((خطبة جمعة / في التحذير من التستر على المتخلفين بعد الحج))
الحمد لله المتفضل بالنعم , دافع الشرور والنقم , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد : فأوصيكم – أيها الإخوة – ونفسي بتقوى الله . فاتقوا الله حق تقواه (( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) .
عباد الله : في الأيام القليلة القريبة الماضية شهدت بلادنا بلاد الحرمين حرسها الله أمورا فيها من الشدة والكرب ما فيها ولا تزال تعيش بقيا تلك الكروب والمحن , ففي جنوب المملكة حركة عسكرية لم يخف على أحد أمرها , وفي مكة المكرمة جموع الحجيج والمعتمرين , وفي جدة غرق وهلاك .
وقد أثبتت تلك الأمور : حقائق حقة من قدرة إدارية , وحكمة رصينة , وحزم وإرادة صادقة عزيزة لدى ولاة أمر هذه البلاد وفقهم الله وزادهم حرصا وثباتا على الحق المبين , فقبل أشهر ظهرت فتنة الحوثيين في جنوب المملكة فانشغل المسئولون بها بدرجة تتناسب مع حجم الحدث , وما كان ظهور هذه الشرذمة المقيتة في هذا الوقت عبثا أو مصادفة بل إنهم وقتوا لفعلتهم تلك لتتزامن مع موسم الحج , وقصدوا من وراء ذلك تشتيت جهود المملكة , لعلمهم أن المملكة بقيادها الرشيدة لم تألو جهدا في بذل كل ما من شأنه خدمة ضيوف الرحمن , ولكن الله جل وعلا أخزاهم ورد كيدهم في نحورهم وعاملهم بنقيض قصدهم , وصدق الله إذ يقول (( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ...)) فصد جنودنا البواسل عدوان المعتدين , وتكلل الحج بنجاح منقطع النظير, وما حصل في جدة مما للناس دخل فيه من تقصير وإهمال , فقد أصدر خادم الحرمين وفقه الله أمره الكريم بتتبع ومحاسبة كل من أساء وأهمل وضيع ما أسند إليه من المسئولية وخان الأمانة , وهذه حسنة من حسنات هذا الحاكم المبارك سجلها التاريخ في صفحات الحياة .
أيها الاخوة : في نهاية موسم الحج يتخلف عدد كثير من الحجاج بطريقة غير مشروعة ولا نظامية , فلا يذهبون الى بلادهم فيبقوا هنا في بلاد الحرمين , وهؤلاء المتخلفين أصحاب أهداف شتى في تخلفهم فمنهم من يتخلف بحثا عن لقمة العيش , ومنهم من يتخلف بغرض الفساد والإفساد في الأرض , ومنهم من يتخلف لأغراض سياسية , وهكذا أهدافهم ومآربهم شتى , تقوم فئة من الناس ممن ضعف إيمانهم , وعدمت وطنيتهم , وغلبت عليهم الأطماع المالية غير عابئين بالنتائج السيئة , يقومون بتهريبهم من مكة إلى بلاد أخرى , ويقوم أناس بتشغيلهم والتستر عليهم , وهذا أمر لا يخفى على الكثير من الناس , مع علمهم أن منصوصات الأنظمة في الدولة تدل على المنع من هذا الصنيع , بل وغلظت العقوبة على من يقبض عليه مهربا أو متسترا على عمالة سائبة كهذه . وقد أثبتت الأيام تورط كثير من هذا النوع من العمالة بأعمال إجرامية : خمور ومخدرات , نشر للرذائل من الزنا واللواط , ترويج للأفكار الهدامة والمذاهب الباطلة , بل وجد منهم من صار عضوا من أعضاء فئة التكفير والتفجير .
أيها الإخوة : يشترك العمال , ومن هربهم , ومن تستر عليهم فشغلهم, بصفة الخيانة , خيانة الدين – وخيانة الوطن – وخيانة ولاة الأمر – وخيانة الشعب , وهذه الصفة بحد ذاتها كافية في قبح هذا الصنيع فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الخيانة قال الله تعالى (( يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .......)) , وقال صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " ويقابل خيانة الامانة الصدق قال الله تعالى (( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال صلى الله عليه وسلم: ".... الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصد ق حتى يكتب عند الله صديقا ".
فلنتق الله – أيها الإخوة – ولنتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الاثم والعدوان .
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة , أقول ما تسمعون , واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله كما يجب علينا من حمده وتعظمه , وأشكره على نعمه وآلائه , واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه , وأشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله .
أيها الإخوة المسلمون : إن تضافر الجهود وتعاون الجميع على ما فيه صالح الجميع مطلب من مطالب الشريعة , ولا تستقيم الأحوال بدون ذلك , سيما مع تكالب الأعداء على دولة التوحيد , وسعيهم الحثيث في تفريق الصف , والعمل الدءوب على التشتيت وتفكيك الحدة , الكل منا – أيها الإخوة - مسئول مسئولية تامة على الحفاظ على كل استودع , فكل إنسان مسئول عن شيء يعتبر أمانة في عنقه ، سواء أكان حاكمًا أم محكوما أم والدًا أم ابنًا، وسواء أكان رجلا أم امرأة فهو راعٍ ومسئول عن رعيته ، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها (زوجها) وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) متفق عليه .
أيها الإخوة : في بقاء هذا النوع من العمالة مفاسد كثيرة فمن تلك المفاسد : بقائهم بطريق غير مشروع فيترتب عليه حرمة ذلك .
ومنها : ابتزاز الأموال وإخراجها خارج البلاد 0 ومنها مضايقة من يعمل وفق أنظمة الدولة .
ومنها : عدم تورع هذا النوع من العمالة عن أي عمل فيه إضرار في البلاد والعباد .
ومنها : خيانة الأمانة التي استودعها المرء على الوطن .
ومنها : تعالم الناس أن أهل هذه البلاد يخالفون ولاتهم , ويجرؤون الناس على أمن البلاد .
ومنها أشياء كثيرة لعلها لا تخفى على كل عاقل منصف .
فلنتقِ الله – يا عباد الله – ولنتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان .
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ............... إلى آخر الدعاء
|