ثَمَراتُ
الإيمانِ بِتَوحيدِ الأسماءِ والصفات
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ
ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله:
اتقوا اللهَ تعالى، وآمنوا باللهِ ورسولِه، واعلَمُوا أنَّ التوحيدَ أوجَبُ
الواجِباتِ، وأَنَّ توحيدَ الأسماءِ والصفاتِ أَحَدُ أَنواعِه. وحَقِقَتُهُ:
إِفْرادُ اللهِ تعالى بِأسمائِهِ الحُسْنى، وصِفاتِهِ العُلَى، الوارِدَةِ في
الكتابِ والسنةِ، وإِمْرارُها كَما جاءَت، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تَعْطِيل، ومِن
غَيْرِ تَكْيِيفٍ ولا تَمْثِيل، والإيمانُ بِمَعانِيها واَحْكامِها.
قال تعالى: ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وقال تعالى: ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ
الْأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )، والمَثَلُ الأَعْلى: هو الوَصْفُ
الأَعْلَى. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إن لِلهِ تِسْعَةً وتِسعِين
اسْماً، مِائَةً إلا واحِدا، مَن أَحْصاها دَخَلَ الجنة )، ومَعْنَى أَحْصاها:
أَيْ حَفِظَ ألفاظَها، وَفَهِمَ مَعانِيها ومَدْلُولاتِها، وعَمِلَ
بِمُقْتَضياتِها وأَحْكامِها، وتَعَبَّدَ للهِ بِها.
وإذا عَرَفَ المسلمُ أَنَّ مَن أَحْصَى للهِ
تسعةً وتسعينَ اسمًا دخلَ الجنة، حَرِصَ على تَعَلُّمِها وتَدَبُّرِها وَفَهْمِ
معانِيها، وتَعَلَّق بِها قَلْبُهُ، وَوَجَدَ آثارَ ذلك في قَلْبِهِ وجَوارِحِهِ، فَيَدْفَعُه ذلك إلى الاِزْدِيادِ مِن الإيمانِ والعَمَلِ الصالِح.
فَإنَّ كُلَّ اسْمٍ مِن أسماءِ اللّهِ تعالى
يَدُلُّ دِلالَةً عامَّةً عَلى عَظَمَةِ اللّهِ وكَمالِهِ، ودِلالَةً خاصَّةً
وأثَراً خاصًّا عَلَى كُلِّ ما يَحْتاجُهُ الخَلْقُ في شُؤُونِ مَعاشِهِم
ومَعادِهِم ويَرْبِطُهُم بِالعُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ لِلّه تعالى.
فاسْـمُ (اللّه)، مُشْتَقٌّ مِن الإِله، أي:
المَعْبُودُ، والذي تَأْلَهُـهُ القُلُـوبُ، أَيْ تَتَعَـلَّق بِهِ وتَنْجَذِبُ
إِلَيه عُبُـودِيَّةً وحُبًّا وَرَغْبَـةً ورَهْبَـًة وتَعْظِيماً. وإذا عَلِمَ
العَـبدُ أَنَّ اللّهَ تعالى بِكُلِّ شَيءٍ عَليم، وأَنَّه سمـيعٌ بصيرٌ لا
تَخْفَـى عَلَيه سُبْحانَه خافِيَهٌ، اشْتَدَّت مُراقَبَتُه لِلّهِ تعالى في
السِّرِّ والعَلَنِ، وفيما يَأْتِي ويَذَرُ مِن الأعمالِ. وإذا عَلِمَ أَنَّ
اللّهَ تعالى على كُلِّ شيءٍ قَدير، وأَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ لا يُعْجِزُهُ
شَيْءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، تَوَاضَعَ لِلّهِ وَخَضَعَ لِعَظَمَتِهِ
وقُدْرَتِه وَسَلَّمَ لِلّهِ وآمَنَ بِقُدْرَتِه واسْتَصْغَرَ قُدْرَةَ كُلِّ
مَخْلُوقِ. وإذا عَلِمَ أَنَّ اللّهَ تعالى غفورٌ رحيمٌ وَدُودٌ كَرِيمٌ، حَمَلَه
ذلك على التوبةِ والاستغفارِ وحُسْنِ الظَّنِّ بِاللّهِ، وَعَدَمِ القُنُوطِ مِن
رَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ. وإذا عَلِمَ أَنَّ اللّهَ تعالى شَدِيدُ العِقابِ، عَزِيزٌ
ذَو انتِقامٍ، وأَنَّه تعالى يَغْضَبُ ويَسْخَطُ مِن أعمالِ الكُفْرِ والمَعاصي
والفُسُوقِ، امْتَلَأَ قَلْبُهُ مِن خَشْيَةِ اللّهِ والخَوفِ مِن عِقابِه، فَيَرْدَعُهُ ذلك عَن الوُقُوعِ فِيمَا يُغْضِبُ اللّهَ عَزَّ وَجَل. وإذا عَلِمَ
أَنَّ اللّهَ تعالى لا يُحِبُّ الظُّلْمَ ولا البَغْيَ وَأَنَّه يَنْتَقِمُ مِمَّن
ظَلَمَ وعَصَى، ارْتَدَعَ عَن ذلك وكَفَّ عَن أَذَى الناسِ وَظُلْمِهِم. وبِهذا
يُعْلَمُ يَقِيناً أَنَّ مَن اعْتَنَى بِهذا النَّوْعِ مِن التوحيد، انْفَتَحَ لَه
بابُ العِلْمِ باللهِ، ومَن كان باللهِ أَعْلَمُ وأَعْرَفُ، كان مِنه أَخْوفُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ الْواحدِ
الأحدِ الصمدِ الذّي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحد، فَاطرِ
السِّمَاواتِ وَالأَرْضِ، جَاعَلِ الْمَلائكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحةً مَثْنَى
وَثلاثَ وَرباعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلِقِ مَا يَشاءُ، إنّ اللهَ على كُلِِّ شَيءٍ قَدِير،
مَا يَفْتَحِِ اللهُ للنِّاسِ مِنْ رَحمةٍ فَلا مُمسكَ لها، وَمَا يُمسكْ فَلا مُرْسِلَ
لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ
وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد:-
عبادَ الله: إِذا كان مِن إِحْصاءِ أَسماءِ
اللهِ: فَهْمُ مَعانِيها ومَدْلُولاتِها، والعَمَلُ بِمُقْتَضياتِها وأَحْكامِها، فَإِنَّ أَحَبَّ الخَلْقِ إلى اللهِ مَن اتَّصَفَ بِمُقْتَضياتِ أَسْمائِهِ
وصِفاتِه، فَإنَّه سُبحانَه كريمٌ يُحِبُّ الكريمَ مِن عِبادِه، ويَكْرَه البُخْلَ
والشُّحَ. وعالِمٌ يُحِبُّ العلماءَ بِهِ وبِشَرِيعَتِه. وقادِرٌ يُحِبُّ
الشُّجْعانَ فِي دِينِه، ويَكْرَهُ الجُبْنَ والمُداهَنَة. وجَمِيلٌ يُحِبُّ
الجَمالَ، وهو سُبْحانَه وتعالى رَحيمٌ يُحِبُّ الرُّحَماءَ، وإِنَّما يَرْحَمُ
مِن عِبادِه الرُّحماء، وهو سِتِّيرٌ يُحِبُّ مَنْ يَسْتُرُ على عِبادِه، وعَفُوٌّ
يُحِبُّ مَنْ يَعْفُو عَنْهُم مِن عِبادِه، وغَفُورٌ يُحِبُّ مَنْ يَغْفِرُ لَهُم
مِن عِبادِه، ولَطِيفٌ يُحِبُّ اللطيف مِنْ عِبادِه، ويُبْغِضُ الفَظَّ الغَلِيظَ
القاسِي، ورَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وحَلِيمٌ يُحِبُّ الحِلْمَ. فَمَنْ عامَلَ
خَلْقَه بِصِفَةٍ، عامَلَهُ اللهُ تعالى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعَيْنِها في الدنيا
والآخرة، فاللهُ تعالى لِعَبْدِهِ على حَسَبِ ما يَكُونُ العَبْدُ لِخَلْقِهِ،
فَكَما تُدِينُ تُدان، وَكُنْ كَيْفَ شِئْتَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لَكَ كَمَا
تَكُونُ أَنْتَ لِعِبادِه، ولِذلك: مَن سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرهُ الله. والذي
يَرْحَمُ مَن في الأرضِ يَرْحَمُه مَن في السماء. ومَن كانَ في حاجَةِ أَخِيهِ كان
اللهُ في حاجَتِه. ومَن رفَقَ بِخَلْقِه رَفَقَ اللهُ بِه. ومَن تَجاوَزَ تَجاوَزَ
اللهُ عنه، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( كَانَ تَاجِرٌ
يُدَايِنُ النَّاسَ, فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا
عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ ).
اللهم ارزقنا تقواك,
واجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في
دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من
رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا
بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم
أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا
آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل
شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم
ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى
النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها،
اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها، اللهم أخرجها من الفتن والشرور،
واجعلها أقوى مما كانت، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت
الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث اللهم أغثنا، غيثاً
مُغِيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقِ
بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء
ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك
ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|