اَلْحَجُّ تَذْكِيْرٌ وَتَحْذِيْرٌ
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، صَاحِبِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْإِنْعَامِ . أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، جَعَلَ الْحَجَّ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، وَوَسِيلَةً لِلتَّطْهِيرِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ ، وَحَجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، يَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- بِأَنَّ الْحَجَّ مِمَّا أَوْجَبَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مِنْ عِبَادِهِ ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ دِينِهِ ، الَّذِي لَا يَكْمُلُ وَلَا يَتِمُّ إِسْلَامُ الْمَرْءِ الْمُسْتَطِيعِ إِلَّا بِهِ ، وَالِاسْتِطَاعَةُ ؛ مِلْكُ زَادٍ يَكْفِيهِ وَرَاحِلَةٍ تَحْمِلُهُ ، وَالْمَرْأَةُ مَعَ ذَلِكَ ؛ وُجُودُ مَحْرَمٍ ،يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ فَالَّذِي يَتْرُكُ الْحَجَّ ، وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ تَرَكَ مَا يَجِبُ للهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ ، وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ حَجِّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ » . فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَطِيعِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْحَجِّ ، وَلَا يُسَوِّفَ فِي تَأْدِيَتِهِ ، وَلَا يَكُونَ سَبَبًا فِي حِرْمَانِ نَفْسِهِ كَمَالَ إِسْلَامِهِ وَتَأْدِيَةَ مَا يَجِبُ للهِ عَلَيْهِ ، وَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ يسْتَطِيعُ وَلَكِنَّهُ سَوَّفَ فِي تَأْدِيَةِ الْحَجِّ فَقَضَى نَحْبَهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقُومُ بِالْحَجِّ عَنْهُ ! فَإِذَا كُنْتَ أَخِي الْمُسْلِمُ فِي يَوْمِكَ آمِنًا صَحِيحًا مُسْتَطِيعًا ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا سَيَحْدُثُ لَكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِكَ ، يَقُولُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ » ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : « تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ » يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ « فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ » . وَأَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا » . فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَسَكَتَ ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ » . فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَحِبَّتِي فِي اللهِ ـ وَلْيُبَادِرْ مَنْ لَمْ يَحُجَّ ، لِتَأْدِيَةِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَالرُّكْنِ الْمُهِمِّ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، فَمَا هُوَ إِلَّا مَرَّةٌ فِي الْعُمْرِ ، وَالْعُمْرُ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَبْرَزِ سِمَاتِهِ : النَّقْصُ وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ . بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ : وَبِمُنَاسَبَةِ قُرْبِ مَوْسِمِ الْحَجِّ ، وَأَهَمِّيَّتِهِ ، وَضَرُورَةِ تَأْدِيَتِهِ لِمَنْ لَمْ يُوَفَّقْ بِالْقِيَامِ بِهِ ، هُنَاكَ أُمُورٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا ، مِنْهَا : أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَتَكَاسَلُ وَيُؤَجِّلُ فَرِيضَةَ الْحَجِّ ، وَقَدْ يُبَرِّرُ ذَلِكَ بِسَبَبِ قِلَّةِ مَا فِي يَدِهِ ، وَقَدْ تَجِدُهُ نَفْسَهُ يَخْتَفِي مُبَرِّرُهُ عِنْدَ بَعْضِ شَهَوَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ ، عِلْمًا بِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْحَجَّ مِنْ أَسْبَابِ الْغِنَى وَالْقَضَاءِ عَلَى الْفَقْرِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ». وَالْأَمْرُ الْآخَرُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - الَّذِي يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ إِلَيْهِ : طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّنْظِيمَاتُ النَّافِعَةُ وَالْمُفِيدَةُ لِلْمُسْلِمِينَ لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ الْحَجِّ ، وَمِنْهَا الْحُصُولُ عَلَى تَصْرِيحِ الْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ ، وَهُوَ مُيَسَّرٌ وَللهِ الْحَمْدُ ، وَقَدْ صَدَرَتْ فَتْوَى هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِضَرُورَةِ ذَلِكَ ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ جَوْدَةِ الْخَدَمَاتِ ، وَتَنْظِيمِ التَّنَقُّلَاتِ ، وَمِمَّا جَاءَ فِي الْفَتْوَى قَوْلُهُمْ : لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَخْذِ تَصْرِيحٍ ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ . وَمَا صَدَرَ إِلَّا تَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، وَلَا سِيَّمَا دَفْعُ الْإِضْرَارِ بِعُمُومِ الْحُجَّاجِ . وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ فَرِيضَةٍ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُكَلَّفُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ . أَسْأَلُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا سَمِعْنَا حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا ، وَيَسِّرِ الْهُدَى لَنَا ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|