صلاة
الفجر والمحافظة عليها
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: اتقوا اللهَ تعالى، واعلَمُوا أَنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسانَ لِأَمْرٍ واحِدٍ
فقط، وهذا الأَمْرُ قد ذَكَرَه اللهُ تعالى في كِتابِه، قال تعالى: (وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). فَلَيْسَ هُناك سَبَبٌ آخَرُ
لِوُجُودِنا في هذِه الحياة. ومِن العِباداتِ التي أُهْمِلَت وَقَصَّرَ فيها
الكثيرُ، صلاةُ الفجر، وقد ذَكَرَها اللهُ عز وجل في كتابِه الكريمِ بعدَ ذِكْرِ
أوقاتِ الصَّلَواتِ، وذَكَرَ شَيئاً مِن فَضْلِها، وَأَنَّ اللهَ وملائكتَه
يَشْهَدُونَها فقال: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ). قال
علماءُ التفسيرِ: (وَقْرآنَ الفَجْر) أي: صلاةُ الفجر، وسُمِّيَت قُرآناً
لِمَشْرُوعِيَّةِ إِطالَةِ القراءةِ فيها أَطْوَلَ مِن غَيْرِها، ولِأَنَّ
المَلائِكةَ تَجْتَمِعُ فيها وتشهدُها، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (
يَتَعاقَبُون فِيكُم ملائكةٌ بالليلِ، وملائِكَةٌ بالنهارِ، ويَجْتَمِعونَ في
صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، ثُمّ يَعْرُجُ الذين باتُوا فِيكُم فَيَسْأَلُهم
وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِم: كَيْفَ تَرَكْتُم عِبادِي؟ فَيقولُون: تَرَكْناهُم وَهُم
يُصَلُّون، وأَتَيناهُم وهُم يُصَلُّون ).
إن
لصِلاةِ الفجرِ أَثَراً عظيماً في قَلبِ وحياةِ العَبْدِ، يَعْلَمُهُ مَن حافَظَ
عليها في وَقْتِها في جَماعَة. لأنه يَسْتَفْتِحُ يَوْمَه بالاستِجابَةِ
لِلنِّداءِ: حَيَّ على الفلاح!! يُريدُ الفلاح. يَعْلَمُ أنَّها طريقُ الفَلاح.
ويُوقِنُ بِالحِكمَةِ التي مِن أَجْلِها خُلِق، بِمُجَرَّدِ سَماعِهِ: ( الصلاةُ
خيرٌ مِن النَّوْم ). فَيَهْجُرُ الرَّاحَةَ والفِراشَ، ويَسْتَفْتِحُ يَوْمَه
بالوُضُوءِ والذِّكْرِ، وبِالمَشْيِ فِي الظُّلُماتِ إلى المَسْجِدِ،
فَيَسْتَفْتِحُ قَلْبُهُ وَسَمْعُهُ آياتٍ مِن كِتابِ الله، فَما أَجْمَلَها مِن
حال، وما أَطْيَبَها مِن حَياةٍ, مَنْ كانت هذِه بِدايِتُه كُلِّ يَوْم.
إِنَّ الْمُحافِظَ على صَلاةِ الفجرِ قَدْ
وُضِعَ له الضَّمانُ بِدُخُولِ الجنةِ التي عَرْضُها السماواتُ والأرضُ، والتي
حَوْلَها يُدَنْدِنُ الصالِحون، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ
صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجنة)، والْمُرادُ بِهِما صَلاةُ الفجرِ والعصرِ، قال
كثيرٌ من العلماءِ: "البَرْدانُ الفجرُ والعصرُ، لأنهما تُصَلَّيانِ فِي
بَرْدَيْ النَّهار، وَهُمَا طَرَفاهُ حِينَ يَطِيبُ الهَواءُ، وتَذْهَبُ سَوْرَةُ
الحَرّ".
وَكَمَا أَنَّ الْمُلازِمَ لِصلاةِ الفجرِ
قَد وَجَبَت لَه الجنةُ، فَقَد حَرَّمَه اللهُ تعالى على النارِ قال عِمارةُ بنُ
رُؤَيْبَةَ رضي اللهُ عنه: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم يقول: ( لَنْ يَلِجُ النارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ
طُلُوعِ الشمسِ، وقَبْلَ غُروبِها ) يَعْنِي الفجرَ والعصرَ، وَلَيْسَ هذا فَقَط، بَلْ يَكُونُ في ذِمَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَل، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
( مَن صَلَّى الصبحَ فَهُو في ذِمَّةِ
اللهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُم اللهُ مِن ذَمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَيُدْرِكَه،
فَيَكُبَّه في نارِ جهنم ). والْمُحافظةُ عليها أيضاً: عَلامَةٌ على سلامةِ العبدِ
مِن خِصالِ المنافقين، فإن أَثْقَلَ الصلاةِ على الْمنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ
الصبح.
وهذا يَجْعَلُ الْمُحافِظَ على صلاةِ الفجرِ
يَسْتَبْشِرُ – مَعَ العِلْمِ أَنَّه تَرَكَ الرَّاحَةَ والفِراشَ والنَّوْمَ –
لَكِنَّه سَعيدٌ في دُنياه، مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ ومُسْتَنِيرُ القَلْبِ وَطَيِّبُ
النَّفْسِ، وَسَيَنْعَمُ غداً بِالراحَةِ الكُبْرَى، لِأَنَّهُ سَيَكُونُ بِإِذْنِ
اللهِ فِي وَفْدِ الرحمنِ، قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: ( مَن
تَوَضَّأَ ثُمَّ أَتَى المَسْجِد فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى
يُصَلِّيَ الفَجْرَ كُتِبَتْ صَلاتُهُ يَوْمَئِذٍ فِي صَلاةِ الأَبْرارِ وَكُتِبَ
فِي وَفْدِ الرحمن). والْمُحافِظُ عَلى صلاةِ الفَجْرِ يَسْتَبْشِرُ، لِأَنَّ ذلك
طَريقُ الفَوْزِ بِالنظرِ إلى وَجْهِ اللهِ تعالى، قال جَرِيرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي
الله عنه: كُنَّا عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ
لَيْلَةَ البَدْرِ فقال: ( أَمَا إِنَّكُم سَتَرَوْنَ رَبَّكم كما تَرَوْنَ هذاةِ، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِه، فَإِن اسْتَطَعْتُم أَنْ لا تُغْلَبُوا على صَلاةٍ
قَبْلَ طُلُوعِ الشمسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِها؛ فَافْعَلُوا )، يَعْنِي صَلاتَي
الفجرِ والعصر.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأَنِهِ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً
عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا
بَعدُ
عبادَ الله: وَيَا مَن تَهْتَمُّونَ
بِالمَواعِيدِ والِانْضِباطِ فِي العَمَلِ وفي حَياتِكُم: اعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ
مَا يَدْخُلُ في هذا الشَّأْنِ هُو مَوَاعِيدُ الصلاةِ وَمَواقِيتُها. وَيَا مَنْ
تُرِيدُ المُحافَظَةَ على صلاةِ الفجرِ: اعْلَم أَنَّ ذلك لا يَحْصُلُ إلا إذا
بَذَلْتَ الأسبابَ في ذلك. فاحْرِصْ على أَنْ تَنامَ وَقَلْبُكَ مُتَعَلِّقٌ
بِهذِهِ الصلاةِ، مَشْغُولٌ بِها، فَإِنَّ ذلك يُعِينُكَ على الاسْتِيقاظِ لَها.
واحْرِصْ عَلَى أَنْ تَنامَ عَلَى وُضُوءٍ مَعَ قِراءَةِ آيَةِ الكُرْسِيِّ وما
تَيَسَّرَ مِنْ أَذْكارِ النَّوْمِ. واحْرِصْ أَيْضاً عَلَى عَدَمِ التَّأَخُّرِ
فِي النَّوْمِ، فَإِنه آفَةٌ خَطِيرَةٌ ضَيَّعَ بِسَبَبِها كَثِيرٌ مِن المسلمين
هذه الصلاة.
وَمِن الأَسْبابِ المُعِينَةِ أَيْضاً أَنْ
تَسْتَعِينَ بِمَن يُوقِظُكَ لِهذِه الصلاةِ مِن أَهْلِ بَيْتِك، فَإِنَّ ذلك مِن
التعاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى. واحْرِصُوا أَيُّها الآباءُ عَلَى أَمْرِ
أَوْلادِكُم بالصلاةِ، وإيَّاكُم والتَّهاوُنَ فَإِنَّكُم مَسْؤُولُونَ يَوْمَ
القيامةِ عن هذِهِ الأمانةِ العظيمة.
اللهم
وفقنا للمحافظة على صلاة الفجر، ولا تحرمنا أجرها، وامنن علينا بالنظر إلى وجهك
الكريم، وثبتنا على دينك يا أرحم الراحمين
اللهم علمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها
وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا
في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح
ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم
يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا
دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها
وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور، واجعلها أقوى مما كنت، اللهم أصلح أهلها
وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم
صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|