تعظيم قدر
الصلاة وثمراته
الحمد لله العظيم الحليم، ولا إله إلا الله رب العرش
العظيم، أشهد أن لا إله إلا هو رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله المعظم لربه، الذي كان يئن صدره وهو يصلي من الخشية والتعظيم
لله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وكل من اقتدى بهم إلى يوم
الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من تقوى القلوب تعظيم الله جل في علاه،
فتعظيم الله ركن من أركان العبودية لله، وعمل من أعمال قلب العابد لله.
والقلوب الْمعظمة لله، تُعظم ما عظّمه الله، فتعظيم شعائره "وَمَن
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".
ومن شعائر الله الْمعظمة الْمستحقة للتعظيم والاحترام: الصلوات الخمس، فريضة الله اليومية على عباده.
وإن مما نزداد به تعظيماً للصلاة فلنذكر أن نتذاكر دلائل عظمة شأنها في
الكتاب والسنة.
فأول الدلائل: أن الصلاة هي أول واجب وأول فريضة تطلب من العبد بعد التوحيد والإقرار
بالشهادتين.
ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى
اليمن: " فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ
تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم
خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ ".
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،
فَإِذَا قَالُوهَا، وصَلَّوْا صَلَاتَنَا، واسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وذَبَحُوا
ذَبِيحَتَنَا، فقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وأَمْوَالُهُمْ، إلَّا
بحَقِّهَا وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ " .
ولفظه الأشهر في الصحيحين: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)
وكم قرن القرآن بين الإيمان والصلاة ـ كما في افتتاح سورة البقرة في صفات
المتقين: "
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ"
وفي فاتحة سورة المؤمنون: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ "
فالصلاة قرينة الإيمان في مواضع من القرآن، بل سماها الله (إيماناً) في
حادثة تحويل قبلة الصلاة ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) أي:
صلاتكم إلى بيت المقدس.
فالصلاة إيمان، وجزء من الإيمان، والمتأمل في أقوالها وأفعالها يجد أنها من
أولها إلى آخرها تحقيق للإيمان والتوحيد.
فهي توجهٌ للمعبود بالقلب والقالب، في القيام والقعود والركوع والسجود،
افتتاح بالتكبير والتعظيم، ثم حمد وثناء ودعاء وتلاوة وتسبيح وتشهد واستغفار.
وثانياً من دلائل عظمة الصلاة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها: عمود الإسلام،
وقوام الدين، وهو وصف زائد عن كونها فرضية، فشبهها بعمود الفسطاط (الخيمة) الذي لا
قوام لها إلا به، فإذا سقط عمودها سقطت الخيمة، فكذلك الدين، لذا:
ثالثاً: أنها العمل الوحيد الذي من تركه تهاوناً وكسلاً كفر كفراً أكبر مخرجاً من
ملة الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجلِ وبين الكفرِ تركُ الصلاةِ)
مسلم، وفي روايةٍ للترمذي: (بين الكفر والإيمان ترك الصلاة) وقال تلميذ الصحابة
عَبْد اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: (كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ
الصَّلَاةِ) صحيح الترمذي. وقال عُمَر بن الخطابِ رضي الله عنه: (لا حَظَّ في الاسلامِ
لِمِن تَرَكَ الصَّلاةَ) أخرجه عبدالرزاق والمروزي
رابعاً:
أن الله تعالى لما أراد أن يفرضها على النبي صلى الله عليه وسلم رفعه إليه في أقرب
مكان له سبحانه فوق السماء السابعة بل فوق سدرة المنتهى، في أعلى مكان وصل إليه
إنسان، في ليلة المعراج، كلّمه بها تكليماً بلا واسطة ففرضها عليه، أول ما فرضها
خمسين، ثم خففها إلى خمس
وكل هذا إشعار بعظيم شأن هذه الصلاة.
خامساً: أن الله تعالى جعلها الفريضة العملية الوحيدة الملازمة للعبد في يومه
وليلته، وفرضها الله على المؤمنين في كل حال، في الحظر والسفر، والأمن والخوف،
والصحة والمرض، فلا تسقط عن الإنسان ما دام معه عقله، مع التخفيف بالرخص في أحوال
المشاق.
بينما بقية أركان الإسلام سنوية أو عمرية، ولا تجب إلا على المستطيع.
سادساً: أن الله اشترط لها الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، واشترط طهارة البدن
والثياب والمكان الذي يصلى فيه، وأمر ببناء المساجد لإقامتها والاجتماع لها وجعل
هذه المساجد معظمة، وشرع للنداء لها والتذكير بدخول وقتها شعيرة الأذان بألفاظ
عظام ودعوة تامة توقظ الوجدان.
سابعاً: أن الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، فإن صلحت
وقبلت أفلح الإنسان وقبل سائر عمله، وإن ردت خاب وخسر ورد سائر عمله.
