بعد الحج 1437هـ
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ : } يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، } خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، أَرْسَلَهُ : } شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا { ، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ :
يَقُوْلُ U: } قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {، فَاَلْفَرَحُ بِمَاْ يَتَفَضَّلُ بِهِ اَللهُ U عَلَىْ عِبَاْدِهِ أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً ، وَمِنْ ذَلِكَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ تَوْفِيْقُهُ لِحُجَّاْجِ بَيْتِهِ، فَقَدْ اِنْتَهَىْ مَوْسِمُ اَلْحَجِّ، وَعَاْدَ اَلْحُجَّاْجُ إِلَىْ بُلْدَاْنِهِمْ، بَعْدَ تَأْدِيَةِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَاْنِ اَلْإِسْلَاْمِ، وَأَفْضَلَ عَمَلٍ بَعْدَ اَلْإِيْمَاْنِ بِاَللهِ وَاَلْجِهَاْدِ فِيْ سَبِيْلِهِ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ t، أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ e سُئِلَ: أَيُّ اَلْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَاْلَ: (( إِيْمَاْنٌ بِاَللَّهِ وَرَسُوْلِهِ )) . قِيْلَ : ثُمَّ مَاْذَا ؟ قَاْلَ: (( اَلْجِهَاْدُ فِيْ سَبِيْلِ اَللَّهِ )) قِيْلَ: ثُمَّ مَاْذَا ؟ قَاْلَ: (( حَجٌّ مَبْرُوْرٌ )) .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
ضَرَبَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ t، رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ ، فَوَقَعَ إِحْدَى نَصْفَيْهِ فِي كَرْمٍ ، فَوُجِدَ فِي نِصْفِهِ ثَلاثُونَ أَوْ بِضْعٌ وَثَلاثُونَ جُرْحًا ، وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَلَمْ يَزَلْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (( لا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَفْرَحُ ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ ))، ثُمَّ تَلَقَّاهُ فَالْتَزَمَهُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ .
فَنَحْنُ لَاْ نَدْرِيْ أَنَفْرَحُ بِسَلَاْمَةِ اَلْحُجَّاْجِ، وَتَوْفِيْقِ اَللهِ U ، لِهَذِهِ اَلْدَّوْلَةِ اَلْمُبَاْرَكَةِ، اَلَّتِيْ تَبْذُلُ اَلْغَاْلِيْ وَاَلْنَّفِيْسِ فِيْ سَبِيْلِ خِدْمَةِ ضُيُوْفِ اَلْرَّحْمَنِ، أَمْ نَفْرَحُ بِمَاْ آلَتْ إِلَيْهِ نُفُوْسُ اَلْحَاْقِدِيْنَ وَاَلْمُتَرِبِّصِيْنَ، اَلَّذِيْنَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اَللهِ تَعَاْلَىْ : } إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا { اَلَّذِيْنَ يَتَصَيَّدُوْنَ اَلْأَخْطَاْءَ عَلَىْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ وَشَعْبِهَاْ وَوُلَاْةِ أَمْرِهَاْ، فَنَجَاْحُ اَلْحَجِّ، وَسَلَاْمَةُ اَلْحُجَّاْجِ، يَجْعَلُ كَثِيْرَاً مِنَ اَلْنَّاْسِ، يَعُظُّوْنَ اَلْأَنَاْمِلَ مِنَ اَلْغَيْظِ، يَتَمَنَّوْنَ أَنْ تَحِلَّ اَلْكَوَاْرِثُ ، وَتَكْثَرَ اَلْمَصَاْئِبُ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ، لِتَكُوْنَ طُعْمَاً لَهُمْ لِلْنَّيْلِ مِنْ بِلَاْدِ اَلْتَّوْحِيْدِ ، وَمِنْ وُلَاْةِ أَمْرِهَاْ مِنْ اَلْأُمَرَاْءِ وَاَلْعُلَمَاْءِ ، } قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { .
مُوْتُوْا بِغَيْظِكُمْ أَيُّهَاْ اَلْصَّفَوُيُّوْنَ وَشِيْعَتُكُمْ اَلْرَّاْفِضَةُ، فَقَدْ طَهُرَتِ اَلْمُقَدَّسَاْتُ مِنْ أَقْدَاْمِكُمْ اَلْنَّجِسَةِ، فَسَلِمَ اَلْحُجَّاْجُ مِنْ شِعَاْرَاْتِكُمْ اَلْكَاْذِبَةِ، وَحَرَكَاْتِكُمْ اَلْخَبِيْثَة.
وَمُوْتُوْا بِغَيْظِكُمْ، أَيُّهَاْ اَلْمُتَصَوِّفَةُ اَلْخُبَثَاْءُ، يَاْمَنْ تَعْقِدُوْنَ اَلْمُؤْتَمَرَاْتِ، بَيْنَ أَحْضَاْنِ وَتَحْتَ رِعَاْيَةِ أَعْدَاْءِ اَللهِ وَرَسُوْلِهِ، لِلْنَّيْلِ مِنْ هَذِهِ اَلْبِلَاْد.
وَمُوْتُوْا بِغَيْظِكُمْ أَيُّهَاْ اَلْمُنْدَسُّوْنَ بَيْنَنَاْ، يَاْمَنْ تُمَجِدُوْنَ مَنْ حَاْدَّ اَللهَ وَرَسُوْلَهُ، وَتُصَمُّ آذَاْنُكُمْ، وَتَعْمَىْ أَبْصَاْرُكُمْ، عَمَّاْ يَقُوْمُ بِهِ وُلَاْةُ أَمْرِنَاْ، فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ اَلَّتِيْ تُقِيْمُ شَرْعَ اَللهِ U مَاْ اِسْتَطَاْعَتْ إِلَىْ ذَلِكَ سَبِيْلَاً، وَتَعْتَنِيْ بِاَلْحُجَّاْجِ وَاَلْمُعْتَمِرِيْنَ وَاَلْزَّاْئِرِيْنَ ، } مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ الْمُؤْمِنُونَ :
إِنَّنَاْ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْد عَلَيْنَاْ وَاْجِبٌ عَظِيْمٌ ، وَخَاْصَةً فِيْ مَجَاْلِ مَاْ يُكَاْدُ بِهِ لَنَاْ، وَلِعَقِيْدَتِنَاْ ، وَلِوُلَاْةِ أَمْرِنَاْ ، وَيَتَلَخَّصُ ذَلِكَ بِأَنْ نَتَّقِ اَللهَ U، وَنَسْمَعَ وَنُطِيْعَ لِمَنْ وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَنَاْ، وَأَنْ نَعْمَلَ بِوَصِيَةِ نَبِيِّنَاْ e، فِيْ حَدِيْثِ اَلْعِرْبَاْضِ بِنِ سَاْرِيَة t، لَمَّاْ قَاْلَ اَلْصَّحَاْبَةُ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُمْ أَوْصِنَاْ قَاْلَ e: (( عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) .
اَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً، وَعَمَلَاً خَاْلِصَاً، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ. اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالْتُّقَىْ، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ ، وَتُوَفَّنَا شُهَدَاء ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَاْرَبَّ الْعَالَمَيْن. } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |