دلائل
وبراهين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
26- 05- 1440هـ
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما
كثيرا، أما بعد:
عباد الله: أيقنوا
بمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبياً ورسولاً، فلقد بعثه الله بالهدى ودين الحق؛ إلى
الناس كافة، بشيراً ونذيراً، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بعثه رحمة
للعالمين، وحجّة على العباد أجمعين؛ وخاتماً للأنبياء والمرسلين، فبلّغ الرسالة
وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فلم يدع خيراً إلا دلَّها وحثّها عليه، ولم يترك شرًّا
إلا حذّرها منه، حتى ترك الأمة على المحجّة البيضاء، ليلِها كنهارِها ، لا يزيغ
عنها إلا الهالكون .
ومن أجل ذلك كله عباد
الله، أقام الله تعالى من دلائل نبوته وأعلام بعثته وبراهين صدقه شيئاً كثيراً
تقوم بها الحجة على العباد ويحصل بها اليقين للمتقين.
فيا أيها المؤمن: إذا
قيل لك: من نبيك؟ فقل موقناً: نبيي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشم
من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة
والسلام .
فإذا قيل لك: بم عرفت
نبيك؟ ما براهينك ودلائلك على نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته ؟ .
فقل: نبينا محمدٌ صلى
الله عليه وسلم أكثرُ الأنبياء والمرسلين معجزاتٍ ظاهرات، ودلائلَ باهرات وآياتٍ
بينات على صدقه ونبوته وبعثته.
فقد جمعها بعض أئمة
الإسلام من أهل العلم فبلغت ألف معجزة وبينة ظاهرة
فإذا قيل لك : ما
أبهرُ وأعظمُ معجزات النبي؟
فقل: هذا الكتابُ
العظيمُ الذي بين أيدينا، (القرآن الكريم) الحكيم العظيم العزيز المعجز، الذي ( أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )، (لَّا يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ
مِّنْ
حَكِيمٍ
حَمِيدٍ
).
نتلوه ونلمس إعجازه،
ونقرؤه ونطمئن لبراهينه، ونرى تأثيره، فكثيرون هم الخلق الذين آمنوا وتابوا
وأنابوا بمجرد ما سمعوا بعض آياته.
ولم يزل يتزايد إعجاز
القرآن أيام حياة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وبقي معجزا بعد وفاته، وإلى زماننا،
وسيدوم إلى آخر الزمان .
وإعجاز القرآن من جهة
لفظه ومعناه :
ــ أما إعجازه في
لفظه فهو في أعلى مقامات فصاحة الكلام وبلاغة البيان، و قد تحدى الله الفصحاء
والبلغاء من أهل لسانه ولغته في زمانه ، بأن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله ، أو
بسورة واحدة، فمع شدة عدواتهم له، وحرصهم على تكذيبه عجزوا عن ذلك.
وأخبرهم الله أنهم لا
يطيقون ذلك أبداً ، بل قد تحدى الجن والإنس قاطبة على أن يأتوا بمثله فعجزوا ، و
أعلن ذلك ، فقال تعالى: (( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ
أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )) ولا يزال التحدي قائماً باقيا.
وقد كان محمد صلى
الله عليه وسلم أمياً لا يعلم القراءة والكتابة ولم يكن شاعراً.. فمِن أين أتى
بهذا الإعجاز؟ لا ريب العقل السليم يقضي بأنه أتى به من عند الله الحكيم العزيز
العليم الحميد سبحانه.
ــ وأما إعجاز القرآن
في معناه وكونه برهانٌ على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: فبأنه في غاية التناسق
والاتفاق، والاشتمال على أحسن التشريعات وأحكمها المتضمنة للرحمة والمصلحة والعدل
والإحسان، وتحصيل المصالح، وإبطال المفاسد، واشتمل أيضاً على أخبار الأمم الماضية
مفصلةً مبينة، وعلى ذكر أسرار في المخلوقات دقيقة لا تعلم إلا بأدق البحوث
والتخصصات، فمن أين أتى محمد عليه الصلاة والسلام بكل هذه العلوم وليس في بلاد
قومه منها ومن علم الأولين شيئاً يذكر، لا شك أن هذا الأمر يبرهن نبوته .
ــ ووجه آخر يقضي
بكون القرآن أعظمَ برهان على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام
كان معروفا بغاية الأمانة وغاية الصدق والبر والرشد، وما جرب عليه الكذب في حياته،
وقد اجتمع فيه من مكارم الأخلاق وجميل الخصال ما لم يجتمع في بشر قبله ولا بعده،
فيستحيل عقلا أن يكذب مثلُ هذا الرجل على أدنى مخلوق بأدنى كذبة، فكيف يكذب على
الخالق العظيم رب العالمين، وكيف يتركه الرب العظيم القادر، بل وينصره ويؤيده
ويحفظه وهو يكذب عليه؟ هذا محال، ومثل هذا لا يخفى على العقلاء أولي الأفهام، وقد
قال رب العالمين: (( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا
مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ
أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ )).
عباد الله :
ــ ومن دلائل نبوة
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته:
ــ ما أخبر به في
القرآن، وفيما صح عنه من الأحاديث، من الغيوب المستقبلة التي وقعت مطابقة لخبره
حذو القذة بالقذة وهو كثير، فمن ذلك :
ــ ما أخبر الله به
في كتابه من غلبة الروم لفارس في بضع سنين، فكان كذلك.
ــ و أخبر صلى الله
عليه وسلم أن كنوز كسرى و قيصر ستنفق في سبيل الله، فكان كذلك
ــ وبشّر أمّته بأن
ملكهم سيمتد في طول الأرض وعرضها، فكان كذلك.
ــ وأخبر بقتال
الخوارج، ووَصَفَهم للصحابة وذكر لهم ذا الثدية أنه يكون مع الخوارج فوجدوه كما
وصف سواء بسواء.
ــ وأخبر أن الحسن بن
علي رضي الله عنهما سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كذلك.
ــ وأخبر أن عمر
وعثمان رضي الله عنهما سيموتان شهيدين.
ــ وأخبر بفتح بيت
المقدس، وكثرة ظهور الفتن ومن المشرق خاصة، واتباع أمته سنن من كان قبلها، وأخبر
بظهور الكذابين ومدعي النبوة، وانتشار الربا والزنا والمعازف وشرب الخمر، وأخبر
بزخرفة المساجد، والتطاول في البنيان، وكثرة القتل وتقارب الزمان وتقارب الأسواق،
وكثرة النساء وقلة الرجال وكثرة موت الفجأة وضياع الأمانة والتماس العلم عند
الأصاغر وقبض العلماء .. فحدث كل ذلك .
وغير ذلك مما ظهر وما
سيظهر مما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بالنصوص الثابتة الصحيحة.
رضينا بالله ربا
وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، اللهم صلّ وسلم عليه وعلى
آله وصحبه أجميعن.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه،
والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِه، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ
وَرَسُولُه الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلِّى اللهُ عليه وعلى آلِه وَأصحابِه
وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ تَسلِيماً كَثِيراً .
عباد الله:
ــ ومن دلائل وبراهين
نبوة نبيكم صلى الله عليه وسلم ومعجزاته:
ما أظهره الله تعالى
على يديه من خوارق العادات الباهرة، فمن ذلك:
ــ انشقاق القمر الذي
ذكر في القرآن، وهي آية عظمى، حيث سأله المشركون أن يريهم آية وكان ذلك ليلاً،
فسأل الله تعالى أن يشق لهم القمر فاستجاب فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر،
فصار فرقتين حتى رأوا جبل حراء بين نصفيه، وسألوا من حولهم من أهل البوادي لئلا
يكون قد سحرهم فأخبروهم أنهم رأوه منشقا، وهذا متواتر عند أهل العلم بالأخبار.
ــ ومن ذلك ما ظهر
ببركة دعائه من الخوارق: منها أنه صلى الله عليه و سلم دعا الله تعالى في السخلة
التي كانت مع ابن مسعود في الرعي، وسمى الله وحلبها فدرت عليه فشرب وسقى أبا بكر،
وكذلك فعل في شاة أم معبد،
ودعا الله على السبعة
الذي سخروا منه و هو يصلي، فقتلوا كلهم في بدر.
ودعا على ابن أبي
لهب، فسلط الله عليه سبعاً بالشام وفق دعائه عليه السلام
ودعا على سراقة فساخت
يدا فرسه في الأرض، ثم دعا الله فأطلقها.
ورمى كفار قريش في
بدر بقبضة من حصباء فأصاب كل واحد منهم شيءٌ منها وهزمهم الله، وكذلك فعل يوم
حنين.
وأعطى يوم بدر عكاشة
بن محصن جذلاً من حطب فصار في يده سيفاً ماضياً
ورد يوم أحد عين
قتادة بن النعمان الظفري بعد أن سالت على خده، فبرأت وصارت أحسن عينيه ولم تكن
تعرف من الأخرى .
وأطعم يوم الخندق الجم
الغفير الذين يقاربون ألف رجل، من لحم سخلة وصاع شعير ببيت جابر، كانوا يأخذون منه
ولا ينقص حتى أكل الجميع.
وأما يوم تبوك، فكان
أمراً هائلاً، أطعم الجيش كله وملؤوا كل وعاء معهم من قدر ربضة العنز طعاماً.
وأعطى أبا هريرة رضي
الله عنه مزوداً فأكل منه دهره ، وجهز منه في سبيل الله شيئاً كثيراً و لم يزل معه
إلى أيام مقتل عثمان. وأشياء أخرى من هذا النمط يطول ذكرها.
واستسقى الله تعالى
لما قحطوا فلم ينزل من المنبر حتى تحدر الماء على لحيته صلى الله عليه و سلم من
سقف المسجد، وقد كان قبله لا يرى في السماء سحابة.
ونبع الماء من بين
أصابعه الشريفة في حوادث عديدة، نبع الماء من بين أصابعه يوم الحديبية لما فني
الماء، فكفاهم وكان الجيش ألفاً وأربعمائة ، قال جابر: و لو كنا مائة ألف لكفانا.
وألقي سهمه في عين
الحديبية وقد جفت فجاشت بالماء حتى كفتهم .
وكان يسلم عليه الحجر
والشجر ، ويسمع تسبيح الطعام والحصى بين يديه ، وحَنَّ الجذع وأنَّ لما فارقه وكان
يخطب عليه ولم يسكن حتى ضمه.
وغير ذلك كثير من هذا
النمط من البراهين والمعجزات.
أيها الناس: ومن
دلائل نبوته وبراهينها
ــ بشارة الكتب
السماوية المتقدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله تعالى أن ذلك في
التوراة و الإنجيل مكتوب، و كما أخبر عن نبيه عيسى عليه السلام أنه قال: "
ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " ، وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو
أنه وجد صفته في التوراة صلى الله عليه وسلم وذكرها.
وفي نصوص التوراة
التي بين أيدي اليهود نصوص كثيرة تذكر النبي بصفته وتذكر صفة أصحابه، وكذلك في
زبور داود وفي الإنجيل الذي عند النصارى
ــ وما أخبر به أحبار
ورهبان اليهود والنصارى قبيل بعثة النبي وأثناءها بأن هذا الزمان هو أوان بعثة
النبي الخاتم للأنبياء والمرسلين.
فاللهم ارزقنا اليقين
بمحمد صلى الله عليه وسلم، واشرح صدورنا وطهر قلوبنا واغفر ذنوبنا، اللهم إنا نشهد
أن محمداً عبدك ورسولك، ونشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فيك
حق الجهاد . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد ...
اللهم ارزقنا اتباعه
ظاهرا وباطنا، واحشرنا في زمرته وارزقنا الورود على حوضه ولا تحرمنا من مرافقته في
أعلى جناتك يا أرحم الرحمين،
اللهم إنا نسألك فواتح
الخير وجوامعه وأوله وآخره، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك ، اللهم إنا نعوذ بك من شرور الشياطين وكيدهم يا رب العالمين، اللهم أعزّ
الإسلام والمسلمين، اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون
أولياءك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك
اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن
تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين،
اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين في كل
مكان اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين
في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم،
اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم
وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً
ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في
أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ
بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام ..
ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك قريب مجيب الدعوات. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |