حُبُّ الصلاة
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ
باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ،
ومَنْ يُضْللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ،
وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه أشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح
الأمة وكشف الله به الغمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسلم
تسليماً كثيراً. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه
ولا تعصوه، ((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ))
عباد
الله: اعلموا رحمكم الله أن من أسباب ذوق حلاوة الصلاة:
أن نصلي بحب:
بأن نحب الله
ذا الجلال والكمال والجمال الذي فرض الصلاة، فالحب روح الإيمان والأعمال.
فإذا قوينا حب
الله في قلوبنا فسنشتاق للقائه في صلاتنا ونذوق حلاوتها، لأن الصلاة مناجاة له
وقرب منه سبحانه.
والحب أصل عمل
القلب المحرك للعبادة، ولا يكون المرء عابداً حتى يكون محباً، فعمل ليس فيه حب ليس
بعبادة، فالمحبة هي حقيقة العبودية.
قال العلماء:
ركنا العبودية: الحب والخضوع لله.
فأصل العبادة
وأساسها (محبة الله والخضوع له).
و(الإله) هو
الذي تأهله قلوب العباد حباً وخضوعاً وخوفاً ورجاءً وتعظيماً.
فالعبد ينال
حلاوة العبادة بالقيام بها بحب
يقول النبي
صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يكونَ
اللهُ و رسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما) متفق عليه.
يقول يحيى بن
أبي كثير: (لم نجد شيئاً يتلذذ به المتلذذون أفضل من حب الله وطلب مرضاته.
فحتى نذوق
حلاوة الصلاة علينا أن نقوي حبنا لله).
عباد الله:
وإن من مقتضيات حب الله عز وجل، حبَّ ما يحبه الله، وتقديمَ محبوبات الله على
محبوبات النفس والناس.
يقول الحسن
البصري: (لن تحب الله حتى تحب طاعته)
فحتى نذوق
حلاوة الصلاة علينا أن نحب الصلاة ونقويه في قلوبنا
فإذا أحببنا
الصلاة فإننا سنمارس عملاً نحبه، والإنسان بطبيعته يتلذذ عندما يمارس ما يحب.
إذا أحببنا
الصلاة فإننا سنتوضأ لها بحب، وسنستعد بحب، ونستمع لندائها بحب، ونمشي لها بحب،
وسندخل فيها بحب، وفي كل ذلك نتذوق حلاوة هذا الحب.
فما
الذي يزيدنا حبا للصلاة؟
بقدر حب العبد
لله، يكون حبه للصلاة.
وعندما يتعرف
العبد على مزايا الصلاة وآثارها الحميدة في الدنيا والآخرة، فحتماً سيحبها حباً
عظيماً.
فمما
يزيدنا حباً للصلاة:
أولاً: أن
نعلم أن الصلاة حبيبة الله، وحبيبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأحب الأعمال إلى
الله، الصلاة على وقتها، كما في الحديث المتفق عليه، وأحب الأعمال وأقرها لعين
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: (جُعِلَت قُرَّةُ
عَيني في الصَّلاةِ) أخرجه أحمد والنسائي حسن صحيح، فقلب أحب الله ورسله سيحب حبيبتهما الصلاة.
ــ ومما
يحببنا بالصلاة: أن الصلاة مطْهرة للمصلي من الذنوب، ومُنقيّة له من الأوزار، لا
تبقي من خطاياه شيء، كتطهير الماء للجسد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتُمْ
لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ،
هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ:
فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا) متفق
عليه.
وقال صلى الله
عليه وسلم: (إنَّ العبدَ إِذا قامَ يُصلِّي أُتِي بذُنوبِه كلِها فوُضِعَتْ على
رأسِه أو عاتقِه فكلَّما ركَع أو سجَد تساقَطَتْ عنه) صحيح أخرجه الْمرزوي في تعظيم الصلاة وأبو نعيم في الحلية. السلسلة الصحيحة
ح (1398). ووضوؤها قبلها تطهير
قبلي من الذنوب.
ــ
ومما يحببنا بالصلاة أن الصلاة
نور، كما ثبت في صحيح مسلم، والنفوس تحب النور لمنافعه وتكره الظلام، فالصلاة نور
للمصلي في قلبه، ووجهه، وفي حياته كلها، وفي قبره، ويوم حشره وعلى الصراط.
ــ
ومما يحببنا بالصلاة أن الصلاة
عهدُ نجاة، وبرهان وميثاق بدخول الجنة، يكون مع المصلي يوم القيامة.
ــ
ومنها أن نعلم أن الصلاة خير معين، مع
الصبر واليقين، فالصلاة مصدر قوة للمؤمن يستمد بها الطاقة التي بها يتقوى على ما
سهل وما صعب من كبد الحياة، ونوائب الدهر، وأمور الدين والدنيا، فقد أمر الله
تعالى بالاستعانة بالصلاة في موضعين من القرآن: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ))
(وكان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى) حسن أخرجه
أحمد وأبو داود كما أمره
الله: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ))
فالصلاة فيها
شحن للقوة الإيمانية الروحانية المعنوية، وفيها أيضاً تفريغ للهموم والأحزان
بمناجاة الله، والشكوى إليه. هذا بالنسبة للفرد شحن للقوة وتفريغ للهموم.
وبالنسبة
لجماعة المؤمنين، قد شرعت لهم صلاة الاستسقاء عند الجدب، وصلاة الكسوف عند كسوف
الشمس والقمر، وهي سبب للنصر، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّما يَنصرُ اللَّهُ
هذِهِ الأمَّةَ بضُعَفائِها، بدَعوتِهِم وصَلاتِهِم ، وإخلاصِهِم) رواه النسائي وصححه الألباني. فصلاة المخلصين من المؤمنين من أسباب النصر والتمكين.
والْمنتصرون
الحقيقيون هم: ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ))
اللَّهمَّ إِنّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ
يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ
أَحَبَّ إِلَينا مِن أنفسنا، وأهلينا، ومِن الماءِ البارِدِ، أقول هذا القول
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على نبينا المصطفى وعلى
آله وأصحابه وعلى كل من اقتفى أما بعد:
عباد الله: ومما يحببنا بالصلاة أن الصلاة سبب لطمأنينة النفس وراحة
الروح، والطمأنينة فيها ركن من أركانها وأدب من آداب المشي إليها، لتثمر له
الطمأنينة، فمن اطمأن فيها سرت هذه الطمأنينة إلى حياته كلها، فيا من تشكوا الهم
والقلق والحزن، أحب الصلاة واستمد الطمأنينة منها بالطمأنينة فيها، وقد كان نبيك
صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ويقول: (أرحنا بالصلاة يا بلال) أخرجه أحمد.
ــ
ومما يحببنا بالصلاة: أن الصلاة
تربية وتهذيب للسلوك، تأمر المصلي بالمعروف وتنهاه عن المنكر، لأنها تزيد في
الإيمان: ((قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا
يَعْبُدُ آبَاؤُنَا))
قال سفيان: إي
والله إن صلاته تأمره وتناهه. أخرجه الطبري
وقال تعالى:
((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ))
ــ
ومما يحببنا بالصلاة: أننا أقرب ما
نكون من ربنا ونحن مصلون ساجدون، وما أحوجنا للقرب من الله، وبث شكوانا له، فما
أسعد قلبك يا ساجد يوم أن تستشعر هذا القرب من الرب.
ــ
وأخيراً مما يحببنا بالصلاة: أن
نتعرف على فضائلها الكثيرة الكبيرة، ونتذاكرها دوماً لعل الله أن يزيدنا بها حباً
وتعلقاً
فإن أحببنا
الصلاة فوالله إننا سنصلي صلاة مختلفة، لأن أسعد وأحلى وألذ لحظات المرء عندما
يمارس ما يحب.
فاللهم يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا مقيمين للصلاة
معظمين لها نحن وذرياتنا.
اللهم إنا نسألك العون على إقامة الصلاة على الوجه الذي
يرضيك عنا، وارزقنا إقبال القلوب فيها.
اللهم حبب إلينا الإيمان والصلاة والطاعة، وأعنا على
ذكرك وشكرك وحسن العبادة.
اللهم اغفر لنا خطأنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما
أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدِّنا وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا .
اللهم اجعلنا لك شكارين ، إليك أواهين منيبين ، تقبل يا
رب توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعواتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخائم صدورنا ،
وعافنا واعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا الغلا والوباء وسوء الفتن ما ظهر
منها وما بطن، االلهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا،
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا
قيوم . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|