قِصَّةُ لُوْطٍ مَعَ قَوْمِهِ
}الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ } لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا {، } عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ: } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
يَقُوْلُ U عَنْ قَصَصِ رُسُلِهِ، عَلَيْهِمْ جَمِيْعَاً اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ: } لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى، وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {، وَمِنَ اَلْقَصَصِ اَلَّتِيْ فِيْهَاْ عِبْرَةٌ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - قِصَّةُ نَبِيِ اَللهِ لُوْطٍ - عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ - مَعَ قَوْمِهِ ، فَقَدْ وُجِدَ لَوْطٌ فِيْ عَهْدِ نَبِيِ اَللهِ إِبْرَاْهِيْمَ - عَلَيْهِ وَعَلَىْ نَبِيِّنَاْ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ - فَصَدَّقَهُ وَآمَنَ بِرِسَاْلَتِهِ، وَآزَرَهُ وَهَاْجَرَ مَعَهُ إِلَىْ اَلْشَّاْمِ حِيْنَمَاْ آذَاْهُ قَوْمُهُ، كَمَاْ قَاْلَ U : } فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ، وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {.
فَلَمَّاْ وَصَلَاْ - إِبْرَاْهِيْمُ وَلُوْطٌ - اَلْشَّاْمَ، بَعَثَ اَللهُ U لُوْطَاً إِلَىْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُقَاْلُ لَهَاْ: سَدُوْمَ ، يَدْعُوْهُمْ إِلَىْ عِبَاْدَةِ اَللهِ U، وَعَدَمِ اَلْشِّرْكِ بِهِ سُبْحَاْنَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِاَلْمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَاْهُمْ عَنْ اَلْمُنْكَرِات وَاَلْفَوَاْحِشِ اَلَّتِيْ لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَاْ أَحَدٌ مِنْ اَلْعَاْلَمِيْنَ، وَهِيَ أَنَّهُمْ: يَفْعَلُوْنَ اَلْفَاْحِشَةَ فِيْ ذُكْرَاْنِهِمْ ، يَقُوْلُ U: } كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ { وَيَقُوْلُ U عَنْ لُوْطٍ وَقَوْمِهِ: } وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ {، يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ -رَحِمَهُ اَللهُ- فِيْ تَفْسِيْرِهِ: فَكُوْنُهَاْ فَاْحِشَةً مِنْ أَشْنَعِ اَلْأَشْيَاْءِ، وَكَوْنُهُمْ اِبْتَدَعُوْهَاْ وَاَبْتَكَرُوْهَاْ، وَسَنُّوْهَاْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، مِنْ أَشْنَعِ مَاْ يَكُوْنُ أَيْضَاً.
فَلُوْطٌ - عَلَيْهِ وَعَلَىْ نَبِيِّنَاْ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ - جَاْءَ إِلَىْ هَؤُلَاْءِ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، وَدَعَاْهُمْ إِلَىْ اَلْفِطْرَةِ اَلْسَّلِيْمَةِ، وَاَلْأَخْلَاْقِ اَلْفَاْضِلَةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَجِيْبُوْا لِدَعْوَتِهِ، وَلَمْ يَمْتَثِلُوْا لِمُقْتَضَىْ رِسَاْلَتِهِ، بَلْ هَدَّدُوْهُ وَتَوَعَّدُوْهُ بِاَلْطَّرْدِ مِنْ قَرْيَتِهِمْ ، كَمَاْ قَاْلَ U: } فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا، أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ { وَهَكَذَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْضَّلَاْلِ وَاَلْاِنْحِرَاْفِ وَاَلْفَسَاْدِ، هَكَذَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْنُّفُوْسِ اَلْخَبِيْثَةِ، وَاَلْقُلُوْبِ اَلْعَمْيَاْءِ اَلْحَاْقِدَةِ، يُقْصُوْنَ مَنْ يَدْعُوْ لإصْلَاْحِ مُجْتَمَعِهِ، وَيُؤْذُوْنَ مَنْ يَنْصَحْ لِأُمَّتِهِ، وَيَجْعَلُوْنَ أَفْضَلَ اَلْحَسَنَاْتِ، بِمَنْزِلَةِ أَقْبَحِ اَلْسَّيِّئَاْتِ، لِاِنْقِلَاْبِ مَوَاْزِيْنِهِمْ، وَاَنْتِكَاْسِ قُلُوْبِهِمْ، وَعَمَىْ بَصَاْئِرِهِمْ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
