اَلْمُخْتَاْرُ لِلْغَاْفِلِيْنَ عَنْ اِلْاِخْتِبَاْرِ الْحَمْدُ للهِ ؛ الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ ، ذِي الْعَطَاءِ وَالْمَنِّ وَالْجُودِ ، لَهُ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : تَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ. أَيُّهَا الْإِخوَةُ الْمُؤْمِنُونَ : فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ؛ الشُّغْلُ الشَّاغِلُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ : قَضِيَّةُ الِاخْتِبَارَاتِ ، وَهُوَ أَمْرٌ يُحْمَدُونَ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ يُذَكِّرُنَا بِاخْتِبَارٍ يَغْفُلُ عَنْهُ بَعْضُنَا ، إِنَّهُ الِاخْتِبَارُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَنَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ . ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ أَيْ : لِيَخْتَبِرَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، أَيُّكُمْ عَمَلُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مُوَافِقًا لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَاخْتِبَارَاتُ أَبْنَائِنَا ، تُذَكِّرُنَا بِاخْتِبَارَاتِنَا ، فَالِاسْتِعْدَادُ وَالْخَوْفُ وَالْوَجَلُ وَالْفَزَعُ مِنْ أَجْلِ اخْتِبَارَاتِ دُنْيَا فَانِيَةٍ زَائِلَةٍ ، يَنْبَغِي أَنْ لَا نَغْفُلُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ اخْتِبَارَاتِ آخِرَةٍ دَائِمَةٍ بَاقِيَةٍ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ؛ قَالَ : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » ، قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ، لَهُمْ خَنِينٌ . يَقُولُ النَّوَوِيُّ : الْخَنِينُ : هُوَ الْبُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوْتِ مِنَ الْأَنْفِ . هَكَذَا يَكُونُ مَنْ أَدْرَكَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ زَخَارِفُ الدُّنْيَا ، وَلَمْ يَغْفُلْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ ، لَهُمْ خَنِينٌ ؛ وَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ . لَهُمْ خَنِينٌ ؛ وَهُمْ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ . تَأَمَّلُوا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- حَالَ بَعْضِ الطُّلَّابِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، قَلِيلٌ نَوْمُهُمْ مِنْ هَمِّ الِاخْتِبَارِ، وَهَكَذَا هُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ ، يُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ فِي اخْتِبَارٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَيَسْتَعِدُّونَ لَهُ غَايَةَ الِاسْتِعْدَادِ ، قُدْوَتُهُمْ نَبِيُّهُمْ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ » ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ : فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ رَبِّنَا » . « كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ» ؛ يَعْنِي كَيْفَ يَطِيبُ لِيَ الْعَيْشُ ، وَأَفْرَحُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَصَاحِبُ الْقَرْنِ - يَعْنِي الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالنَّفْخِ فِيْ اَلْصُّوْرِ - قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، أَيْ : وَضَعَ فَمَهُ عَلَيْهِ ، يَنْتَظِرُ مَتَى يَصْدُرُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ ، لِيَنْفُخَ فَتَنْتَهِيَ هَذِهِ الْحَيَاةُ . أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : يَتَمَنَّى كَثِيرