فضل أيام عشر ذي الحجة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً،
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد: فإن خير الكلام كلام
الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .
أيها الإخوة المسلمون: مواسم الخير فرص الحياة, والتزود منها سبيل المؤمنين
المخلصين, (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ* وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا )
يستقبل المسلمون بعد أيام أياما وليالي ليست كغيرها من الأيام والليالي إنها:
أيام وليالي عشر ذي الحجة التي فضلها الله على غيرها بقوله تبارك وتعالى: (
وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وأكد ذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية
بقوله: "والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباسٍ وابن
الزبير ومُجاهد وغير واحدٍ من السلف والخلف". وهنا يُمكن القول: إن فضل
الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحاً في القرآن الكريم الذي سماها بالأيام
المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها. وذلك بقوله تعالى: ( وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ
كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) . حيث أورد ابن كثير رحمه الله في
تفسير هذه الآية قول ابن عباس رضي الله عنهما الأيام المعلومات أيام العشر.
وقد
جاءت نصوص كثيرة من السنة تبين فضل وأهمية هذه العشر, من ذلك النصوص عن ابن
عباس –رضي الله عنهما – أنه قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما
من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر).
قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله
إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء". ومن الأحاديث أيضا:
عن جابرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن العشرَ عشرُ الأضحى، والوترُ يوم عرفة، والشفع يوم النحر"رواه أحمد.
ومنها عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: " ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى.
قيل: ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهادُ في سبيل الله إلا
رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء. قال وكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل
أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ عليه". ومنها عن
جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل
أيام الدنيا أيام العشر يعني: عشر ذي الحجة". قيل: ولا مثلهن في سبيل
الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب".
وقد
اختصت هذا العشر بخصائص كثير يصعب حصرها , ويحسن بنا – أيها الإخوة – أن نعلمها
ونعمل بها وندعو إلى العمل بها فأول هذه الخصائص: أن الله سبحانه
وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم فقال عز وجل: ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ولاشك
أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها وفضلها، فإن العظيم إذا أقسم بشيء فإنما
يدل على عظمته .
ثانيا
من الخصائص: أن الله تعالى سماها في كتابه "الأيام المعلومات"،وشَرَعَ فيها ذكرهُ على الخصوص فقال سبحانه: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي
أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )، وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام
العشر الأول من شهر ذي الحجة.
ثالثا: أن
الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ كما مر في حديث
ابن عباس.
رابعا: أن
فيها ( يوم التروية )، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج.
خامسا: أن
فيها ( يوم عرفة )، وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام، وله فضائل عظيمة، فهو
يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المُباهاة , فعن أم
المؤمنين عائشة -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
" ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار من يوم
عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " رواه
مسلم.
سادسا: أن
فيها ( ليلة جَمع )، وهي ليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجاج ليلة العاشر من
شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة.
سابعا
من المزايا: أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام .
ثامنا:
أن فيها ( يوم النحر ) وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا
كما روي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر ، ثم يوم القَرِّ ".
تاسعا:
أن الله تعالى جعلها ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كسوق الهدي الخاص
بالحاج، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين.
عاشرا: أنها
أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد
سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: " أيام عشر
ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من
ليالي عشر ذي الحجة ".
الحادي
عشر من الخصائص: أن هذه الأيام المباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع
فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله: "والذي يظهر أن السبب
في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام
والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره ".
الثاني
عشر: أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام ،
والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج .
هذه بعض
المزايا والخصائص ذكرت ولعل ما تعل ما تعلمونه عن هذه الأيام أكثر من ذلك, فاتقوا
الله وأجملوا في الطلب (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله
لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
, كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له , وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أيها
الإخوة المسلمون: العبادات التي يقوم به المسلم كثيرة وهي تختلف من زمن إلى زمن,
ومن مكان إلى آخر, وفي هذه العشر يمكن أن يقوم المسلم بعبادات كثيرة منها: الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم لقوله تبارك وتعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) ولِما ما
في الحديث: "فأكثروا فيهن من التكبير، والتهليل، والتحميد". وقد
كان بعض السلف يخرجون إلى الأسواق في هذه الأيام العشر، فيُكبرون ويُكبر الناس بتكبيرهم. ومما يُستحب أن ترتفع الأصوات به التكبير وذكر الله تعالى سواءً
عقب الصلوات، أو في الأسواق والدور والطرقات ونحوها. كما يُستحب الإكثار من
الدعاء الصالح في هذه الأيام اغتناماً لفضيلتها، وطمعاً في تحقق الإجابة فيها. ويستحب
أيضا الإكثار من صلاة النوافل لكونها من أفضل القُربات إلى الله تعالى إذ أن النوافل
تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه، ومن أسباب
رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات". ومنها أي من العبادات: ذبح الأضاحي، والإكثار من الصدقات المادية والمعنوية, وكذلك الصيام لكونه من
أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها،
ولما روي عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المُباركة؛ فقد
روي عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة،
ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر، أول اثنين من الشهر والخميس". ومنها:
قيام الليل لكونه من العبادات التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على المُحافظة
عليها من غير إيجاب. ومنها: أداء العمرة لما لها من الأجر العظيم ولاسيما في أشهر
الحج حيث إن عُمرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أشهر الحج ، ولما ورد في
الحث على الإكثار منها والمُتابعة بينها فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العُمرةُ إلى العُمرةِ كفارةٌ لما
بينهما ". ومنها: زيارة المسجد النبوي في المدينة النبوية. ومنها وعلى رأسها:
التوبة والإنابة إلى الله تعالى لقوله تعالى: ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )، ولأن التوبة الصادقة
تعمل على تكفير السيئات ودخول الجنة بإذن الله تعالى, لأن التائب من الذنب كمن لا
ذنب له. ولا تنسوا العمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام
مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم
هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره".
أعاننا الله وإياكم على طاعته وذكره وحسن عبادته، ووفقنا جميعا
لمرضاته وجعلنا من أوليائه............. انتهت الخطبة
وللمزيد من الخطب السابقة عشر ذي الحجة وموسم الحج تجدها
هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=130 |