تذكير البشرية بالأحكام البرية
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر
فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له له
الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق والورى صلى
الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أولوا الأحلام والنُهى أما بعد
فاتقوا الله ربكم واحمدوه واشكروه
على ما أولاكم من النعم، ومنها هذه الأمطار التي أصابتنا ولا زالت بحمد الله ترتوي
منها المخلوقات.
أيها الناس: روى أبو داود
عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدو أي
يخرج- إلى التلاع " يبدو: أي يخرج إلى البادية لحصول الخلوة
والتفكر وغيرها، فهذا الكون بجماله وكماله وسحره وأناقته مسارٌ في التفكر والتأمل
في آيات الله تعالى المسطورة في كتاب الله والمنثورة في الكون التي هي في الأصل
نوع من أنواع العبادة ، تحصل بجلاء لمن خرج إلى البر أو البادية.
أيها المؤمنون: هناك آداب جمة لمن
خرج للبرية ينبغي مراعاتها
منها : ذكر دعاء النزول ، فعن خولة بنت
حكيم رضي الله عنه أنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم " من نزل منزلا
فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من مكانه
" يقوله بيقين واستحضار للنية.
ومن الآداب أيضا : وجوب المحافظة على الصلوات
الخمس في أوقاتها والأفضل أن يحرص على السنن الراتبة القبلية والبعدية للصلوات وهي
اثنتا عشرة ركعة. ويُسن للنازل أن يخصص مكانا للصلاة قال صلى الله عليه
وسلم (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ) .
ومن الآداب المخلة ما نشاهده
من بعض ضعفاء النفوس والذوق العام من ترك المخلفات في مكان جلستهم
ولم يراعوا في ذلك الأدب الشرعي قال r: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه
لعنتهم ) حسنه الالباني . ويقاس على ذلك رمي مخلّفات الأكل الورقية والبلاستيكية،
وأقبح منه ما تفعله بعض النساء من رمي حفائظ الأطفال، وعلى المرأة المسلمة إذا
خرجت للبر الاحتشام، وحفظُ حيائها، ومراقبةُ ربها، وعدمُ تبرجها بحضرة الرجال
الأجانب، فالحجاب لا يرتبط بمكان أو زمان معين؛ بل هو أمرٌ من الله سبحانه وتعالى
للنساء أن [يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ]
ومن السنن أيضا : أن القوم إذا كانوا جماعة
وذبحوا ذبيحة ، فليتحر الذابح النية لله تعالى فإنها عبادة عظيمة كما قال الله
" فصل لربك وانحر " فإذا ذبحت لتأكل فلا يكن همك التمتعَ بالذبيحةِ
وسلخِها وتقطيعِها وطبخِها ، بل تذكر أن ذبحها عبادةٌ لله تعالى
بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول واستغفر
الله لي ولكم ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على نعمه وعموم فضله
وجوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله خير من شكر الله تعالى على نعمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
تسليماً كثيراً، أما بعد:
ومما يجدُر الانتباه إليه في
الخلوات وعند الخروج لمثل هذه الرحلات: إعطاء الجيران حقوقهم ، فقد تجد
بجانبك أو على مقربةٍ منك بعض الجيران الذين خرجوا لأجل الغرض الذي خرجت لأجله ،
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند طبخ اللحم من إكثار المرقة وتعهد الجيران
والإهداء إليهم منها ، فالتعرفُ عليهم وإسداءُ المعروف لهم وخدمتُهم والتواضعُ لهم
من الآداب التي يشترك فيها الناس في البر والمدن ، وهو في البر آكد، وبالمقابل
تحريم أذيتهم بالقول أو بالفعل مثل رفع الصوت بالأغاني أو الشيلات أو جلوس الشباب
بجانب العوائل أو التفحيط والازعاج بالسيارات ونحوها قال عليه الصلاة السلام [
والله لا يؤمن .قيل من يارسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه ] أي شروره
وكذا : التأدبُ بآداب الخلاء ، فإن
النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الغائط أبعد حتى لا يراه أحد ، ولا يرفع
ثوبه إلا إذا دنا من الأرض ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ويتعوذ بالله
من الخبث والخبائث إذا رفع ثوبه ويتجنب التخلي في طريق الناس وظلهم ،
ومن الآداب أيضا : التنبه إلى إطفاء النار ليلا
لمن أراد النوم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " النار عدو فاحذروها ،
وكان عبد الله بن عمر يتتبع نيران أهله فيطفئها قبل أن يبيت " [ رواه أحمد ]
.
والمقصود من التذكير بهذه الحِكم
والأحكام عباد الله : أن نعلم أننا مسلمين وأننا حيثُما حللنا وارتحلنا
أو ذهبنا وأقمنا فإننا نعبد الله على كل أحوالنا وفي أمورنا كلها وأن نقصد بكل شيء
عبادته سبحانه وتعالى، القيام بالشكر لله[ لئن شكرتم لأزيدنكم].
اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك
التي أنعمت علينا ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من عبادك
الشاكرين. اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وقادتنا وجماعتنا، اللهم احفظ
بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وعبث العابثين، اللهم من أراد بلادنا بسوء
فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز، اللهم
اجعل بلادنا مستقرة آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما
أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم اجعل ما أنزلته صيبا
نافعاً. اللهم اجعله عطاء مشفوعاً برضى، تصلح بها أحوالنا وتستقيم به قلوبنا يا
أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل
علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا
مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً
للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا
والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تب علينا إنك أنت التواب
الرحيم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان
تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-129.html
|