أَهَمُّ دُعاءٍ يَدْعُو بِهِ العَبْدُ
إِنَّ الحَمدَ
للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ
فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ الله: اتقُوا اللهَ تعالى،
واعْلَمُوا أَنَّ الدُّعاءَ مِنْ أَعْظَمِ العِبادَاتِ التي حَثَّ اللهُ عَلَيْها،
وَرَغَّبَ فِيها، بَلْ هُوَ أصْلُها وأَعْظَمُ أَنْواعِها، ولِذلكَ قال رسولُ
اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( الدُّعاءُ هُوَ
العِبادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ).
والدُّعاءُ
نَوْعانِ:
الأَوَّلُّ:
دُعاءُ الطَّلَبِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنْ تَسْأَلَ اللهَ بِلِسانِكَ ما
يَنْفَعُكَ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيا والآخِرَةِ.
والثَّانِي:
أَنْ تَتَقَرَّبَ إلى اللهِ بِأَنْواعِ العِباداتِ التي أَمْرَ اللهُ بِها،
وَحَثَّ عَلَيْها.
فَكِلَا
الأَمْرَيْنِ: يُعْتَبَرُ دُعاءً وعِبادَةً في آنٍ واحِدٍ. فالَّذِي يَسْأَلُ
اللهَ بِلِسانِهِ، عابِدٌ للهِ. والذي يُصَلِّي وَيَصُومُ ويَحُجُّ وَيَتَصَدَّقُ
وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَإنَّه داعٍ بِلِسانِ الحالِ، لِأَنَّه يَفْعَلُ ذلكَ
طَلَبًا لِرِضا اللهِ وثَوابِهِ والسَّلَامَةِ مِنْ عِقابَهِ.
وَلِذلكَ
أَمَرَ اللهُ بإِخْلاصِ الدُّعاءِ لَهُ وَحْدَه فقال: ( فَادْعُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ). فَمَنْ دَعا غَيْرَ اللهِ فِيما لا
يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلا اللهُ
فَقَدْ
أَشْرَكَ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ والذَّنْبَ الذي لا يُغْفَرُ. وَمَنْ جَعَلَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ واسِطَةً في دُعائِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَعْكُفُ
عِنْدَ القُبُورِ وَيَدْعُونَ أَصْحابَها، فَيَسْأَلُونَهُمْ الشَّفاعةَ
والزُّلْفَى، أَوْ الْمَدَدَ والبَرَكَةَ، أَوْ حُصُولَ الرِّزْقِ وَتَنْفِيسَ
الكُرُباتِ، بِحُجَّةِ أَنَّ لِهَؤُلاءِ الْمَقْبُورِينَ قَدْرًا وَمَكانَةً
عِنْدَ اللهِ، فَقَدْ وَقَعَ في الشِّرْكِ الأَكْبَرِ والذَّنْبِ الذي لا
يُغْفَرُ. إذْ لا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَدْعُو غَيْرَ اللهِ دُعاءً مُباشِرًا، أَوْ
بِالواسِطَةِ، لِأَنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، كَما قال
تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )، وَقال تعالى: ( ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهم ولا
يَنْفَعُهم ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ ).
عِبادَ اللهِ:
لَقَدْ عَظَّمَ النبيُّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعاءَ الْمَسْأَلَةِ فقال:
( لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلى اللهِ تَعالَى مِنْ
الدُّعاءِ )، وَذلكَ لِأَنَّ في الدُّعاءِ إِظْهارَ الذُّلِّ والخُضُوعِ
للهِ، والاعْتِرافَ بِالعَجْزِ والفَقْرِ إلى اللهِ، وأَنَّه ما مِنْ شَيْءٍ إلا
بِيَدِ اللهِ خَزائِنُهُ, وأَنَّه حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ، ولِذلكَ
يُحِبُّ اللهُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ يَسْأَلُوه، وأَنْ يُداوِمُوا عَلى سُؤَالِهِ،
وأَنْ يُلِحُّوا في ذلكَ، مَعَ الثِّقَةِ بِاللهِ، واليَقِينِ بِالإجابَةِ،
بِشَرْطِ الإِخْلاصِ، والبُعْدِ عَنْ مَوانِعِ قَبُولِ الدُّعاءِ، فَقَدْ
اسْتَعاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مِنْ
دُعاءٍ لا يُسْمَع ): أي: مِن دُعاءٍ لا يُستَجاب، لِأنَّ اللهَ تعالى
جَوادٌ كَريمٌ سَميعٌ قَريبٌ، يُجِيبُ دَعْوَةَ الداعِي. فإِذا لَم يُقْبَلْ
دُعاءُ الشّخْصِ، دَلَّ عَلَى أَنَّه مُحْرُومٌ، وأَنَّه وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ مِن
مَوانِعِ اسْتِجابَةِ الدُّعاءِ، كَأَكْلِ الحَرامِ، أَو اسْتِعْجالِ اسْتِجابَةِ
الدعاءِ، فإنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم قال: ( يُسْتَجابُ
لِأَحَدِكُم ما لَم يَعْجَل )، وكَأَنْ يَدْعُوَ وَقَلْبُهُ غافِلٌ لاهٍ،
أَوْ يَدْعُوَ بِإِثْمٍ أَو قَطِيعَةٍ. والدّعاءُ بِإِثْمٍ:
أَن يَسْأَلَ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ له الزِّنا أَوْ شُرْبَ الخَمْرِ أو الدُّخانِ،ِ
أو تَسْهِيلَ مُعامَلةٍ رِبَوِيَّةٍ.
والدُّعاءُ
بِالقَطِيعَةِ: كَأَن يَدْعُوَ بِأَنْ يُفَرِّقَ
اللهُ شَمْلَ أَحَدِ أَقارِبِه، أَو أَنْ يَصْرِفَ اللهُ عَنْه إخْوانَه وأَخَواتِه،
وما شابَهَ ذلك مِن الأدْعِيَةِ التي تَتَضَمَّنُ القَطِيعَةَ والتَفَرُّقَ.
واحْرِصُوا
يا عِبادَ اللهِ: عَلى الأَدْعِيَةِ الجَوامِعِ،
وَخَيْرُ الأَدْعِيَةِ الجَوامِعِ، ما وَرَدَ في القُرْآنِ والسُّنَّةِ، فَإنَّها
ما تَرَكَتْ خَيْرًا مِنْ أَمُورِ الدنيا والآخِرَةِ إلى شَمَلَتْهُ، ولا تَرَكَتْ
شَرًّا مِمَّا يُسْتَعاذُ مِنْهُ إلا شَمَلَتْهُ.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ
أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ
وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عِبادَ
اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالى، واعْلَمُوا أَنَّ أَهَمَّ دُعاءٍ يَدُعُوا بِهِ
العَبْدُ عَلى الإِطْلاقِ وأَجْمَعُ دُعاءٍ وأَنْفعُ دُعاءٍ: أَنْ يَقُولَ: ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ). وأَدَلُّ
دَلِيلٍ عَلى ذلك: أَنَّ اللهَ أَوْجَبَهُ عَلى الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ في
صَلاتِهِم، كَيْ يَتَذَكَّرُوهُ دائِمًا وَلا يَنْسَوْهُ، وَجَعَلَ ذلك في كُلِّ
رَكْعَةٍ، سَواءً كانَتْ فَرِيضَةً أَوْ نافِلَةً، لِضَرُورَتِهِمْ إلى ذلك.
لِأَنَّه أَفْضَلُ نِعْمَةٍ يُنْعِمُ اللهُ بِها عَلى عَبْدِهِ.
والصِّراطُ
الْمُسْتَقِيمُ: هُوَ طاعَةُ اللهِ وَطاعَةُ رسُولِه،
لِأَنَّ اللهَ فَسَّرَه بِقَوْلِهِ: ( صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )، والَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ،
هُمْ مَنْ أَطاعَ اللهَ والرَّسُولَ، قال تعالى: ( وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ). والذين
أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ أيْضًا: هُم الذين عَرَفُوا الحَقَّ وَعَمِلُوا
بِهِ، بَدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ( غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )، والْمَغْضُوبُ
عَلَيْهِمْ: هُمْ الذين عَرَفُوا الحَقَّ وَتَرَكُوهُ، كاليَهُودِ وَمَنْ
شابَهَهُمْ. والضَّالُّونَ: هُمْ الذين
عَبَدُوا اللهَ عَلَى جَهْلٍ، كالنَّصارَى وَمَنْ شابَهَهُمْ.
اللَّهُمَّ اهْدِنا صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ،
وثَبِّتْنا عَلَيْهِ، واحْشُرْنا في زُمْرَةِ نَبِيِّكَ وأَصْحابِهِ، يا أرْحَمِ
الرَّاحِمِين، اللَّهُمَّ
تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ،
غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي
هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا،
وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً
لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا
خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ
الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ،
وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ
ارفع البلاءَ عن الْمستضعفينَ من الْمؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهُمَّ احِقن دماءَ
الْمُسلِمِين، اللهُمَّ انصرْ عبادَك الْمُؤمنين في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العَالَمِين،
اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مِن كيدِ الكائدينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ
وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا بتوفيقِك، وأيِّدْهم بتأييدِك، واجعلهم من أنصارِ دينِك،
وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ
مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|