الحمد لله الذي خلق الناس من ذكر وأنثى، وجعل بينهم مودة ونسبا وصهرا، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) {13}
أحمده وأشكره وأومن به ولا أكفره وأثني عليه الخير كله ، وأعوذ به من الشر كله ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم على دينه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد ... فاتقوا الله عباد الله حق التقوى
أيها المسلمون : إن موضوعاً الكلام عنه في هذه الأيام في غاية الأهمية وكان الكلام عنه قد طرق الآذان مرارا ومرارا وقليل من الناس من يتذكر ، وأقل من القليل من يمتثل ، انه موضوع الزواج الذي أخذ مثالاً في هذا العصر لم يعهد التأريخ مثله من غلاء المهور والمبالغات في القصور وتحمل المشاق والديون من أجل مسايرة أهل الترف والثراء . أيها الإخوة : لقد حث الشرع وأمر جميع المسلمين بالزواج إناثهم وذكورهم وأحله لهم قال تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : حاثا الشباب على الزواج يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج .
والنكاح سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسنة المرسلين من قبل قال تعالى (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) .
وقال صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين قال أحدهم . أنا أعتزل النساء فلا أتزوج فقال لهم صلى الله عليه وسلم أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني . وما شرع الله النكاح وفطر النفوس على الزواج إلا للمصالح العظيمة المترتبة على ذلك سواء عاجله أم آجله في الدنيا أم في الآخرة فمنها الاستجابة لأمر الله ورسوله ، وبالاستجابة تحصل الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة ، وفي النكاح تحصين الفرج وحماية العرض ، وغض البصر والبعد عن الفتنة ، وفيه قضاء الوطر وفرح النفس ، والاغتباط بنعمة الله وفيه تكثير الأمة الإسلامية ، وبكثرتها وتمسكها يشرع الله تقوى على أعداءها وتكتفي بذاتها عن غيرها ، وفيه تحقيق مباهات الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم : تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم يوم القيامة . وفيه تكوّن الأسر وتقريب الناس بعضهم لبعض فان الصهر شقيق النسب قال تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) .
وفيه حصول الذرية والأولاد ، وحصول الأجر علي تربيتهم والسعي في الإنفاق عليهم ، وهو سبب للغناء وكثرة الرزق قال تعالى : (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) {32}
قال أبو بكر رضي الله عنه أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى وقال ابن عباس رضي الله عنهما رغبهم الله تعالى في التزويج ووعدهم عليه من الغنى فقال (إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله) .
ومن فوائد النكاح العظمى أنه درء للمفسدة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
أيها المسلمون : إن هذه المصالح المترتبة على الزواج العائدة على الفرد والمجتمع تحول دون تحقيقها عوائق ، من أهمها : غلاء المهور ونفقات الزواج وتزايدها والإكثار من الكماليات التي لا فائدة لها ، حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور المستحيلة أو الشاقة جدا إلا بديون تشغل الذمة فتجعل الشاب أسيراً لدائنه ، وإنه لا يمكن القضاء على هذه العقبة إلا بأولياء ، في إيمانهم أقوياء ، إذا أتاهم من يرضون دينه وخلقه زوجوه ، بما لا يثقل كاهله ، وبما يتيسر مما معه ، وأعانوه على زواجه ، وأن يفكروا ما هو المقصود من النكاح ، أهو المال وأن المرأة سلعة تباع وتمنع بحسب ما يبذل فيها من المال ؟ وكل هذا لم يكن ؟ فالمرأة أكرم من السلعة ، وهي أمانة عظيمة ، وجزء من أهلها ولنرجع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا وفي غيره . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا لا تغلو في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أُصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نساءه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثرُ من اثنتي عشرة أوقية ، وان الرجل ليغلو في صداقه حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول : كلفت إليك علق القربة أي تكلفت دفع كل شيء عندي إليك حتى علق القربة وهو الحبل الذي تعلق به ، وان غلاء المهور موجب لتعطيل كثير من النساء والرجال عن الزواج ولربما حاول البعض الزواج من الخارج الذي يسبب له مصائب ومتاعب كثيرة وربما يحصل به تغيير المجتمع في عاداته وأحواله وربما في عباداته لأن للخلطة تأثيرا كبير في تغيير الأمور . فلنتق الله في مهور النساء ، لننفق على الحد المعقول لا إفراط ولا تفريط ومن العوائق عن الزواج أيضا عزوف كثير من الشباب نساء ورجال عن الزواج بحجج واهية أوهن من بيت العنكبوت ، منها احتجاجهم على عدم الزواج بتكميل الدراسة وهذه حجة داحظة فان النكاح لا يمنع من المضي في الدراسة والنجاح فيها بل ربما يكون عون على ذلك فأن الشاب الصالح إذا وفق بزوجة صالحة وسادت بينهما روح المودة صار كل واحد منهما عونا للآخر على دراسته وقد لوحظ أن الطلبة المتزوجين هم المتفوقون في الدراسة في الغالب فاتقوا الله أيها الشباب ولا يكون هذا عائق لكم عن الزواج إن استطعتم إلي الزواج سبيلا ، ومن الأمور التي تحول دون الزواج منع الأولياء مولياتهم من الزواج لسبب أو لآخر . ومنها على وجه الخصوص إذا كانت ابنته موظفة يتقاضى من وراءها مالا ، فيخشى إن زوجها ينقطع عنه هذا المال فهو يرد الخاطب بحجة كاذبة ، ألا فاتقوا الله عباد الله وكونوا عوناً لأبنائكم على العفاف والحصانة .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) {28}
أقول قولي هذا واستغفر الله القدير من كل ذنب صغير وكبير . فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه إنه هو الغفور الودود .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وأشهد أن لا إله إلا الله المتفرد بالجلال والكمال ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى خير العاجل والمئآل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً . أيها الأخوة المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى .
عباد الله : كانت الزوجات في الماضي القريب قبل عشرات السنين ينال الناس منها خيراً فكانت ثمارها خيراً ، سهولة في المهور ، اقتصاد في الولائم مع كرم جميل حسن ، يعطي الأقارب والجيران من الهدايا ما يجدون فيه خيراً كثيراً من الملابس والأطعمة ، حتى الصغار كانوا يعطون شيئاً من النقود يفرحون بها مع الناس فكان الجميع يدعوا بالتوفيق والذرية الصالحة ، وصلاح الأحوال .
أما زواجات اليوم أو أكثرها فحقيقتها التعب والشقاء ، والترف والإسراف والفخر والخيلاء ، والخسائر الفادحة في الدين ، والوقت ، والمال . وأما المنكرات والمحرمات فكفر بالنعم ، وتعدٍ لمحارم الله ، تركٍ للصلوات ، غناء ورقص وطرب إلى الهزيع الأخير من الليل ، والأمر في ذلك لا يخفى على الجميع ، ومن العجيب الغريب ، أن أكثر من يدعون إلى حضور هذه الزواجات يأتون إليها على مضض ومن غير رغبة بل هي المجاملة ليس إلا ، فعلينا عباد الله التفطن لهذه الأمور فإن كان ولابد من الحضور فليكن الشعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
اللهم اصلح أحوالنا .................. إلى آخر الدعاء |