فاللهم ارزقنا تعظيم ما عظّمت من أوامرك شعائرك.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عبده الذي اصطفى، وعلى
آله وأصحابه وأزواجه وذريته وعلى كل من اقتفى وبعد:
عباد الله: اعلموا أن لتعظيم الصلاة ثمرات
وعلامات تظهر على المعظم، فما علامات كونك معظماً للصلاة؟
من علامات تعظيمك الصلاة: احترام مواقيت الصلاة، وجعل مواقيتها أهم المواعيد في
يومك وليلتك، فتكون الصلاة محور حياتك، تدور معها حيث دارت، لا يشغلك عنها شاغل
ولا تقدم عليها شيء.
ومن علامات تعظيم الصلاة: استشعار العبد أن الصلوات الخمس مواعيد مرتبة للقاء
بالملك العظيم جل جلاله، والوقوف بين يديه ومناجاته بدعائه وكلامه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ المُؤْمِنَ إذَا كانَ في الصّلَاةِ،
فإنّما يُنَاجِي رَبّهُ) رواه البخاري
ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يَزَالُ اللهُ مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ في
صَلاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ) صحيح أبو داود وابن خزيمة.
ومن أعجب ما روى من أخبار الاستشعار ما جاء عن علي زين العابدين بن الحسين
بن علي رضي الله عنهم، حيث إنه كان إذا توضأ يتغير لونه وتأخذه رعدة ويقول: ويحكم
أتدرون إلى من أقوم ومن أناجي.
ومن علامات تعظيم الصلاة: احترام النداء لها (الأذان)، والحرص على الاستماع له
والترداد وراء المؤذن، والتأمل في معاني جمله، وتطبيق السنن المرتبطة به.
وفي هذا أجور كبيرة، وتهيئةٌ للنفس للصلاة.
ومن علامات تعظيم الصلاة: الاستعداد المبكر للصلاة، والتبكير لها.
ولها درجتان:
الدرجة الأولى وهي الأرفع: الاستعداد لها والذهاب إليها عند الأذان وقبله، ففي
صحيح البخاري تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله يكون في مهنة أهله، فإذا
سمع الأذان خرج)
وفي السلف كثير ممن بلغ هذه المرتبة.
يقول عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه: (ما دخل وقت صلاة إلا وأنا لها
مستعد) أخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة.
وقال وكيع: (من أخذ أهمية للصلاة قبل وقتها فقد وقّرها) الحلية.
ومن أعاجيب أحوال السلف قول سعيد بن المسيب: ما سمعت تأذنياً في أهلي منذ
ثلاثين سنة. يعني عند الأذان يكون في المسجد.
وكانت مهنة إبراهيم بن ميمون المروزي الصياغة وطرق الذهب والفضة (فكان إذا
رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها بل يلقيها وراءه) تهذيب التهذيب
كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في السوق فلما نودي للصلاة رأى قوماً
تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال رضي الله عنه: هؤلاء من الذين ذكر الله في
كتابه (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) أخرجه الطبري.
المرتبة الثانية من الاستعداد للصلاة والتبكير لها: الحضور إلى الصلاة قبل الإقامة، والعناية بإدراك تكبيرة
الإحرام.
قال سفيان بن عيينة: إن من توقير الصلاة أن تأتي إليها قبل الإقامة.
ومن تعظيم السلف لشأن تكبيرة الإحرام قال إبراهيم النخعي: (إذا رأيت الرجل
يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه).
قال مجاهد: (سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول لابنه:
أدركت معنا التكبيرة الأولى؟ قال: لا، فقال له: يا بني لما فاتك منها خير من مائة
ناقة كلها سود العين) أخرجه عبدالرزاق.
ولكثير من السلف أخبار عجيبة في المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام السنين
الطوال.
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على إدراك التكبيرة الأولى بذكره للفضل
العظيم لمن ولم تفته أربعين يوماً بأن الله يكتب له براءتان: براءة من النفاق
وبراءة من النار.
ومن علامات تعظيم الصلاة: العناية بتعلم أحكامها، من أجل إحسانها وإقامتها كما
يحبه الله ويرضاه.
والعناية بخشوعها وحضور القلب فيها، والأخذ بالأسباب المعينة على ذلك.
فاللهم يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا مقيمين للصلاة
معظمين لها نحن وذرياتنا.
اللهم إنا نسألك العون على إقامة الصلاة على الوجه الذي
يرضيك عنا، وارزقنا إقبال القلوب فيها.
اللهم حبب إلينا الإيمان والصلاة والطاعة، وأعنا على
ذكرك وشكرك وحسن العبادة.
اللهم اغفر لنا خطأنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما
أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدِّنا وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا .
اللهم اجعلنا لك شكارين ، إليك أواهين منيبين ، تقبل يا
رب توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعواتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخائم صدورنا ،
وعافنا واعف عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح قلوبنا أجمعين ، اللهم آت نفوسنا تقواها ،
وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك قلبًا سليما
ولسانًا صادقا ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك مما
تعلم إنك أنت علام الغيوب . اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا وشر ما لم نعمل.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا الغلا والوباء وسوء الفتن ما ظهر
منها وما بطن، االلهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا،
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من
كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد
بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا
قيوم . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين
والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي حفظه الله
تعالى:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |