العلم
واليقين بأن محمداً رسول الله
19- 05- 1440هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: اتقوا
الله حق التقوى واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، بتحقيق الشهادتين قولاً
واعتقاداً وعملاً (( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ
وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) .
أيها المسلمون :
شهادة أن محمداً رسول الله أصل عظيم من أصول الدين، فهي نصفُ الركنِ الأول من
أركان الإسلام ( الشهادة)، والسؤال عن محمد صلى الله عليه وسلم أحد أسئلة فتنة
القبر الثلاثة، فسيقال للميت: (من نبيك؟) ويقال له: (ما علمك بهذا الرجل الذي بعث
فيكم) .
فيا عبد الله يا أيها
المؤمن: هل بنيت شهادتك بأن محمداً رسول الله، على علم ؟ وما مستوى هذا العلم ؟ هل
وصل إلى درجة اليقين .
إن كثيراً من
المسلمين بقي في شهادته أن محمد رسول الله على الشهادة الأولى الفطرية التي تلقاها
عن والديه في صغره، ولم يكلف نفسه بتجديد العلم، ليصل إلى الشهادة اليقينية
البرهانية التصديقية بأن محمداً رسول الله، وهذا تقصير شديد في الواجب قد يضر
العبد في آخرته، في فتنة القبر وما وراءها .
في الصحيحين قال
النبي صلى الله عليه وسلم في موعظته للناس بعد صلاة الكسوف: (وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيباً مِنْ فِتْنَةِ
الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا
الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا
وَاتَّبَعْنَا، ــ في رواية مسلم (ثَلَاثَ مِرَارٍ) ــ فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ
صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ
المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا
فَقُلْتُهُ)
فالفتنة في القبر
رهيبة فظيعة، تقرب من فتنة الدجال.
وتأملوا قول النبي
صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فأما المؤمن أو الموقن) فالجواب الصواب في القبر
سيكون لأهل الإيمان الراسخ وأهل اليقين .
فهل أنت مؤمن وموقن وبنيت
إيمانك ويقينك على علم .
ويقول صلى الله عليه
وسلم: (وأمّا فِتْنَةُ القَبْرِ فَبِي تُفْتنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ فإذَا كانَ
الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فزِعٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ما
هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: محمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ جاءَنا بالبَيِّناتِ مِنْ
عِنْد اللَّهِ فَصَدَّقْنَاهُ، فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّار فينظر
إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ، ثُمَّ
يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَة إِلَى الجَنّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرتِها وَمَا فِيها
فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْها ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت
وعلَيْهِ تُبْعَثُ إنْ شاءَ اللَّهُ ...) حديث حسن رواه الإمام
أحمد .
فتأملوا قوله صلى
الله عليه وسلم ( فإذا كان الرجل الصالح ) فالصلاح صفة لمن سيثبتون في هذه الفتنة
العظيمة .
وتأملوا قول الملكين
له: ( على اليقين كنت وعليه مت وعلَيْهِ تُبْعَثُ إنْ شاءَ اللَّهُ ) فمن أراد
لنفسه النجاة، فليحيا على اليقين حتى الممات. فالكل سيفتن في قبره في موقف مهيب
رهيب، فإن لم يكن تثبيت من الله، وإلا فقل: يا زلة القدم (( يُثَبِّتُ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ )).
أيها المسلمون: يجب
على كل مسلم قادر على التعلم، ترسيخُ أصولِ دينه في قلبه، بدراسة الأدلة والبراهين
عليها، ويتأكد الوجوب في الأزمنة والمجتمعات التي تكثر فيها الشبهات والتشكيكات
كزماننا هذا
إن في تجديد العلم
بأن محمدا رسول الله بالأدلة والبراهين، تجديداً وترسيخاً للإيمان به، وقد أمر
الله أهل الإيمان فقال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ )) أي جددوه دوماً في قلوبكم وارتقوا به واثبتوا عليه، فلا يزال
المؤمن يرتقي في الإيمان حتى يصل إلى درجة اليقين.
فإذا تجدد الإيمان
وترسخ اليقين بأن محمدا رسول الله قوي في القلب تجريد توحيد المتابعة له صلى الله
عليه وسلم، واطمأن القلب لأمره ونهيه، وازداد تعظيم حديثه وسنته، وقوي اليقين بحسن
العاقبة لمن اتبعه.
عباد الله: الناس
يتفاوتون في علمهم وإيمانهم ويقينهم بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
وعلى قدر الإيمان
واليقين يكون الاتباع والثبات على السنة والتسليم والانقياد لقول رسول الله وأمره.
ومن الأمثلة الرفيعة
في هذا المقام ما جرى في صلح الحديبية من الشيخين الجليلين صاحبي رسول الله أبي
بكر وعمر رضي الله عنهما ، فالصاحبان الجليلان قد بلغا درجة اليقين بأن محمداً
رسول الله، لكن أبا بكر رضي الله عنه بلغ الدرجة الأعلى في التصديق واليقين فانقاد
انقيادا تاماً لنبيه منذ أن أسلم إلى أن مات، وكان يهاب مخالفته أعظم الهيبة في كل
صغير وكبير .
فلما جاء البلاءُ
المبين في الحديبية ظهر هذا اليقين فاستسلم استسلاماً تاماً لأوامر وقرارات نبيه
صلى الله عليه وسلم لأنه يوحى إليه، وظهر الفرق بين يقينه ويقين عمر، فلما
وُقِّعَت بنود المصالحة وكان ظاهرُ بعضها فيه دنيةٌ ومذلةٌ للمسلمين، قال عمر لأبي
بكر: أليس برسول الله؟ قال أبو بكر: بلى، قال عمر: أولسنا بالمسلمين؟ قال أبو بكر:
بلى، قال عمر: أوليسوا بالمشركين؟ قال : بلى . فقال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا
؟ فقال أبو بكر: يا عمر إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه،
فوالله إنه على الحق .
عمر كان موقنا أن
محمداً رسول الله، لكن جاء اختبار عصيب بميزان دقيق تظهر فيه درجات الإيمان
واليقين .
وهكذا عند المواقف
والابتلاءات وورود أمر رسول الله ونهيه تظهر مراتب إيمان المؤمنين ويقينهم بأن
محمد رسول الله، خاصة عندما يكون الاتباع مخالفا للهوى (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ
أَخْبَارَكُمْ )) .
لقد وردت على الناس
في زماننا مثلاً نصوص السمع والطاعة وعدم المنازعة لولاة الأمر، فاختلفت مواقف
الناس تبعاً لاختلاف إيمانهم ويقينهم بأن محمداً رسول الله، فمنهم من اتبع هواه
وقدم قول دعاة الثورات على قول رسول الله فكانت العواقب وخيمة، وتتكرر الفتن
الممحصات .
عباد الله: أهل العلم
والإيمان واليقين بأن محمداً رسول الله لا ترتفع أصواتهم فوق صوت رسول الله، ولا
يميلون للآراء والأفكار المخالفة لسنة رسول الله، ولا يستحسنون البدعة المخالفة
لما كان عليه رسول الله، معظمين تحذير الله في قوله: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ )) ، ونهيه في قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ
سَمِيعٌ
عَلِيمٌ
))
إن من يرفعون أصواتهم
فوق سنة محمد صلى الله عليه وسلم ويتقدمون بين يدي سنته ويخالفون أمره برأي أو
عاطفة أو حماسة أو فكر، يخاف على هؤلاء من أن تحبط أعمالهم وهم لا تشعرون
( أليس هو رسول الله؟
) صرخة بكرية عند كل مقام اتباع منبعها اليقين بأن محمدا رسول الله .
ف (( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )) وارتقوا إلى الإيمان اليقيني
الذي يجعلكم ترتعد فرائصكم غيرة على
شهادتكم بأنه رسول الله عند كل مقام اتباع .
اللهم أحينا على اليقين بشهادة أن محمدا رسول الله وأمتنا عليها , بارك
الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من المواعظ والحكمة ،
وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا
إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، صلى الله عليه
وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله: جددوا
العلم والإيمان بأن محمداً رسول الله، ولا تبقوا على إيمان التقليد، فالمرتاب
الهالك سيقول في قبره عند سؤال الملكين: ( سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ) فلا
ينفعه ذلك.
جددوا العلم والإيمان
واسعوا لليقين، وإلا فسيتزعزع بأول هزة وأدنى فتنة .
عباد الله : وإن مما
يجدد العلم والإيمان بأن محمداً رسول الله:
تلاوة كتاب الله
بتدبر، فالقرآن مملوء بدلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أكثر الله من ذكر
نبيه وذكر شمائله وأخلاقه وأحواله ومواقفه وجهاده، ودعا للإيمان به وتوقيره ونصره
واتباعه وطاعته
فمن تدبر هذه المواضع
تجدد علمه ورسخ إيمانه بأن محمداً رسول الله .
ومما يجدد العلم
والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم: دراسة سيرته، والإكثار من قراءة سنته.
ومن يُجدد العلم
والإيمان به دراسةَ دلائلَ نبوته خاصة ومعجزاته صلى الله عليه وسلم التي جمعها بعض
الأئمة فوصلت إلى ألف برهان ومعجزة على نبوته صلى الله عليه وسلم .
فسل نفسك يا أيها
المؤمن بمحمد رسولاً: هل تستطيع أن تثبت أن محمد رسول الله بالأدلة والبراهين
المقنعة؟
وهل تجيب بلا تردد:
كيف عرفت أن محمداً رسول الله؟ وما علمك بدلائل وبراهين نبوته عليه الصلاة والسلام؟
وهذا هو موضوع خطبتنا
الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى .
فاللهم جددّ الإيمان في
قلوبنا، اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم ثبتنا بقولك
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك،
اللهم إنَّا نسأَلُك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب،
ونسألك القصد في الفقر والغنى. ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع،
ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت. ونسألك لذة النظر إلى وجهك،
والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى
والعفاف والغنى، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين برحمتك يا أرحم
الراحمين، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من
الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا
وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك
مثنين بها قابليها وأتمها علينا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
إنك قريب مجيب الدعوات.
اللهم ربنا ظلمنا أنفسنا
ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لنا مغفرةً من عندك وارحمنا إنك
أنت الغفور الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. اللهم إنا نسألك
بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا
يحي يا قيوم نسألك أن تغفر لنا وتغيثنا غيث الرحمة، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا
من القانطين ... اللهم يا من لا يملك إنزال الغيث غيره أسقنا وأغثنا .. اللهم
أغثنا غيثاً مغنياً سحاً غدقاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار اللهم سقيا رحمة...لا
سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.. اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا غيثا
عاجلاً غير آجل تحيي به البلاد وتغيث به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد،
اللهم أغث البلاد وانشر رحمتك على العباد واجعله بلاغاً للحاضر والباد يا حي يا
قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم لا تردنا خائبين ولا من رحمتك يائسين يا
رحمن يا رحيم . اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |