أكــل الــــربا
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه وأتباعه, ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد :
أيها المؤمنون: إن من أكبر الكبائر عند الله أن يُقدم المرء على شيء وهو يعلم أن الله عز وجل حرمه, أو حرمه رسوله صلى الله عليه وسلم, لأنه يكون منتهكاً لحرمة الله, وحرمة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور التي يرتكبها بعض الناس, وهو يعلم أنه حرام وجريمة, ومحاربة لله ورسوله أكل الربا .
أيها المسلمون : يقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {130} وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {131} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {132}}آل عمران0
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279}} البقرة0
أيها المؤمنون: ماذا بعد هذا التهديد بالحرب من الله؟ ماذا بعد هذا الوعيد الشديد؟ تقدم على أمرٍ تعلم أنك بهذا الإقدام قد أعلنت الحرب على الله, هل يرتاح لك ضمير؟ وهل تنام لك عين؟ وأنت محارب لربك الذي خلقك, ورزقك الحلال, وبين لك الحرام, كيف بك إذا قام الناس من قبورهم يرجون ثواب ربهم قد شخصت منهم الأبصار, وارتعدت منهم الفرائص, كل يرجو ما عند الله, وأنت تقوم على هذه الحالة, التي بينها الله في كتابه : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275}} البقرة0
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي _رحمه الله _ في قوله تعالى: { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276}} : [ذكر الله الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم , فكلما كانوا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين عوقبوا في البرزخ والقيامة بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي من الصرع والجنون ].
ولقد صدق رحمه الله, فإنهم في هذا الزمان كالذئاب الجائعة في تجوالهم وكالثعالب في حيلهم, لا يعون موعظة, ولا ينتهون عن معصية.
نسأل الله لنا ولهم الهداية, وألاّ يؤاخذنا بما فعلوا.
أيها المؤمنون: لقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الداء الخطير, والذنب العظيم, فوقف خطيباً في حجة الوداع, وقال: " إن كلَّ ربا من ربا الجاهلية موضوع , لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لعن الله آكل الربا, وموكله, وكاتبه, وشاهديه".
وقال: "هم سواء" ( أي: في الإثم واللعنة ) أخرجه مسلم في صحيحه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجتنبوا السبع الموبقات ( أي المهلكات ), قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ".
وفي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى في منامه نهراً من دم, فيه رجل قائم, وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان. فقلت من هذا يا جبريل ؟ قال: هذا آكل الربا ".
يا لها من عقوبة عظيمة يسبح في نهر من دم.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " أتى ليلة أسرى به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات يرى من خارج بطونهم, فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا ".
وروى الحاكم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه ".
أيها المسلمون: ثم ماذا بعد هذه النصوص من كتاب ربكم وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم, أتريدون ديناً جديداً يحل لكم الربا؟ إنه حرام, وجريمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أيها الناس: اتقوا الله وابتعدوا عن الربا وعن أسباب سخط ربكم, أتريدون أن يبدل الله أمننا خوفاً ورخاءنا ضنكاً وعافيتنا بلاءً وفتنة , أما نشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى نتقلب فيها ليل نهار والناس يتخطفون من حولنا , يموتون جوعاً لا يجدون ما يسدون به رمق الجوع , واعلموا أن أكل الربا سبب لحلول الجرائم , وانتشار الفواحش , وقطيعة الرحم , وانتشار الأمراض , وجور السلاطين , وسبب في التقاطع والتدابر, وكل لحم نشأ عليه فالنار أولى به , لقوله صل الله عليه وسلم :" أي لحم نبت من سحت فالنار أولى به " رواه الترمذي.
وسبب في عدم إجابة الدعوة, وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أشعث أغبر, يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, فأنى يستجاب له.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأفضل الصلاة والتسليم على خير البشر, وإمام الرسل محمد, وعلى آله وصحبه, ومن دعا بدعوته, واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:
أيها المؤمنون : سمعتم ما ورد من النصوص من كتاب ربكم وسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بتحريم الربا وما يترتب عليه من مخاطر عظيمة , ونسأل الله أن يجعلكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
أيها المسلمون : لقد كان الربا فيما مضى محصوراً في البنوك الربوية, وفي كهوف المرابين, ومغاراتهم, وأكياسهم التي مر عليها الدهر الطويل, ينتظرون من يعدها تحايلاً على الله, ولا يعلم العادُّ لها ما في داخلها حتى لو كان تراباً .
ولكن الربا في هذه الأيام أخذ يزحف على رجل القرية والبادية, بسبب سماسرة البنوك, الذين لبَّسُوا على عباد الله, حيث خدعوهم, واشتروا منهم أسماء أبناءهم ونساءهم, وساهموا فيها بالربا من حيث لا يشعرون, حيث سمع هؤلاء السماسرة أن أحد البنوك سيطرح أسهماً ربوية في السوق , فأخذوا يتجولون كالوحوش الكاسرة, ويساومون في أبناء المسلمين, ليسهموا بها في الربا المحرم في كتاب الله, وسنة رسوله.
أيها الناس: لا تخدعوا, لا يُؤكل الربا بأسماء أبنائكم, واعلموا أن ما أخذتم منهم من المبالغ فإنه مالٌ حرام, يجب أخراجه فوراً من أموالكم, واعلموا أن المساهمة في أي بنك ربوي حرام, سواءً ساهمت بنفسك, أو وكلت غيرك.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز في كتابه فتاوى وتنبيهات, صفحه (421) هذا السؤال: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة, وهل يعتبر ذلك من الربا ؟
فأجاب حفظه الله : [ لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها, لكونها بيع نقود بنقود, بغير اشتراط التساوي والتقابض, ولأنها مؤسسات ربوية, لا يجوز التعاون معها, لا بيع ولا شراء, لقول الله سبحانه وتعالى : {تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }]. انتهى جوابه حفظه الله .
أيها المسلمون الآباء: اتقوا الله في هذه البراعم الصغيرة, اتقوا الله في هؤلاء الأطفال الأبرياء, اتقوا الله فيمن تحت أيديكم, لا توقعوهم في الربا, فيقولون لكم يوم القيامة: {رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ }.
واعلموا أن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً, فخذوا المال من حله, والله العظيم, لأن تموت فقيراً تتكفف الناس, خير لك من أن تلقى الله, وقد أكلت الربا, أو ساهمت فيه أو أعنت عليه, أو بعت أسماء أبناءك وبناتك على هؤلاء المرابين. قال صلى الله عليه وسلم :" لعن الله آكل الربا, وموكله, وكاتبه, وشاهديه " وقال: " هم سواء".
ألا وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم .............
|