وقفة مع آية 24
القول في تأويل قوله : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) }
يعني جل ثناؤه بقوله: " يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ "، يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم، ما أتَوْا من الخيانة، وركبوا من العار والمعصية " مِنَ النَّاسِ "، الذين لا يقدرون لهم على شيء، إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم، وشنيع ما ركبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه، حياءً منهم " وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ " الذي هو مطلع عليهم، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وبيده العقاب والنَّكال وتعجيل العذاب، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه " وَهُوَ مَعَهُمْ "، يعني: والله شاهدهم " إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ "، يقول: حين يسوُّون ليلا ما لا يرضى من القول، فيغيِّرونه عن وجهه، ويكذبون فيه.
وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم؛ { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } أي: قد أحاط بذلك علماً، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة.
** ولو تأمل العاصي - وكلنا ذاك العاصي -هذه الآية حق التأمل والتدبر والتفهم لفتح الله علينا بركات من السماء والأرض ولكن .... المشتكى إلى الله ونسأله أن يعفو عن الزلل.
وكتبه : وليد بن سالم الشعبان
عضو الدعوة والإرشاد في فرع وزارة الشؤون الإسلامية بحائل
|