لي ثلاث ساعات في مكاني هذا لم يقف لي أحد .
وحُدثت أن هناك من وقف من الساعة الثامنة صباحاً فلم يركب إلا الساعة السادسة مساءً على طريق عام , والأخبار كثيرة, والشواهد قائمة , واسألوا أنفسكم كم واقفاً على الطريق تركتموه, لا تدرون أجائع هو أم عطشان أم مريض؟
فيا عباد الله:
إن من تمام شكر النعمة, أن تنعم على أخيك المسلم, وأن تتصدق عليه بفضل المال وبفضل الظهر وبفضل الزاد , ولا تفخر عليه بشيء من ذلك, وترجو دعوته إن كان مسلماً , وإن كان غير ذلك حببت إليه الإسلام بجميل صنيعك.
أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
أيها المسلمون :
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إبل الشياطين , وهي الإبل التي أسمنها صاحبها ولكنها لا تركب , ومن مراكب الشياطين فلعلها هذه السيارات التي يركبها بعض الناس مفاخرة ومباهاة , وإذا مروا ببعض المحتاجين إلى الركوب لم يركبوهم, ويرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم وغطرستهم ().
روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تكون إبل للشياطين, وبيوت للشياطين, فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيراً منها, ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله, وأما بيوت الشياطين فلم أرها ".
فالحذر الحذر أيها المسلمون من الأفعال المنافية لكمال الإيمان والمحبة بينكم, واعلموا أن حمل الضعيف والمحتاج قربة إلى الله تعالى.
قال عليه الصلاة والسلام :" وهل ترزقون وتنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" رواه البخاري.
فاحملوهم وأعينوهم ولقد كان نبيكم عليه الصلاة والسلام يركب الحمار ويرفد عليه, ويركب البعير ويرفد عليه , كل ذلك من شفقته بأصحابه وتواضعه عليه الصلاة والسلام .
مر يوماً بأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي تحمل على رأسها شيئاً , فأناخ راحلته عليه الصلاة والسلام وقال لها اركبي , ولكنها امتنعت حياءً منه عليه الصلاة والسلام, ومراعاة لخاطر زوجها الزبير بن العوام رضي الله عن الجميع .
وكان يتفقد أحوال أصحابه عليه الصلاة والسلام , فلقد رأى رجلاً يسوق بدنة في حجة الوداع , فقال له : اركب . كل ذلك من شفقته عليه الصلاة والسلام بأصحابه.
فاحذروا رحمكم الله هذه العادة السيئة المنافية لتعاليم دينكم, واحملوا ضعيفكم ومحتاجكم .
|