الرفق
الحمد لله الذي جعل الأخلاق من الدين، وأعلى بها شأن المؤمنين، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد
الله ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين
الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما
بعد:-
فاتقوا الله ربكم عز ووجل فإن التقوى خير مركب .
أيها الناس : يقول الله تعالى مثنيا على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم [ فبما رحمة من الله لنت لهم ] أي برحمة من الله لك ولأصحابك منّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك وخفضت لهم جناحك وترفقت عليهم وحسّنت خلقك فاجتمعوا عليك وأحبوك وامتثلوا أمرك .
نعم عبد الله ما أحوجنا إلى الرفق في الأمر كله !! مع
أنفسنا !! مع أولادنا!! مع أزواجنا!! مع أقاربنا وجيراننا وأصحابنا
الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف
والرفق عباد الله تواترت النصوص الشرعية بالحض عليه وتنوعت أيضا فمنها قوله تعالى لأفجر رجل عرفته البشرية فرعون لعنه الله قال لموسى وهارون: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى . فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)
قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: ومن أسمائه تعالى:" الرّفيق" في أفعاله وشرعه , ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئا بعد شيء وجريانها على وجه السّداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول، وهو تعالى يحبّ من عباده أهل الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف. والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقا في أموره متأنّيا، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت.
وأما الأحاديث فمثل قوله صلى الله عليه وسلم عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه»رواه الإمام مسلم . وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» رواه الإمام مسلم وهذا يكون في الولاية الكبرى كما أنه يكون في الولاية الصغرى فاحذروا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم يا من توليتم أي ولاية!!!!!
الرفق معاشر المسلمين لا يتنافى مع الشدة فإن الشدة في بابها نافعة، قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟». قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه.
والرفق يكون أيضا مع أهل البيت وهم أولى الناس برفقك وإحسانك عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال لها: «يا عائشة أرفقي فإنّ الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلّهم على باب الرّفق» رواه أحمد في المسند وصححه الألباني .
والرفق يكون في العبادات بحيث لا يشق على نفسه ولا يحملها ما لا تسطيع فعن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» صحيح البخاري .
والرفق يكون مع الحيوانات عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر، فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجتكم» رواه أبو داود
بإسناد حسن .عن عبد الله بن مسعود- رضي اللهعنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرش فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من فجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها) رواه أبو داود بإسناد حسن . الله أكبر عباد الله !! ما أعظم هذا الدين حتى مع الطيور والبهائم يأمر بالرفق وعدم العنف والأذية .
أيها الناس
ومن الأمثلة التطبيقية في حياة سيد البشر صلى الله عليه وسلم لهذا الخلق الكريم: الرفق ما رواه عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118)، فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» فقال الله- عزّ وجلّ: يا جبريل اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك) صحيح مسلم
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
أيها الإخوة: ومن فوئد الرفق أنه طريق موصّل إلى الجنّة. وأنه دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام. وأنه يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس. وأنه ينمّي روح المحبّة والتّعاون بين النّاس. وأنه دليل على صلاح العبد وحسن خلقه. وأنه ينشأ مجتمعا سالما من الغلّ والعنف. وأنه عنوان سعادة العبد في الدّارين. وأن رفق الوالي – سواء ولاية عامة أو خاصة بالرّعية مدعاة لأن يرفق الله بالرّعية.
عباد الله وخير ما يعين العبد على التخلق بخلق الرفق: مجاهدة
النفس, ودعاء الله بتضرع وإلحاح, ومشاهدة ثمرات الرفق, وعقوبة العنف والتسرع
والغضب. واستحضار هدي الأنبياء مع أقوامهم فهم خير قدوة.
اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيء الأخلاق لا يصرف عنّا
سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم علمنا
ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول
به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب
الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل
ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا
أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلّط علينا بذنوبنا من ﻻ يرحمنا ولا يخافك فينا يا أرحم
الراحمين................
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|