الغيب لله، والدجل للكهان
إنَّ الحمدَ لله ،
نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا
، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَنْ يُضْللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنَّ لا
إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، وأشهد
أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وكشف الغمة، وأقام الحجة، وتركنا على
مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وأصحابه وأزواجه وذريته ومن تمسكك بسنته اهتدى بهديه وسار على منهاجه وسلم
تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْدُ: فَـ ((يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡماً لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ
وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّ فَلَا
تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ()
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا
فِي ٱلۡأَرۡحَامِ وَمَا تَدۡرِي نَفۡس مَّاذَا تَكۡسِبُ غَداً وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ
بِأَيِّ أَرۡض تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ)).
أيها
المسلمون: من الْمسلَّمات العقائديةِ الواضحةِ الجليةِ في عقيدتنا الإسلامية: "أن
الغيب لا يعلمه إلا اللهُ سبحانه" فقد استأثر الله تبارك وتعالى بعلم بالغيب،
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرر للناس هذا الاختصاص الإلهي فقال: ((قُل لَّا
يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)) وقال: ((فَقُلۡ
إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ)) وقال: ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا
يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)) ((هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ
عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ))
فلا
يشارك الله في علم الغيب لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقين.
فلو
كان أحد يعلم الغيب غيرَ الله لَعَلِمه خليلُ الله، سيدُ ولد آدم، وخاتمُ الأنبياء
والمرسلين محمدٌ r، وقد أعلنها كما أمره ربه: ((قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي
خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ)) وقال: ((وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)) وقال: ((وَمَا
أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)) لذا قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: (مَنْ
زَعَمَ أَنَّ محمداً r يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ،
وَاللهُ يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ}) رواه مسلم.
عباد
الله:
ورغم
وضوح هذه القضية العقائدية اليقينية، إلا أنه وجد ويوجد من الخلق من نازع الله في
هذا الاختصاص فادعى علم الغيب، والعجب العجاب أن يروج أمر مدعي الغيب الدجالين
الخراصين بين عباد الله المؤمنين.
فليعلم
يقينا يا عباد الله المؤمنين أن كل من ادعى علم الغيب فإنه كافر مشرك منازع لله في
شيء من خصائص ربوبيته، لذا ذكر العلماء من أنواع الطواغيت: من ادعى علم الغيب.
فادعاءُ
علم الغيب أياً كانت صورته مناف للتوحيد ناقض للإيمان.
وممن يدعون علم الغيب: السحرة، والكهان،
والعرافون، والمنجمون، والمشعوذون.
وحكم
هؤلاء كلِّهم: الكفر والخروج عن ملة الإسلام. ومقتضى الإيمان والتوحيد بغضهم أشد
البغض، ومجانبتهم أشد المجانبة.
وقد سَأَلَ
نَاسٌ رسولَ الله r عَنِ الكُهَّانِ فقال: (إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ»، فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا،
قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ r: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ،
فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ
فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) متفق عليه، هذه حقيقتهم.
وعواقب
الذهاب لهؤلاء الكهان وسؤالهم وخيمة جداً، فمن أتَى عَرَّافًا أو كاهناً ليسأله
ويسمع كلامه دون تصديق دفع ثمناً باهضاً جداً؛ وهو أنه لا تقبل له صَلاةٌ أربعينَ
يوما؛ قَال النَّبِيُّ r: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ
لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم.
ومَنْ
ذهب إلى الكاهن والعراف فصَدَّقَ كلامَه كفر والعِيَاذُ بالله؛ قَال النَّبِيُّ r: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أو عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛
فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ r) رواه أحمد.
فاحفظوا
إيمانكم وتوحيدكم عباد الله فالأمر خطير جد خطير.
ــ ومن صور التهاون في مسألة الكهان: التساهل في الذهاب
لبعض الرقاة والمعالجين الذين تظهر عليهم علامات الدجل واستعمال الشياطين، فاعرفوا
إلى من تذهبون حتى لا تقعوا في عقوبة إتيان الكهان والعرافين.
ــ ومن صور التهاون في حياة الناس في هذا الأمر: السماع
لمقاطع الصوت والصورة لمن يتنبأ بعلم غيوب مستقبلية فهي من صور الكهانة والعرافه
والتنجيم، فيحرم السماع لمثل هذه المقاطع ولو كان لمجرد السماع والتعرف، ويحرم
تناقلها وإرسالها للغير.
ــ ومن أخطاء الناس اللفظية المرتبطة بالتنجيم: قول بعضهم:
(من حسن الطالع أو من سوء الطالع) جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (26/368): "
يحرم استعمال عبارتي (من حسن الطالع)، و(من سوء الطالع)؛ لأن فيهما نسبة التأثير
في الحوادث الكونية حُسْناً أو سوءاً إلى المطالع، وهي لا تملك من ذلك شيئا، وليست
سبباً في سعود أو نحوس قال الله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) أ.ه
أيها الناس: ومن طرق الرجم بالغيب المنتشرة في بعض بلدان
المسلمين: قراءة الكف والفنجان واستخدام حروف الأباجاد
والاستدلال بها على الحوادث والغيوب.
عباد
الله: ومن الأبواب الوخيمة المنتشرة في زماننا لادعاء علم الغيب: التنجيم وتتبع
كلام المنجمين الذين يربطون الحوادث الأرضية والمستقبلية بالنجوم والأبراج
السماوية وسيرها وتحركاتها وطلوعها وغروبها.
وإن من صور التنجيم الشائعة الرائجة في عصرنا رواجا كبيرا بين
أصناف الناس وخاصة الشباب والشابات: أبراج الحظ التي تنشر
عبر الصحف والمجلات ومواقع النت وغيرها.
تجد
الشباب والفتيات عندما يلتقون يسأل بعضهم بعضاً عن أبراجهم ويفرحون بالسعد الموهوم
ويحزنون ويتشاءمون بالنحس المزعوم، والبعض مولع بها يقرؤها بشكل يومي ويستفتح بها
صباحه.
فاعلموا
يا عباد الله بأن هذا الفعل حرام حرام.
سئل الإمام
ابن باز رحمه الله عن (حكم قراءة أبراج الحظ) قأجاب رحمه الله قائلاً: الحمد لله، ما
يسمى بعلم النجوم والأبراج والحظ والطالع من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام
بإبطالها وبيان أنها من الشرك لما فيها من التعلق بغير الله تعالى واعتقاد الضر
والنفع في غيره وتصديق العرافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زوراً وبهتاناً ليبتزوا
أموال الناس ويغيروا عقائدهم. أ.ه
وبمثل
هذا أفتى عامة علمائنا
وأدق من ذلك: قال الشيخ صالح آل الشيخ: من قرأ الصفحة التي فيها الأبراج وهو يعلم برجه الذي ولد فيه، أو يعلم
البرج الذي يناسبه، وقرأ ما فيه للاطلاع دون تصديق فكأنه سأل كاهنا، فلا تقبل
صلاته أربعين يوماً، مع وجوب الصلاة عليه ووجوب المبادرة إلى التوبة، فإن قرأ وصدَّق
بما في تلك البروج فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا
الله عباد الله واحفظوا دينكم وعقيدتكم واحذروا مما ينقض توحيدكم أ وينقصه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ
العالَمِينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مَالكِّ يَومَ الدِّينِ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا
اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له الحق المبين، وأشهدُ أنَّ محمدًا خاتم النبيّين صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
أيها
المسلمون: أبراج الحظ وهم وسراب، وأكاذيب باطلة، فالـنُّجُوم ليست أسبابا للسعادة
ولا للشقاوة، ولا للغِنى ولا للفقر، وليس لها تأثير في صِفات الْخَلْق، ولا في
طبائعم .
فالقول:
إن لهذه الأبراج تأثيراً على صفات المواليد
وأحوالهم، وأخلاقهم، ومستقبلهم، باطل باطل للأمور الآتية:
أولاً:
لأن النجوم والأبراج والأفلاك، ذوات مخلوقة مربوبة، وهي ظروف وأزمنة خلقها الله
تعالى وأوجدها لحكم عظيمة، ولم يجعل إليها شيئاً من التأثير على الخلق لا بذواتهم ولا
بصفاتهم، وذكر الله في القرآن ثلاثاً من حِكَم خلقه للنجوم: أنها زِينة للسماء، وعلامات
يُهتدي بها، ورُجُومًا للشياطين
قال
التابعي الجليل قتادة: فمن تأوّل فيها غير هذه الثلاث فقد قال بِرَأيه، وأخْطأ
حَظَّـه، وأضاع نَصِيبه، وتكلّف ما لا عِلْم له به. وصدق رحمه الله.
ثانياً:
أن الواقع يكذب تأثيرها، فكل برج أو نجم، يولد فيه الطويل والقصير، والطيب
والخبيث، ويولد فيه من يكون غنياً وفقيراً، يولد فيه من يعمّر ومن لا يعمّر، يولد
فيه الجميل والقبيح. ونرى
أشخاصاً ولدوا في يوم واحد، بل؛ ونجدهم أحياناً توائم، ويكون بينهم من الاختلاف في
صفاتهم وأخلاقهم الشيء الكثير.
في
البلاد الغربية التي لا يؤمن أهلها بما نؤمن به من القدر واستئثار الله بعلم الغيب
عُمِلَت عندهم كثير من التجارب لإثبات حقيقة أبراج الحظ وتنيؤاته فكانت نتائجها
كلها بأن أبراج الحظ علم لا حقيقة له وتنيؤاته غير مطابقة للواقع.
وما
وجد من التنبؤات مطابقا للواقع : (كذب المنجمون ولو صدقوا) فالمنجم قد يصادف الواقع لكنها مجرد مصادفة،
أو بسبب الكلمة التي سمعت من السماء، ونقول أيضاً قد يكون ذلك نوعاً من ابتلاء
الله للعباد ليختبر يقينهم بالمسلمات العقائدية.
فاللهم إنا نعوذ بك أن
نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم، اللهم أحينا على التوحيد والسنة وأمتنا
عليهما واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، اللهم أحينا على السلامة من
الشرك وجنبنا وبنينا أن نعبد الأصنام.
اللهم استعملنا في طاعتك
ووفقنا لما يرضيك عنا، اللهم بلغنا رمضان ، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه على الوجه
الذي يرضيك عنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل قدومه بشرى نصر وتمكين وعز للأمة
الإسلامية، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك
يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين.
اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا
وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال
والإكرام .
لا إله إلا أنت سبحانك
إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع
السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا يحي يا قيوم نسألك أن تغفر لنا وتغيثنا
غيث الرحمة، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ... اللهم يا من لا يملك
إنزال الغيث غيره أسقنا وأغثنا .. اللهم أغثنا غيثاً مغنياً سحاً غدقاً هنيئاً
مريئاً نافعاً غير ضار اللهم سقيا رحمة...لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.. اللهم
أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا غيثا عاجلاً غير آجل تحيي به البلاد وتغيث
به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم أغث البلاد وانشر رحمتك على العباد
واجعله بلاغاً للحاضر والباد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم لا تردنا
خائبين ولا من رحمتك يائسين يا رحمن يا رحيم . اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|