لِلْغَاْفِلِيْنَ مَآلُ اَلْمُسْرِفِيْنَ
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْوَاْحِدِ اَلْقَهَّاْرِ، لَاْ يَغْفَلُ } عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ، وَحْدُهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، } الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { } يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ { وَ } الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ {، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، اَلْمُصْطَفَىْ اَلْمُخْتَاْرُ ، صَلَّىْ اَللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مَاْتَعَاْقَبَ اَلْلَّيْلُ وَاَلْنَّهَاْرُ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ اَلْكِرَاْمِ اَلْأَخْيَاْرِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكَمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ: } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
مَحَبَّةُ اَللهِ U، وَطَاْعَتُهُ وَاَمْتِثَاْلُ أَمْرِهِ، وَمَقْتُ كُلِّ عَمَلٍ يَتَسَبَبُ فِيْ سَخَطِهِ وَغَضَبِهِ، قَضِيَّةٌ مِنَ اَلْقَضَاْيَاْ اَلْمُسَلَّمِ بِهَاْ فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ، فَلَاْ تَجِدُ عَاْقِلَاً فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ؛ يُعْلِنُ بُغْضَ اَلْحَلَاْلِ وَمَحَبَّةَ اَلْحَرَاْمِ، وَلَكِنَّكَ عَنْدَ تَطْبِيْقِ ذَلِكَ، وَاَلْعَمَلِ بِهِ وَاْقِعَاً، تَرَىْ اَلْعَجَبَ اَلْعُجَاْبَ، وَاَلْمُخَاْلَفَةَ اَلْوَاْضِحَةَ، فَكَثِيْرٌ هُمُ اَلَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ مَحَبَّةَ اَللهِ U، وَيَمْقُتُوْنَ مُخَاْلَفَةَ أَمْرِهِ سُبْحَاْنَهُ، وَلَكِنَّهُمْ عَنْدَ شَهَوَاْتِهِمْ وَمَلَذَّاْتِهِمْ ، يُخَاْلِفُوْنَ مَاْ يَزْعُمُوْنَ، وَيَفْعَلُوْنَ مَاْ يَمْقُتُوْنَ ، وَكَمَاْ قَاْلَ اَلْقَاْئِلُ :
تَعْصِيْ اَلْإِلَهَ وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هَذَاْ مُحَاْلٌ فِيْ اَلْقِيَاْسِ بَدِيْعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ
إنَّ اَلْمُحِبَّ لِمنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
وَكَثِيْرٌ هٌمْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ اَلَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ مَحَبَةَ اَلْنَّبِيِ e وَيَعْتَرِفُوْنَ بِوُجُوْبِ طَاْعَتِهِ، وَأَهَمِّيَةِ اَلْعَمَلِ بِسُنَّتِهِ، وَلَكِنَّكَ عَنْدَمَاْ تَتَأَمَّلُ فِيْ أَحْوَاْلِهِمْ وَبَعْضِ أَفْعَاْلِهِمْ ، تَجَدَهُمْ بَعِيْدِيْنَ كُلَّ اَلْبُعْدِ عَنْ سُنَّةِ اَلْنَّبِيِ e ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّهُ e، قَالَ: (( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )) .
فَعَدَمُ تَطَاْبُقِ اَلْأَفْعَاْلِ مَعَ اَلْأَقْوَاْلِ، وَتَرْكُ مَاْ نَعْتَقِدُهُ وَنَرَىْ أَهَمِّيَةَ فِعْلِهِ ، وَفِعْلُ مَاْ نَمْقُتُهُ وَنُعْلِنُ بُغْضَهُ وَكُرْهَهُ، أَمْرٌ صَاْرَ شَبْهَ ظَاْهَرَةٍ فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ، تَأَمَّلْ أَخِيْ مَاْ نَسْمَعُهُ وَنَتَحَدَّثُ بِهِ عَنْ خَطَرِ اَلْغَيْبَةِ، } أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَجَاْلِسِنَاْ وَاَجْتِمَاْعَاْتِنَاْ، لَاْ تَتِمُّ وَلَاْ تَحْلُوْا إِلَّاْ بِاَلْغِيْبَةِ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيْرٌ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ بَرُّ اَلْوَاْلِدَيْنِ ، تَوْقِيْرُ اَلْجَاْرِ ، صِلَةُ اَلْرَّحِمِ ، وَجُوْبُ اَلْآنْفَاْقِ ، حُسْنُ اَلْخُلُقِ، غَلَاْءُ اَلْمُهُوْرِ ، اَلْفَخْرُ بِاَلْأَحْسَاْبِ، اَلْطَّعْنُ بِاَلْأَنْسَاْبِ، وَغَيْرُ ذِلِكَ كَثِيْرٌ.
وَاَللهِ إِنَّنَاْ نَخْشَىْ أَنْ يَصْدِقَ عَلَيْنَاْ قَوْلُ اَللهِ تَعَاْلَىْ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِنَ اَلْقَضَاْيَاْ اَلْخَطِيْرَةِ، اَلَّتِيْ نَقَعُ بِهَاْ، وَأَلِفْنَاْ فِعْلَهَاْ، وَصَاْرَتْ عَاْدَةً مِنْ عَاْدَاْتِنَاْ، وَنَحْنُ نَمْقُتُهَاْ وَنُسَفِّهُ أَهْلَهَاْ، وَنَعْتَرِفُ بِحُرْمَتِهَاْ ، وَنَحْذَرُ مِنْ عَوَاْقِبِهَاْ: ظَاْهِرَةُ اَلْإِسْرَاْفِ ، فَاَلْإِسْرَاْفُ مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْمَكْرُوْهَةِ عِنْدَ أَكْثَرِنَاْ ، وَلَكِنَّنَاْ فِيْ اَلْحَقِيْقَةِ وَاَلْوَاْقِعِ مُسْرِفِيْنَ مِنَ اَلْدَّرَجَةِ اَلْأُولَىْ .
سَأَلْتُ أَحَدَ اَلْمُتَقَاْعِدِيْنَ، وَقَدْ أَمْضَىْ عَدَدَاً مِنَ اَلْسِّنِيْنَ، يَعْمَلُ مُوَظَّفَاً حُكُوْمِيَّاً، وَيَتَقَاْضَاْ مُرَتَّبَاً شَهْرِيَّاً لَاْ بَأْسَ بِهِ ، سَأَلْتُهُ عَنْ وَضْعِهِ اَلْمَاْدِيِ ، فَاَشْتَكَىْ لِيْ فَقْرَهُ وَحَاْجَتَهُ ، فَحَسَبْتُ مَعَهُ كَمْ اِسْتَلَمَ مِنَ اَلْمَاْلِ مُنْذُ بِدَاْيَةِ عَمَلِهِ، لِغَاْيَةِ تَقَاْعُدِهِ، فَوَجَدْنَاْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاْثَةِ مَلَاْيِيْنَ رَيَاْلَاً، سَأَلْتُهُ كَمْ عَنْدَهُ مِنْهَاْ اَلْآنَ ؟ قَاْلَ وَاَللهِ لَاْ أَمْلِكُ إِلَّاْ رَاْتِبِيْ اَلْتَّقَاْعُدِيْ ، وَقَدْ يَنْتَهِيْ قَبْلَ صَرْفِ اَلْرَّاْتِبِ اَلْآخَرِ بِأَيَّاْمٍ .
وَهَذَاْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ بِسَبِبِ اَلْإِسْرَاْفِ. نُسْرِفُ فِيْ اَلْكَهْرَبَاْءِ، وَنُسْرِفُ بِاَلْمَاْءِ ، أَمَّاْ اَلْإِسْرَاْفُ فِيْ اَلْكَلَاْمِ، فَحَدِّثْ وَلَاْ حَرَجَ ، اِسْأَلْ شَرِكَاْتِ اَلْاِتِّصَاْلَاْتِ وَبَاْعَةَ بِطَاْقَاْتِ اَلْشَّحْنِ ، فَعِنْدَ جُهَيْنَةِ اَلْخَبَرِ اَلْيَقِيْن! فَاَلْإِسْرَاْفُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ كُلُنَاْ نَعْلَمُ خُطُوْرَتَهُ، وَسُوْءَ نَتَاْئِجِهِ، وَنَكْرَهُ فِيْ أَنْفِسِنَاْ مَنْ بُلِيَ بِهِ، وَلَكِنَّنَاْ نَنْسَىْ ذَلِكَ اَلْعِلْمِ وَاَلْكُرْهِ ، عِنْدَ شَهَوَاْتِنَاْ وَمَلَذَّاْتِنَاْ، وَعِنْدَ طَعَاْمِنَاْ وَشَرَاْبِنَاْ وَلِبَاْسِنَاْ،أَمَّاْ فِيْ وَلَاْئِمِنَاْ وَمُنَاْسَبَاْتِنَاْ اَلْاِجْتِمَاْعِيَّة، فَحَدِثْ وَلَاْ حَرَجَ ، تَصِيْرُ قَضِيَةَ اَلْإِسْرَاْفِ، أَمَاْمَ مَاْذَاْ يَقُوْلُ اَلْنَّاْسُ وَلَاْ شَيْء، وَهَذَاْ مِنْ أَخْطَرِ اَلْأَشْيَاْءِ وَأَسْوَئِهَاْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e: (( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ ، وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ )) .
وَلَاْ شَكَّ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ اَلْإِسْرَاْفَ، فِيْهِ مُخَاْلَفَةٌ لِأَمْرِ اَللهِ U ، يَقُوْلُ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ } يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { ، وَيَقُوْلُ U: } وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ { ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ يَقُوْلُ e: (( كُلُوا وَاشْرَبُوا ، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ )).
أَعُوْذُ بِاَللهِ مِنَ اَلْشَّيْطَاْنِ اَلْرَّجِيْمِ
} وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا { .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ اَلْإِسْرَاْفَ فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَىْ عَدَمِ شُكْرِ اَلْنِّعَمِ ، وَاَلْنِّعْمَةُ إِذَاْ لَمْ تُشْكَرْ فَقَدْ تَزُوْلُ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ، فهذا اَلْمُعْتَمِدُ بِنُ عَبَّاْدٍ ، حَكَمَ اَلْأَنْدَلُسَ ، تَمَنَّتْ زَوْجَتُهُ وَبَنَاْتُهُ أَنْ يَخِضْنَ بِاَلْمَاْءِ وَاَلْطِّيْنِ ، وَذَلِكَ مِمَّاْ هُنَّ فَيْهِ مِنَ اَلْتَّرَفِ وَاَلْنَّعِيْمِ، لِأَنَّ اَلْسَّعَاْدَةَ لَاْ تَكْمُلْ إِلَّاْ بِطَاْعَةِ اَللهِ U، وَاَلْحَيَاْةُ لَاْ تَكُنْ هَنِيْئَةً طَيِّبَةً إِلَّاْ بِمَرْضَاْتِهِ سُبْحَاْنَهُ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ : } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { فَزَوْجَةُ وَبَنَاْتُ اَلْمُعْتَمِدِ بِنِ عَبَّاْدٍ، سَئِمْنَ اَلْحَيَاْةَ اَلْمُنَعَّمَةَ، وَأَصَاْبَهُنَّ اَلْمَلَلُ مِنَ مَعِيْشَةِ اَلْتَّرَفِ وَاَلْحُبُوْرِ فِيْ اَلْقُصُوْرِ ، فَاَشْتَقَنَّ لِمَعِيْشَةِ اَلْبُؤَسَاْءِ، وَاَشْتَهَيْنَ حَيَاْةَ اَلْفُقَرَاْءِ ، فَتَمَنَّتْ كُلُّ وَاْحِدَةٌ مِنْهُنَّ، أَنْ تَحْمِلَ قِرْبَةً عَلَىْ كَتِفِهَاْ ، وَتَخُوْضُ فِيْ اَلْطِّيْنِ ، لِتَمْلَأَهَاْ مِثْلَ اَلْجَوَاْرِيِ وَاَلْخَدَمِ، فَأَمَرَ اَلْمُعْتَمِدُ بِنُ عَبَّاْدٍ حَاْشِيَتَهُ، بِأَنْ يَأْتُوْا بِمِسْكٍ وَكَاْفُوْرٍ ، وَيَعْجِنُوْهُ بِمَاْءِ اَلْوَرْدِ، حَتَّىْ يَكُوْنَ كَاَلْطِّيْنِ ، فَفَعَلُوْا ذَلِكَ ، فَأَخَذَتْ اَلْزُّوْجَةُ وَاَلْبَنَاْتُ اَلْقِرَبَ، وَحَمَلَتْ كُلُّ وَاْحِدَةٍ مِنْهُنَّ قِرْبَةً فَاْخِرَةً عَلَىْ مِتْنِهَاْ، وَخَاْضَتْ بِاَلْطِّيْنِ اَلْمَزْعُوْمِ، وَتَحَقَقَتْ لِهُنَّ أَمَاْنِيْ اَلْنُّفُوْسِ اَلْفَاْرِغَةِ مِنْ تَقْوَىْ اَللهِ، وَحَصَلَتْ لَهُنَّ رَغَبَاْتُ اَلْأَفْئِدَةِ اَلْخَاْلِيَةِ مِمَّاْ يُرْضِيْ اَللهِ، فَمَاْهِيَ إِلَّاْ أَيَّاْمٌ ، وَيُنْزَعُ مُلْكُهُ، وَيُسْتَوْلَىْ عَلَىْ مَاْلِهِ وَقُصُوْرِهِ، وَيُرْمَىْ فِيْ اَلْسِّجْنِ، وَيَزَرْنَهُ بِنَاْتُهُ فِيْ يَوْمِ اَلْعِيْدِ، وَهُنَّ فِيْ أَطْمَاْرٍ بَاْلِيَةٍ، وَأَقْدَاْمٍ حَاْفِيَةٍ، لَاْ تَكَاْدُ تَجِدُ اَلْوَاْحِدَةُ مَاْ يَسْتُرُ سَوْأَتَهَاْ وَعَوْرَتَهَاْ، فَلَمَّاْ رَأَىْ هَذَاْ اَلْمَشْهَدِ قَاْلَ :
فَيْمَاْ مَضَىْ كُنْتَ بِاَلْأَعْيَاْدِ مَسْرُوْرَا
فَسَاْءَكَ اَلْعِيْدُ فِيْ أَغْمَاْتَ مَأْسُوْرَا
تَرَىْ بَنَاْتِكَ فِيْ اَلْأَطْمَاْرِ جَاْئِعَةً
يَغْزِلْنَ لِلْنَّاْسِ مَاْ يَمْلِكْنَ قَطْمِيْرَا
بَرَزْنَ نَحْوَكَ لِلْتَسْلِيْمِ خَاْشِعَةً
أَبْصَاْرُهُنَّ حَسِيْرَاْتٍ مَكَاْسِيْرَا
يَطْأَنَ فِيْ اَلْطِّيْنِ وَاَلْأَقْدَاْمُ حَاْفِيَةٌ
كَأَنَّهَاْ لَمْ تَطَأْ مِسْكَاً وَكَاْفُوْرَا
فَلْنَتَّقِ اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ- وَلْنَحْذَرَ اَلْإِسْرَاْفَ بِشَتَّىْ صُوَرِهِ وَأَشْكَاْلِهِ } إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ { .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ جُنُوْدِنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ ، وَاَحْفِظْهُمْ بِحِفْظِكَ اَلْمَكِيْن ، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ ذَوِيْهِمْ سَاْلِمِيْنَ غَاْنِمِيْنَ مُنْتَصِرِيْنَ ، وَاَهْزِمْ اَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ ، يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا غَيْرَ رَائِثٍ ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |