الحمد لله القائل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {168} إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {169}}البقرة0
أحمده حمداً كثيراً, وأشكره على نعمه التي لا تعدُّ ولا تحصى, وأشهد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.
أيها المؤمنون: إن المؤمن مأمور بترك الشبهات, فضلاً عن المحرمات.
قال صلى الله عليه وسلم " إن الحلال بين, وإن الحرام بين, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه, ألا وإن لكل ملك حمى, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب " متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " البر حسن الخلق, والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ".
وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " جئت تسأل عن البر؟" قلت: نعم, فقال:" استفت قلبك, البر ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس, وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " حديث حسن رواه الإمام أحمد والدارمي , وقال البيهقي في مجمع الزوائد 10/294 إسناده حسن .
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يبلغ العبدُ أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به, حذراً مما به بأس " رواه الترمذي وقال حديث حسن .
أيها المؤمنون :
لقد سمعتم هذه الأحاديث التي تحذرُ عن المتشابه, فما بال البعض مصرين على الحرام, على بيعه واستعماله, والاتجار به.
أيها المؤمنون :
قد يقول قائل؛ إن هذه الأمور ليست من المحرمات, فما الدليل على حرمتها ؟ الجواب من وجوه: قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}}المائدة.
وقال تعالى في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : { يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} الأعراف.
وقال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}}المائدة.
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {19}}النور.
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} النساء.
وقال صلى الله عليه وسلم :" الحلال بين والحرام بين ".
" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".
" الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ".
" إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ".
والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة, أما أقوال العلماء : فقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز_ رحمه الله_ في كتابه فتاوى وتنبيهات ونصائح هذا السؤال :
لديَّ بعض الدكاكين على شارع عام , أجرت بعضها وبقي البعض الآخر , وتقدم أحد المواطنين طالباً استئجار دكان واحد لافتتاح محل بيع أشرطة فيديو, فهل يجوز لي أن أؤجر دكاكين لأي محل يبيع شيئاً محرماً؟ وهل عليَّ إثم في ذلك ؟
فأجاب الجواب التالي : لا يجوز تأجير الدكان ونحوه لمن يستأجره لبيع المحرمات أو فعلها , كبيع الدخان والأفلام المحرمة , وحلق اللحى ونحو ذلك , لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , وقد قال تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}}المائدة.
وفي الكتاب نفسه سئل هذا السؤال :
ما حكم شرب الدخان, وهل حرام أم مكروه, وما حكم بيعه والاتجار فيه ؟
فقال الجواب : الدخان محرم؛ لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة, والله سبحانه وتعالى إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرها , وحرم عليهم الخبائث.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279}}البقرة.
ألا وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم, فقد أمركم الله بالصلاة عليه , قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً {56}}الأحزاب.
|