لَمْ يَكْتَفِ قَوْمُ لُوْطٍ بِتَهْدِيْدِهِ ، وَإِخْرَاْجِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ ، إِنَّمَاْ اِسْتَعْجَلُوْا عَذَاْبَ اَللهِ تَأْكِيْدَاً لِكُفْرِهِمْ، وَإِشْهَاْرَاً لِتَكْذِيْبِهِمْ فَقَاْلُوْا: } ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ { ، فَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْء، وَلِذَلِكَ دَعَاْ عَلَيْهِمْ -عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ -: } قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ {, فَغَاْرَ اَللهُ لِغَيْرَتِهِ، وَغَضِبَ لِغَضْبَتِهِ، وَاَسْتَجَاْبَ لِدَعْوَتِهِ، وَأَجَاْبَهُ إِلَىْ طَلْبَتِهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ U مَلَاْئِكَةً مِنْ مَلَاْئِكَتِهِ، لِيُخْبِرُوْهُ بِأَمْرِه U ، فَمَرُّوْا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَىْ نَبِيِ اَللهِ اِبْرَاْهِيْمَ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ ، وَبَشَّرُوْهُ وَاَمْرَأَتَهُ بِإِسْحَاْقَ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ إِبْرَاْهِيْمُ - عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ - عَنْ خَبَرِهِمْ، وَعَنْ سَبَبِ إِرْسَاْلِهِمْ، فَأَخْبَرُوْهُ بِاَلْخَطْبِ اَلْجَسِيْمِ، وَاَلْأَمْرِ اَلَّذِيْ لَاْ يُرَدّ, فَمَاْ كَاْنَ مِنْهُ إِلاّ أن حَاْوَلَ اِسْتِبْطَاْءِ اَلْعَذَاْبِ، كَمَاْ قَاْلَ U: } فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ، وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى، يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ { جَعَلَ يُجَاْدِلُ فِيْ قَوْمِ لُوْطٍ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ لَاْ سَبِيْلَ إِلَىْ هِدَاْيَتِهِمْ، فَقَدْ اِسْتَحَبُّوْا اَلْعَمَىْ عَلَىْ اَلْهُدَىْ، وَرَضُوْا بِأَسَاْفِلِ اَلْأَخْلَاْقِ وَأَرَاْذِلِ اَلْأَفْعَاْلِ, وَجِدَاْلُهُ لِلْمَلَاْئِكَةِ، كَمَاْ قَاْلَ عَنْهُ U: } وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى، قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ، قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {، وَعَدُوْهُ بِنَجَاْةِ لُوْطٍ وَأَهْلِهِ ، إِلَّاْ اِمْرَأَتَهُ فَإِنَّهَاْ مِنَ اَلْبَاْقِيْنَ فِيْ عَذَاْبِ اَللهِ U ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَاْ كَاْنَتْ فَاْسِدَةً ضَاْلَةً، وَيُقَاْلُ أَنَّهَاْ هِيَ اَلَّتِيْ دَلَّتِ اَلْقَوْمَ، وَأَخْبَرَتْهُمْ بِاَلْضِّيُوْفِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهَاْ اَللهُ U ، مَثَلَاً لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا فَقَاْلَ تَعَاْلَىْ: } ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ { يَقُوْلُ اِبْنُ عَبَّاْسٍ t: } فَخَانَتَاهُمَا { خَاْلَفَتَاْهُمَاْ فِيْ اَلْدِّيْنِ ، وَأَظْهَرَتَاْ اَلْإِيْمَاْنِ بِاَلْلِّسَاْنِ ، وَأَسَرَّتَاْ اَلْنِّفَاْقَ بِاَلْقَلْبِ، وَلَمْ تَخُوْنَاْ بِاَلْفُجُوْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ تَفْجُرْ اِمْرَأَةُ نَبِي قَطّ .
فَلَمَّاْ أَخْبَرَتِ اَلْمَلَاْئِكَةُ إِبْرَاْهِيْمَ - عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ - بِنَجَاْةِ لُوْطٍ وَأَهْلِهِ، سَكَنَتْ نَفْسُهُ وَهَدَأَ رَوْعُهُ، ثُمَّ حَسَمَتِ اَلْمَلَاْئِكَةُ اَلْمُجَاْدَلَةَ وَاَلْمُنَاْقَشَةَ بِقَوْلِهَاْ : } يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ { أَيْ : دَعْكَ مِنْ هَذَاْ اَلْجِدَاْل ، وَأَعْرِضْ عَنْهُ وَتَكَلَّمَ فِيْ غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاْءَ أَمْرُ رَبِّكَ بِإِهْلَاْكِهِمْ، فَلَاْ رَاْدَّ لِأَمْرِهِ، وَلَاْ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، فَفَوِّضْ اَلْأَمْرَ إِلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَاْنَهُ عَلِيْمٌ بِاَلْمُفْسِدِيْنَ .
فَاَنْطَلَقَ اَلْمَلَاْئِكَةُ مِنْ عِنْدَ إِبْرَاْهِيْمَ ، وَتَوَجَّهُوْا إِلَىْ سُدُوْمَ - قَرْيَةَ لُوْطٍ وَقَوْمِهِ - وَدَخَلُوْهَاْ فِيْ صُوَّرِ شُبَّاْنٍ حِسَاْنٍ، اِبْتِلَاْءً مِنَ اَللهُ وَاَخْتِبَاْر، وَلِتُقَاْمَ عَلَىْ أُوْلَئِكَ اَلْقَوْمِ اَلْحُجَّةَ, وَلِيَبَاْنَ عَيْبُهُمْ وَفَضِيْحَتُهُمْ أَمَاْمَ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ.
فَلَمَّاْ دَخَلُوْا تَلْكَ اَلْدِّيَاْرِ، نَزَلَوْا بَيْتَ لُوْطٍ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ يَسْتَضِيْفُوْنَهُ , فَلَمَّاْ رَآهُمْ فِيْ هَذِهِ اَلْصُّوْرَةِ اَلْحَسَنَةِ ، وَاَلْخِلْقَةِ اَلْجَمِيْلَةِ اَلْنَّضِرَةِ ، ظَنَّهُمْ بَشَرَاً, وَشَقَّ عَلَيْهِ مَجِيْئُهُمْ ، وَضَاْقَ بِهِمْ ذَرْعَاً، يَقُوْلُ U فِيْ ذَلِكَ: } وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ، وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ { أَيْ شَدِيْدُ اَلْبَلَاْءِ, كَثِيْرُ اَلْحَرَجِ، بَاْلِغُ اَلْصُّعُوْبَةِ، فَمَاْهِيَ إِلَّاْ لَحَظَاْتٌ ، وَإِذَاْ بِقَوْمِهِ، يَأْتُوْنَ مُسْرِعِيْنَ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ{ يَقُوْلُ اَلْقُرْطُبِيُ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: جَاْءَ قَوْمُهُ يُرْعِدُوْنَ مَعَ سُرْعَةِ اَلْمَشْيِ، مِمَّاْ بِهِمْ مِنْ طَلَبِ اَلْفَاْحِشَةِ. فَهُمْ جَاْءُوْا مُسْرِعِيْنَ قَاْصِدِيْنَ فِعْلَ اَلْفَاْحِشَةِ بِضُيُوْفِهِ عَلَىْ عَاْدَتِهِمْ، يُرِيْدُوْنَ مُمَاْرَسَةَ هِوَاْيَتِهِمْ ، فَمَاْذَاْ فَعَلَ لُوْطٌ ؟.
يَقُوْلُ U: } قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ { أَيْ هَؤُلَاْءِ بِنَاْتِيْ مِنْ جُمْلَةِ نِسَاْئِكِمْ فَتَزَوَّجُوْهُنَّ؛ فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ مِنْ فِعْلِ اَلْفَاْحِشَةِ، خَاْفُوْا مِنَ اَللهِ، لَاْ تَجْلُبُوْا لِيَ اَلْعَاْرَ فِيْ ضُيُوْفِيْ، أَلَيْسَ مِنْكُمْ - يَاْ قَوْمُ - رَجُلٌ ذُوْ عَقْلٍ سَدِيْدٍ يَنْهَاْكُمْ عَنْ هَذَاْ اَلْفِعْلِ اَلْقَبِيْحِ؟!
فَمَاْذَاْ كَاْنَ جَوَاْبَهُمْ ، يَقُوْلُ U عَنْهُمْ: } قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ { ذَكَّرَهُمْ بِتَقْوَىْ اَللهِ U، ثُمَّ بِاَلْنَّخْوَةِ وَاَلْمُرُوْءَةِ وَاَلْرُّجُوْلَةِ، أَنْ يَحْفَظُوْا لَهُ كَرَاْمَةَ ضُيُوْفِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَعْ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء! وَقَدْ وَصَفَ U حَاْلَهُمْ تِلْكَ ، مُقْسِمَاً بِحَيَاْةِ اَلْنَّبِيْ e، بِقَوْلِهِ: } لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ { أَيْ فِيْ سَكْرَةِ حُبِّ اَلْفَاْحِشَةِ ، فَلَاْ يُبَاْلُوْنَ مَعَهَاْ بَلَوْمٍ وَلَاْ زَجْرٍ, فَنُفُوْسُهُمْ دَنِيْئَةٌ، وَقُلٌوُبُهُمْ خَبِيْثَةٌ ، وَفِطَرُهُمْ مُنْتَكِسَةٌ، وَلِذَلِكَ قَاْلُوْا: }وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ { أَيْ يُرِيْدُوْنَ فِعْلَ اَلْفَاْحِشَةِ، قَاْلَ لُوْطٌ عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ: } لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ { يَقُوْلُ e فِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ t اَلْصَّحِيْح: (( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ ، إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )) أَيْ، يَأْوُيْ إِلَىْ أَقْوَىْ اَلْأَرْكَاْنِ، وَأَشَدِّهَاْ وَهُوَ اَللهُ U، } إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ { أَيْ هُوَ اَلْمُتَنَاْهِـْي فِيْ اَلْقُوَّةِ ، اَلَّتِيْ تَتَصَاْغَرُ كُلُّ قُوَّةٍ أَمَاْمَ حَضْرَتِهِ، وَيَتَضَاْءَلُ كُلُّ عَظِيْمٍ عَنْدَ ذِكْرِ عَظَمَتِهِ سُبْحَاْنَهُ .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أَصَرَّ قَوْمُ لُوْطٍ، عَلَىْ أَنْ يَفْعَلُوْا اَلْفَاْحِشَةَ فِيْ ضُيُوْفِهِ ، وَبَلَغَ اَلْبَلَاْءُ مَبْلَغَهُ فِيْ نَفْسِ نَبِيْ اَللهِ لُوْطٍ، حَيْثُ لَمْ يَجِدْ حِيْلَةً لِاِقْنَاْعِهِمْ، وَلَاْ وَسِيْلَةً لِمَنْعِهِمْ ، عِنْدَهَاْ جَاْءَ اَلْخَبَرُ مِنَ اَلْضُّيُوْفِ أَنْفِسِهِمْ، } قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ { أَخْبَرُوْهُ بِأَنَّهُمْ رُسُلٌ مِنَ اَللهِ U، وَلَنْ يَسْتَطِيْعَ اَلْمُجْرِمُوْنَ اَلْوُصُوْلَ إِلَيْهِمْ، وَلَنْ يَمَسُّوْهُ بِمَكْرُوْهٍ ، يَقُوْلُ U: } وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ { أَرْسَلَ U جِبْرِيْلَ فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ ، فَاَنْطَلَقُوْا يَتَوَعَّدُوْنَ لُوْطَاً وَأَضْيَاْفَهُ اَلْصُّبْحَ، فَأَمَرَ اَلْمَلَاْئِكَةُ لُوْطَاً عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ } فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ {، فَخَرَجَ لُوْطٌ - عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ - كَمَاْ قَاْلَ U: } فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {، فَلَمَّاْ أَشْرَقَتِ اَلْشَّمْسُ، نَزَلَ عَذَاْبُ اَللهِ اَلْمَوْعُوْد، بِاَلْقُوْمِ اَلْمُجْرِمِيْنَ ، يَقُوْلُ U: } فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ { جَاْءَ فِيْ اَلْتَّفْسِيْرِ: أَنَّ جِبْرِيْلَ - عَلَيْهِ اَلْسَّلَاْمُ - اِقْتَلَعَ أَرْضَهُمْ وَدِيَاْرَهُمْ، ثُمَّ أَلْوَىْ بِهَاْ إِلَىْ اَلْسَّمَاْءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ اَلْسَّمَاْءِ نِبَاْحَ كِلَاْبِهِمْ، ثُمَّ أَكْفَأَهُمْ وَجَعَلَ عَاْلِيَهَاْ سَاْفِلَهَاْ ثُمَّ أَتْبَعُهُمْ بِحِجَاْرَةٍ مِنْ سَجِّيْلٍ. وَكَمَاْ قَاْلَ - تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ - : } إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ { .
جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ، اَلَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ. أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ جُنُوْدِنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ، وَاَحْفِظْهُمْ بِحِفْظِكَ اَلْمَكِيْن، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ ذَوِيْهِمْ سَاْلِمِيْنَ غَاْنِمِيْنَ مُنْتَصِرِيْنَ ، وَاَهْزِمْ اَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ اَلْخَاْئِنِيْنَ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ، يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا غَيْرَ رَائِثٍ ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |