سلوا الله العافية
الحمد
لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في خلقه وأمره ولو كره الكافرون، وأشهد
أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا إلى
يوم يبعثون. أمّا بعد، عبادالله
آمنوا بالله واتقوه واعلموا أن الله تعالى يجيب من دعاه ويكشف السوء لمن ناداه. ايها
المؤمنون اعلموا أن شأن الدعاء شأن عظيم خصوصاً في هذا الزمن زمن الفتن: فتنة في
الأهل ، فتنة في المال ، فتنة الدنيا والتعلق بها حتى أن الأب أصبح يخاف أكثر من
مضى على أهل بيته وذريته ويبحث عن النجاة لهم والسلامة من الشرور , ومن تلكم
الأسباب التي بها صلاحهم هذا الدعاء الصحيح الذي كان يحافظ عليها
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كلَّ صباح ومساء قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلاَءِ
الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ
العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ
وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ
عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ،
وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ
بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي" رواه
ابوداود وابن ماجه والحديث صحيح . بدأ
صلى الله عليه وسلم هذا الدعاءَ العظيمَ بسُؤال الله العافية في الدنيا والآخرة،
فالعافيةُ لا يَعدِلُها شيءٌ، ومن أُعطي العافيةَ في الدنيا والآخرة فقد كَمُلَ
نَصِيبُه من الخير، عن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه عمِّ النَّبِيّ صلى
الله عليه وسلم قال: " قلتُ يا رسول الله، علِّمنِي شيئاً أسألُه اللهَ عز
وجل ؟ قال: سَلِ اللهَ العافيةَ، فمَكثْتُ أياماً، ثمَّ جِئتُ فقلت: يا رسول الله
علِّمْنِي شيئاً أسأله اللهَ؟ فقال لي: يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ الله، سَلُوا
اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرَة" رواه الترمذي في سننه وصحَّحه
الألباني. ففي أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه
شيئا يسأل الله به : دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية. فالعافيةُ
أيها الناس : هي تأمين الله لعبده مِن كلِّ نِقْمَةٍ ومِحنَة، بصرف السُّوء عنه
ووقايته من البلايا والأسقام وحفظه من الشرور والآثام. وقد
سأل صلى الله عليه وسلم العافيةَ في الدنيا والآخرة، والعافيةَ في الدِّين والدنيا
والأهلِ والمال . فأمَّا
سؤال العافية في الدِّين فهو أعظم مطلوب ومعناه : طلبُ الوقاية من كلِّ أمرٍ
يَشِينُ الدِّينَ أو يُخِلُّ به، وسؤال الله العافية في الدنيا فهو طَلَب الوقاية
من كلِّ أمرٍ يَضُرُّ العبدَ في دنياه مِن مُصيبة أو بَلاء أو ضَرَّاء أو نحو ذلك،
وفي الآخرة فهو طَلَبُ الوقاية من أَهوال الآخرة وشدائدها وما فيها من أنواع
العقوبات، وأمَّا العافية في الأهل فبِوِقَايَتِهم مِن الفتَن وحِمايَتِهم من
البَلاَيَا والمحن، وأمَّا العافية في المال فبِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه مِن غَرَقٍ
أو حَرْقٍ أو سَرِقَةٍ أو نحو ذلك، فجَمَع في ذلك سؤالَ الله الحفظَ من جَميع
العَوارِض المُؤْذِيَة والأخطار المُضِرَّة. باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم. الخطبة
الثانية الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد: ومن
فضائل سؤال الله العافية أن الرسول عليه السلام علم الحسن بن علي دعاء في قنوت
الوتر وذكر فيه قوله : "وعافنِي فيمَن عافيت" فيه سؤالُ الله العافية
المطلقة وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والأمراض والأسقام والفتن،
وفعل ما لا يحبُّه وترك ما يحبه، فهذه حقيقةُ العافية، ولهذا ما سُئل الرَّبُّ
شيئاً أحبَّ إليه من العافية، لأنَّها كلمةٌ جامعةٌ للتخلُّص من الشَّرِّ كلِّه
وأسبابه , فهي دعوةٌ جامعةٌ وشاملةٌ
للوقاية من الشرور كلِّها في الدنيا والآخرة، ومن أوتي العافيةَ في الدنيا والآخرة
فقد أوتي الخير بحذافيره، والعافيةُ لا يعدلها شيء. قوله:
"اللّهمَّ استر عوراتي"أي: عيوبي وخَلَلي وتقصيري وكلُّ ما يسوءُني كشفه، ويدخل في ذلك
الحفظ من انكشاف العورة، وهي في الرَّجل ما بين السرة إلى الركبة، وفي المرأة
جَميع بدنها، وحريٌّ بالمرأة أن تُحافظ على هذا الدعاء، ولا سيما في هذا الزمان
الذي كَثُر فيه في أنحاء العالم تَهَتُّك النساء وعدم عنايتهن بالسِّتر والحجاب،
فتلك تُبدي ساعدَها، والأخرى تَكشف ساقها، وثالثةٌ تُبدي صَدرَها ونحرَها، وأخريات
يفعلن ما هو أشد وأقبح من ذلك، بينما المسلمة الصيِّنة العفيفة تتجنَّب ذلك كلَّه،
وهي تسأل الله دائما وأبدا أن يحفظها من الفتن، وأن يمنَّ عليها بسَتْرِ عورَتِها ومن
الخير للمسلم أن يكثر من هذه الدعوة المباركة في كلِّ وقت وحين وليعلم المسلم أنَّ
الله عزَّ وجلَّ عفوٌّ كريم يحب العفو {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، ولم يزل
سبحانه ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالصَّفح والغفران موصوفاً، وكلُّ أحد مضطرٌّ
إلى عفوه محتاجٌ إلى مغفرته، لا غنى لأحدٍ عن عفوه ومغفرته، كما أنَّه لا غنى لأحد
عن رحمته وكرمه. فنسأله سبحانه أن يشملنا بعفوه، وأن يدخلنا في رحمته، وأن يستعملنا
في طاعته، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً. اللَّهُمَّ
نسْأَلُكَ المُعَافاة فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ
العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ العَافِيَةَ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ
فِي دِينِنا وَدُنْيَانا وَأَهْلِنا وَأمَوالِنا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا،
وَآمِنْ رَوْعَاتِنا، اللَّهُمَّ احْفَظْنِا مِنْ بَيْنَ أيَدَيَّنا، وَمِنْ
خَلْفِنا، وَعَنْ أيَمِاننا، وَعَنْ شِمَائلِنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنعُوذُ
بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتنا. اللَّهُمَّ
إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّا، اللهم عافنا فيمن عافيت يا أرحم
الراحمين. اللهم
عافنا في أبداننا اللهم عافنا في أسماعنا اللهم عافنا في أبصارنا . اللهم
إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك. اللهم
أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم
انصر المستضعفين من المؤمنين ، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل
مكان، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا
الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ
والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل
كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا
وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب
مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catsmktba-129.html |