(وفيه دخن)
الحمد
لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
إقراراً به وتوحيداً واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما
مزيدا :
أما
بعد :
فعليكم
بالسنة النبوية التي ما من خير إلا دلة الأمة
عليه ولا شر إلا حذرت الأمة منه فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ, وفي زمن
الفتن والاضطرابات يتأكد على العبد الذي يريد النجاة العناية بالسنة أكثر من ذي
قبل ومن تلكم الأحاديث والوصايا في الفتن ما رواه لنا الصحابي الجليل حذيفة بن
اليمان رضي الله عنهما حيث قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يارسول الله : إنا كنا في
جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال : نعم ، قلت : فهل من بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم
وفيه دخن قلت : وما دخنه قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هدي تعرف منهم
وتنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم
إليها قذفوه فيها فقلت : صفهم لنا يا رسول الله ؟ قال : نعم قوم من جلدتنا
ويتكلمون بألسنتنا قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك قال : تلزم جماعة المسلمين
وإمامهم فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن
تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
عباد
الله : من فهم هذا الحديث فهما مبنيا على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح وعمل
بذلك الفهم الصحيح ولم يغل ولم يجف ولم
يفرط كان بإذن الله من السالمين من شر كل فتنة , وقد اشتمل على عدة فوائد نختصرها
لكم :
منها: في
قوله " إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير" تذكر حذيفة لنعمة الله عليهم إذ أنقذهم الله مما
كانوا فيه من الشرك والجاهلية والتفرق والخوف فمنّ الله عليهم بنعمة الإسلام
والإيمان والأمن واجتماع الكلمة وهذا ظاهر ، وهكذا على المسلم أن يتذكر نعمة الله
عليه فإن تذكرها مدعاة لشكر الله عليها والحرصِ على دوامها ، ومنها ما حبانا الله
في هذه الدولة المباركة من وحدة الصف والاجتماع على ولي الأمر والعلماء فلا نزاع
ولا شقاق فالحمد لله أولا وآخرا.
ومنها
: وجوب الحذر من دعاة الضلال دعاة النار وبعض الناس يظن أن الدعاة إلى النار هم
اليهود والنصارى و الهندوس وأشباههم فقط وهذا قصور في الإدراك وسوء فهم بل إن من
دعاة جهنم أقوام هم من أكثر الناس صلاة وصياماً وقراءة للقرآن يتكلمون بأحسن
الكلام وأعذبه حتى ترعد له القلوب وتذرف له العيون ومع ذلك هم دعاة على أبواب جهنم
وقد وصف الله المنافقين بجمال الصورة وحسن المنطق فقال : (وإذا رأيتهم تعجبك
أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ).
وقال
صلى الله عليه وسلم : (( يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام
يقولون من خير قول الناس يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية من لقيهم
فليقتلهم فإن قتلهم أجر عند الله عز وجل)) وإذا سمع المسلم هذه النصوص علم أن
العبرة في الداعية ليس جمال صورته ولا تأثير أسلوبه ولا كثرة بكائه على المنابر و
ما يسمى بالمحاريب ولا بتحريكه للمشاعر إنما العبرة أن يكون كلامه موافقاً لكتاب
الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولهدي السلف الصالح.
ومنها : أن حذيفة حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
المخرج من فتنة دعاة جهنم أمره أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم وهذه الجملة يستفاد
منها : أن الدعاة على أبواب جهنم في هذا الحديث المقصود بهم أصالة : الدعاة الذين
يهيجون القلوب على ولاة الأمور ويدعون إلى الفوضى والمظاهرات والشغب والانقلابات
والثورات ولو كان ذلك تحت شعار إنكار المنكر والغيرة على محارم الله .أو يأتي
بالشبهات على العوام ويغرر بهم ويشككهم في الثوابت .
ويستفاد
من هذه الجملة العظيمة من الحديث أن المخرج من فتنة دعاة جهنم أن تلزم السمع والطاعة لولاة الأمور
وأن لا تشارك بقلم ولا لسان ولا قليل ولا كثير في هذه الفتن بل تسعى جاهداً في
إخمادها بمناصحة دعاة الفتنة إن أمكن والتحذيرِ منهم بذكر أوصافهم أو بذكر أسمائهم
إن اقتضى الأمر وتلك نصيحة وإن سماها المدافعون عن أهل الفتنة غيبة .
أقول
هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
(( الخطـبة الثانيــة ))
ومنها
: أن المقصود بلزوم جماعة المسلمين
وإمامهم هي أن يلزم المسلم السمع والطاعة
لولي أمره في حدود سلطان ولي الأمر ولو تعددت دول المسلمين وحكوماتهم وليس المعنى
أنه لا يسمع ولا يطيع إلا إذا كان للمسلمين حاكم واحد في الأرض كلها.
ومنها : لا يدخل في إمام المسلمين وجماعتهم ما
عرف بالجماعات الإسلامية اليوم وقادتُها ،
كجماعة الإخوان والتبليغ وجماعات الجهاد وغيرها بل هي من أسباب الفتن والتفرق
والشتات والبعد عن منهج السلف الصالح فإنها تشق الكلمة وتنزع بيعة الحاكم ،
القائمِ بشؤون البلاد وتأخذ البيعة لقادتها وتأخذ البيعة لإمام مجهول تشبها
بالرافضة .
ومنها
: ماذا يفيد صنيع حذيفة هذا -رضي الله عنه- وهذا
الحرص ؟!
إنه تنبيهٌ
إلى أمرٍ يغفُل عنه كثيرٌ من الناس أو يقصرون فيه، وذلكم الأمر هو الالتجاء إلى أهل
العلم المعروفين بسداد المنهج وسلامته وصحة المعتقد والنصح للأمة ومن أوتوا رسوخاً
في العلم وفقهاً في دين الله؛ لأن أولئك القوم هم أهل ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال عليه الصلاة والسلام:{وإن العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً
ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر} , فبان بهذا أن على المسلمين
إذا نزلت بهم نازلة أو خافوا أمراً يضرهم في دينهم أن يلتجئوا إلى أهل العلم الذين
يحسنون الفصل في المعضلات وحل المشكلات وفق الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |