إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, أما بعد :
عباد الله: اتقوا الله, واعلموا أن الله عز وجل خلقكم لعبادته , { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} }الذاريات.
ولم يخلقكم عبثاً, ولم يترككم هملاً , بل أرسل إليكم رسولاً فتح به أعيناً عمياً, وقلوباً غلفا , وآذاناً صماً , فبلغ الرسالة, وأدى الأمانة , ونصح الأمة, وكشف الغمة , وتركنا على مثل البيضاء , أرانا الهدى وحذرنا من الردى , جاءنا بالبينات والهدى , وأمرنا بالعمل بما يحب ربنا ويرضى , ونهانا عن سنن المترفين وأهل الغفلة والهوى.
عباد الله : آية في كتاب ربنا, يقول فيها سبحانه وتعالى :{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {20} سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {21}}الحديد.
أيها المسلمون: هذا مثل ضربه الله عز وجل لهذه الدنيا الفانية, حيث يتنافس الجهلاء فيها, ويتكاثرون, ويتفاخرون, ويُكثرون اللهو, واللعب فيها, وينسون أخراهم التي خلقوا من أجلها, ألهاكم التكاثر, حتى زرتم المقابر , { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ {59} وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ {60} وَأَنتُمْ سَامِدُونَ {61}}النجم. أي لاهون غافلون , بينما هم في زهرتها, ونضرتها, وجمالها, وسرورها , تحولت هذه الشابة إلى كهلة, ثم إلى عجوز شمطاء مكروهة .
{ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
عباد الله: إنكم لم تخلقوا للهو والعبث, والسلوة, والغفلة, والتنافس, والتكاثر في الأموال والأولاد , إنما خلقتم لعبادة ربكم, والتنافس في الأعمال الصالحة, التي تقربكم عنده سبحانه وتعالى زلفى .
أيها الناس : إن الغفلة, واللهو, والمجون, ليست من سنن الصالحين , إنما هي من سنن المترفين , كما قال الله عز وجل : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً {16}}الإسراء.
وكما في قوله : {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ {58}}القصص.
أيها المسلمون: إن أسلافكم الماضين, كانوا يتنافسون في الأعمال الصالحة, ففي الصحيحين, من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العلى, والنعيم المقيم , قال :" وما ذاك ؟ قالوا : يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم , ويتصدقون ولا نتصدق, ويعتقون ولا نعتق , قال : أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم , ولا يكون أحد أفضل منكم, إلا من صنع مثل ما صنعتم , تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين , فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا, ففعلوا مثله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
عباد الله: إن لكم عبرة عظيمة في هذا الحديث, حيث تنافس سلف هذه الأمة في الأعمال الصالحة, ونحن نتنافس في الدنيا وحطامها, بل في الليل ساهرون على اللهو, وبالنهار نائمون, إلا من عصم الله.
أيها المسلمون: ما هذه الغفلة؟ وليس مغفولاً عنكم , وما هذا اللهو؟ والموت ينتظركم , وما هذا الإعراض؟ والحساب وراءكم , واعلموا أن الله عز وجل لا يأخذ القرى إلا حين سلوتهم وغفلتهم , قال تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ{47}}النحل.
وكما قال سبحانه : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99}}الأعراف.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات, والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك بر رؤوف رحيم.
|