إِمَاطَةُ
الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
الْحَمْدُ للهِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَاهُ،
وَلَا رَادَّ لِمَا قَضَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَعْبُودَ بِحقٍّ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ
اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى
آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُ ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ
.
أَمَّا بَعْدُ
، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
أُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، أَمَرَ بِهَا
فِي كِتَابِهِ، وَحَثَّ عَلَيْهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
سُنَّتِهِ : ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ، فَاتَّقُوا
اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ بِأَنَّ إِمَاطَةَ الْأَذَى
عَنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَا يَرْتَادُونَهُ مِنْ أَمَاكِنَ ، سَبَبٌ مِنْ
أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ – قَالَ : "بَيْنَمَا
رَجُلٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فِي الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ،
فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " .
وَفِي حَدِيثٍ
حَسَنٍ صَحِيحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ؛ غُصْنَ
شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ ، إِمَّا قَالَ كَانَ فِي شَجَرَةٍ فَقَطَعَهُ فَأَلْقَاهُ
، وَإِمَّا كَانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ ، فَشَكَر اللهُ ذَلِكَ لَهُ فَأَدْخَلَهُ
الْجَنَّةَ " .
فَسَلَامَةُ
الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ ، مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ، وَوَاجِبٌ اجْتِمَاعِيٌّ
، لَا يَسْتَهِينُ بِهِ مُؤْمِنٌ ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الطَّرِيقِ وَإِزَالَةَ الْأَذَى عَنْهُ
جُزْءًا مِنَ الإِيمَانِ فَقَالَ فِي حَدِيثٍ
صَحِيحٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ
- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا
إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ "
، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ:
"إِمَاطَةُ الْأَذَى" : أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ ، وَالْمُرَادُ
بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا ، يُخْبِرُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن
مَا رَأَى فِي مِعْرَاجِهِ فَيَقُولُ : " لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي
شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ " .
بَلْ - أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- جَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَاطَةَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ مِنْ أَحْسَنِ
الْأَعْمَالِ، فَقَالَ: "
عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي
مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي
مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ ".
بَعْضُ
النَّاسِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- لَا يُبَالِي فِي مَا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ فِي
طُرُقَاتِهِمْ ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ
يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ - بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ
ـ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلَعْنَتِهِمْ، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ -: "
مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ "، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ : "
اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ ".
قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ،
أَوْ فِي ظِلِّهِمْ "، أَيِ :
احْذَرُوا الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ لِلَعْنِ النَّاسِ، أَيْ أَنَّ الإِنْسَانَ
الَّذِي يَتَغَوَّطُ فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا
النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا مَرُّوا بِهَا لَعَنُوا فَاعِلَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا
الْفِعْلَ يَدْفَعُ النَّاسَ إِلَى اللَّعْنِ. وَاللَّعْنُ هُوَ الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ
اللهِ، فَمَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْهُ لَعْنَتُهُمْ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا
نَفْسَهُ. قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ: كُلُّ مَنْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ شَوْكًا فِي
طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ تَغَوَّطَ أَوْ تَبَوَّلَ فِي طَرِيقِهِمْ أَوْ ظِلِّهِمْ
فَقَدْ آذَاهُمْ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ فِيمَنْ آذَى مُسْلِمًا بِالْقَوْلِ أَوِ
الْفِعْلِ: ﴿وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ
الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ
الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ
ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،
وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا
بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَلِكَيْ
نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ وَضَرُورَةَ وَحَاجَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّلَامَةِ فِي طُرُقَاتِهِمْ
، نَتَذَكَّرُ مَا تَنَاقَلَتْهُ لَنَا وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ قَبْلَ أَيَّامٍ ،
حَيْثُ سَقَطَ طِفْلٌ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْخَامِسَةَ مِنْ عُمُرِهِ فِي بِئْرٍ مُظْلِمَةٍ
ضَيِّقَةٍ قُطْرُهَا لَا يَتَجَاوَزُ الذِّرَاعَ ، وَمَكَثَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَتَأَلَّمُ
وَحْدَةً وَجُوعًا وَعَطَشًا وَآلَامًا فِي جَسَدِهِ ، نَتِيجَةَ إِهْمَالِ مَنْ لَا
يُبَالِي بِأَرْوَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ ، وَلَا شَكَّ - أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ- أَنَّ وَضْعَ الْأَذَى وَتَرْكَهُ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمَاكِنِ
الَّتِي يَرْتَادُونَهَا ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَقْصِ الْإِيمَانِ ، يَقُولُ ابْنُ
عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ- : "وَإِذَا كَانَ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
مِنَ الْإِيمَانِ، فَوَضْعُ الْأَذَى فِي الطَّرِيقِ مِنَ الْخُسْرَانِ وَالْعِيَاذُ
بِاللهِ، وَمِنْ نَقْصِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ
حَيَّ الْقَلْبِ، يَشْعُرُ بِشُعُورِ النَّاسِ" ، إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ
اللهُ : "يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُومَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ
الطَّرِيقِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَحْجَارًا كَبِيرَةً
أَوْ أَكْوَامًا مِنَ الرَّمْلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلْيُبَلِّغِ الْمَسْؤُولِينَ
" .
فَاتَّقُوا
اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ ، وَاحْرِصُوا عَلَى سَلَامَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقَاتِهِمْ
، وَعَدَمِ إِيذَائِهِمْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْإِيذَاءِ ، تَقَرَّبُوا إِلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ ، فَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ ، وَرَفْعِ
الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ ، وَالسَّلَامَةِ مِنَ النَّارِ ، وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ
بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا
، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَسَلَامَةً دَائِمَةً إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ
.اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ
لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي
إِلَيْهَا مَعَادُنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا مِنْ كُلِّ
خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ
. اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَمًّا إِلَّا
فَرَّجْتَهُ وَلَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ وَلَا
مَيِّتًا إِلَّا رَحِمْتَهُ وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا
عَافَيْتَهُ وَلَا عَسِيرًا إِلَّا يَسَّرْتَهُ وَلَا كَرْبًا إِلَّا نَفَّسْتَهُ
وَلَا حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا يَسَّرْتَهَا يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ .﴿
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ ﴾.
عِبَادَ
اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ،
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|