العِزَّةُ
للهِ ولِرَسُولِهِ ولِلمُؤْمِنِين
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ
ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
أيُّها الناس: اتقُوا اللهَ تعالى وآمِنُوا
بِهِ وبِرَسُولِه، واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُم الإسلامَ ورَضِيَهُ
لَكُم دِينًا، وجَعَلَه سَببَ عِزَّتِكُم في الدنيا، ونَجاتِكم في الآخِرَةِ. ومِن
تَمامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْكُم أَنَّه أَكْمَلَه، وَوَعَدَ بِحِفْظِهِ وَظُهُورِهِ
ودَحْرِ أَعْدائِهِ وإِذْلالِهِم، مَهْما بَلَغُوا في إِمْكاناتِهِم الفِكْرِيَّةِ
والمادِّيَّةِ، ومَهْما بَلَغُوا في عَدَدِهِم وعَتادِهِم.
بَلْ إِنَّ اللهَ حذَّرَ عِبادَه أَنَّهُم
إذا تَخَلُّوا عن نُصْرَةِ دِينِهِ فَإِنَّه يَذْهَبُ بِهِم ويَأْتِي بِغَيْرِهِم
لِيَنْصُرَ بِهِم دِينَه، ويُعْلِيَ بِهِم كَلِمَتَه. والأدِلَّةُ عَلَى ذلك
ظاهِرَةٌ وكَثِيرةٌ وللهِ الحَمْدُ.
قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا
نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ ).
فَكُلُّ مَن سَعَى بِكَلامِهِ وَمَقالاتِه
وكِتاباتِهِ مِن أَجْلِ تَشْوِيهِ صُورَةِ الإسلامِ، أو إطفاءِ نُورِهِ
وإِخْمادِه، وصَرْفِ الناسِ عَن كتابِ رَبِّهِم وسُنَّةِ نبيِّهِم صلى الله عليه
وسلم، فهو مَخْذُولٌ ومَهْزومٌ لا مَحالَة، لِأَنَّه يُريدُ أَن يُطْفِئَ نُورَ
اللهِ بِفِيهِ، وهذا مُمْتَنِعٌ أَشَدَّ الاِمْتِناعِ، لِأَنَّ اللهَ خَلَقَ
الثَّقَلَينِ مِن أَجْلِهِ، وأَرْسَلَ الرُّسُلَ مِن أَجْلِه، وأَخْبَرَ أَنَّه
الدّينُ الحَقُّ، ومَعْنَى ذلك أَنَّ ما سِواهُ باطِل. ثُمَّ وَعَدَ بِطُهُورِهِ
على جَمِيعِ الأديانِ.
فالإسلامُ لابُدَّ وأَنْ يُحارَبَ,
والمُسْلِمُون لابُدَّ وأَنْ يُحارَبُوا، في عَقِيدَتِهِم، وفي عِباداتِهِم، وفي
قِيَمِهِم. وشَبابُ المُسلِمِين لابُدَّ وأَنْ يُسْعَى في صَرْفِهِم عَن
عَقِيدَتِهِم وأَخلاقِهِم. والمَرْأَةُ المُسْلِمَةُ لابُدَّ وأَنْ تُحارَبَ في
عقيدَتِها وحِجابِها، وعن مُهِمَّتِها. والمُجْتَمَعُ المُسِلِمُ لابُدَّ وأَنْ
يُصْرَفَ عِن الكِتابِ والسُّنَّةِ بِالبِدَعِ والشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ
واللَّهْوِ والباطِلِ. وهذا كُلُّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ كَما هو ظاهِرُ الآيةِ
الكَريمَةِ. ولكنَّ هذا الجُهْدَ والسَّعْيَ مَآلُهُ إلى الهَزِيمَةِ والفَشَلِ.
ومِن الأدِلَّةِ أيضًا: قَوْلُ اللهِ تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لآئِمٍ ). وهذه الآيةُ فيها تَحْذيرٌ وبُشْرَى لِجَمِيعِ المؤمِنين بِلا
اسْتِثْناء، وهي أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَن نُصْرَةِ دِينِه وإِقامَةِ شَرِيعَتِه،
فَإِنَّ اللهَ يَسْتَبْدِلْ بِهَ مَن هُوَ خَيْرٌ لَها مِنْه.
ومن الأدِلَّةِ أَيْضًا: قَولُ اللهِ تعالى:
( مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ
كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ). وهذه الآيَةُ يا عِبادَ الله مِن الآياتِ التي لا
تَنْقَضِي عَجائِبُها، لِأَنَّها تَضَمَّنَت البُشْرَى للمؤمنين، والتَيْئِيسَ
لِكُلِّ مَن هُوَ حاقِدٌ ومُغْتاظٌ مِن هذا الدِّينِ وأَهْلِه. فَهِي تَقُولُ
لِكُلِّ عَدُوٍّ وحاقِدٍ ومُغْتاظٌ، ولِكُلِّ ساعٍ في إبْطالِ هذا الدين، ومُتَوَهِّمٍ بِأَنَّه مَعَ هذا السَّعْيِ، سَيَنْجَحُ ولَو بَعْدَ حِين, وأَن
اللهَ لَنْ يَنْصُرَ دِينَه، ولَنْ يَنْصُرَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم
وأَتْباعَه.
