**خطبة: أسـبـاب الـعـزة **
لفضيلة الشيخ: أحمد بن محمد العتيق حفظه الله
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ . ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ . أما بعد:-
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين, ولكن المنافقين لا يعلمون.
والعزة: هي الرفعة والقوة والغلبة والتمكين.
وهي مطلب المؤمنين الصادقين ، وحصولها لا يكون بالتحلي ولا بالتمني,
وإنما يكون ببذل أسبابها التي متى ما تخلف عنها المسلمون حرموا منها, وابْتُلُوا بنقيضها من الذل والهوان.
وأول أسباب العزة :
تحقيق التوحيد, فإنه أعظم الأسباب وأساسها, قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .
وقال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.
ومن قرأ القرآن والسنة ، وسيرة الأنبياء ودعوتهم,
عرف أن الأمم لم تعرف الأمن والعزة إلا بعد تحقيق التوحيد ونبذ الشرك.
فأين علماء المسلمين ودعاتهم من ذلك؟
فإن العلماء ورثة الأنبياء. فمن كان يزعم أنه من ورثة الأنبياء فليعلم أن دعوة الأنبياء مرتكزة على التوحيد والتحذير من الشرك, منذ أن يُبْعَثَ الواحد منهم إلى أن يموت, قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾.
فهذا نوح عليه السلام, مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً,
بدأها بالدعوة إلى تحقيق لا إله إلا الله, وختمها وهو على فراش الموت بذلك ، روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن نبي الله نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه : إني قاص عليك الوصية ، آمرك باثنتين و أنهاك عن اثنتين ، آمرك ب ( لا إله إلا الله ) ، فإن السموات السبع و الأرضين السبع لو وضعت في كفة ، و وضعت لا إله إلا الله في كفة ، رجحت بهن لا إله إلا الله ، و لو أن السموات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله ، و سبحان الله و بحمده فإنها صلاة كل شيء ، و بها يرزق الخلق ، و أنهاك عن الشرك و الكبر ).
وأخبر الله تعالى في كتابه عن شدة خوف إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام من الشرك, ودعائه لنفسه وبنيه بالسلامة منه, قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ﴾, حتى قال إبراهيم التيمي: " من يأمن البلاء بعد إبراهيم ؟ ".
وذكر الله تعالى وصية يعقوب لبنيه وهو على فراش الموت وأنها كانت في التوحيد, قال تعالى: ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ).
يحذر صلوات الله وسلامه عليه سادات الموحدين, وأفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء ، يُحَذِّرُهم من شرك القبور!!!
واليوم:
شرك القبور يعج في أكثر البلدان الإسلامية ، ولا تجد من ينكر أو يبين إلا أقل القليل.
فأين الدعوة إلى التوحيد؟ وما يتعلق ببيان معنى لا إله إلا الله ؟ وشروطها وأركانها؟ وأين التحذير من الشرك وأنواعه ووسائله ؟
السبب الثاني:
إتباع السنة, والإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, والتحاكم إلى سنته في كل شيء.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ . والحسب هو الكافي, أي أن الله كافيك وكافي أتباعك ومن تمسك بسنتك, فلا تحتاجون معه إلى أحد.
وفي المقابل بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذل لا يحصل إلا بسبب مخالفة السنة, ثبت في مسند أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وجُعِلَ الذلة والصغار على من خالف أمري ).
فنسأل الله أن يعزنا بالإسلام, وأن يجعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:-
السبب الثالث:
الإجتماع ونبذ الفرقة والإختلاف قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ , فالإجتماع الشرعي الذي يحبه الله ، هو ما وافق هذه الآية, ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ ﴾ .
وحبل الله: هو دين الله. هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هو ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, في العلم والعمل.
فكل اجتماع ليس على ذلك مآله إلى الفشل, ولن يشم أصحابه رائحة النصر والعزة, مهما بذلوا. بل النصر والعزة بعيدان عنهم كبعد السماء ذات الرجع عن الأرض ذات الصدع .
ومن الإجتماع:
القيام بحقوق ولي الأمر المسلم, والسمع والطاعة له بالمعروف, في المنشط والمكره والعسر واليسر, مالم يكن في ذلك معصية لله. وعدم الخروج عليه ونزع يد الطاعة .
فهذه الأسباب الثلاثة أهم أسباب النصر والعزة, جمعها الله تعالى في آية واحدة من كتابه, قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ .
اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا يا رب العالمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين يا أراحم الراحمين.
|