تَقُولُ له: لَو كانَت هذه الدعوةُ
مُؤَيَّدَةً مِنْ قِبَلِ البَشَرِ لَكانَ بِإمْكانِكَ شِفاءُ غَيْظِكَ مِنْها، ولكنَّها مُؤيَّدَةٌ مِن قِبَلِ مَن في السماءِ، فارْحَمْ نَفْسَكَ ولا
تُتْعِبْها، فَإِنَّ مُحاولاتِكَ كُلَّها سَتَبُوءُ بِالفَشَلِ. إلا في حالَةٍ
واحِدَةٍ فقط، وهي: أَنْ تَمُدَّ حَبْلاً إلى السماءِ ثُمَّ تَصْعَدُ وتَسْدُّ
البابَ الذي مِنْه النَّصْرُ، وتَقْطَعُ حَبْلَ الإِمْدادِ النازِلِ مِن
السماءِ!!!!
هل
تستَطِيعُ؟ الجواب: لا. إذَن: كُفَّ عَن سَعْيِكَ ومُتْ بِغَيْظِكَ، لِأَنَّ
غَيْظَكَ وحِقْدَكَ وبُغْضَكَ لَن يَذْهَبَ إلا بهذِهِ الطريقَةِ ولَن
يَتَحَقَّقْ.! فَيا لَه مِنْ ضمانٍ، وَيا لَها مِن بُشْرَى.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا
أَنَّ الأَدِلَّةَ مِن القُرْآنِ والسُّنَّةِ، الدَّالَّةِ على ما سَمِعْتُم مِن
المُبَشِّراتِ كَثيرَةٌ لا يَسَعُها خُطْبَةٌ أَو مُحاضَرَةٌ، يَنْبَغِي
لِلمُسْلِمِ أَنْ يَتَذَكَّرَها، وأَنْ يُوقِنَ بِصِدْقِ وَعْدِ الله. وَيَجِبُ
عَلى المسلمين وخُصُوصاً الشبابَ والغَيُورِين على الدِّين، أَن يَتَّقُوا اللهَ
تعالى في أَنْفُسِهِم، وأَنْ لا يُصِيبَهُم اليأْسُ عِندَما يَرَون كَثْرَةَ
الباطِلِ. وإِنَّ مِن أَعْظَمِ علاماتِ اليأْسِ والضَّعْفِ: أَنْ يَكْثُرَ
الحَديثُ عَنْه، وأَنَّ يُضَخَّمَ في نُفُوسِ الناسِ، ويُنْسى الخَيرُ والدعوةُ
إليهِ وإظْهارُهُ ونَشْرُه. ومَعَ هذا الانْفِتاحِ الذي نَعِيشُه وسُهُولَةِ
التَّواصُلِ، يَهْتَمُّ كَثيرٌ مِن الشبابِ والغَيُورين، على نَشْرِ المَقاطِعِ
لِبَعْضِ المُنْكَراتِ والتَصَرُّفاتِ المُخالِفَةِ لِلشرعِ في مُجْتَمعاتِ
المسلمين وتَدَاوُلِها بِكَثْرَةٍ، وبِطَريقَةٍ مُلْفِتَةٍ، ظَنًّا مِنْهُم أَنَّ
ذلك مِن إنكارِ المُنْكَرِ، وشَحْذِ الهِمَمِ على إنْكارِها. وهذا التَصَرُّفُ في
الحقِيقَةِ مُنْكَرٌ يَجِبُ تَرْكُه، لِأَنَّه يُعِينُ على نَشْرِ الباطِلِ
والاحْتِقانِ، ويُوقِعُ في اليأْسِ، ويُشْعِرُ المُجْتَمَعَ بِأَنَّ هذه حالُ
الناسِ فَيُوقِعَ ضُعفاءَ الإيمانِ في التساهُلِ. مَعَ العِلْمِ أَنَّ الناسَ
وللهِ الحَمْدِ على خِلافِ ذلك, بِدَلِيلِ أَنَّهُم إذا رأَوها، ضاقَتْ صُدُورُهُم
وأَنْكَرَتْها نُفُوسُهم، مِمَّا يَدُلُّ عَلى أَنَّ مَن يَفْعَلُها قَلِيلُون، لَكِنَّنا عَظَّمْنا شأْنَهُم وكَثَّرْناهُم بِسُوءِ تَصَرُّفاتِنا.
أَينَ الكلامَ عن القُرآنِ وكَثْرَةِ
حُفَّظَتِهِ وخِدْمَتِه الهائِلَةِ التي تفوقُ الوَصْفَ وللهِ الحَمدُ؟ أينَ الكَلامَ
عَن خِدْمَةِ السُّنَّةِ وحُفاظِها التي لَم يُعْلَم لها نظيرٌ، رُغْمَ الحَمَلاتِ
المُتتابِعَةِ عَلَيها وعَلى حَمَلَتِها، ومَعَ ذلك لَمْ يَحْصُلْ لَها في جمِيعِ
أَزْمِنَةِ التَدْوِينِ في جَمِيعِ العُصُورِ ما حَصَلَ لها في هذا الزمانِ.
والعالَمُ كُلُّه بِأَسْرِهِ يَسْمَعُ دَعْوةَ التوحيدِ مِن خِلالِ مَنابِرِ
الحَرَمين، وعَرَفَه. وحِلَقُ العِلْمِ والقُرآنِ، تَفُوقُ في العَدَدِ جَمِيعَ
المَجامِعِ الباطِلَةِ التي يَتَدَاولُ مَقاطِعَها بَعْضُ الناس. أينَ الكلامُ عَن
هذا الخيرِ؟! ونُبَشِّرُكم أَنَّه في استِمْرارٍ وزيادَةٍ وللهِ الحَمْد.
اللهم انصر بنا دينَك، وأَعْلِ بِنا كَلِمَتَك، واجْعَلْنا هُداةً مُهتدين .
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو
عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا،
واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال
المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب
المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم
على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم
انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور،
واجعلها أقوى مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم أنت
الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا
قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً،
نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك
وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا من
السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا
نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|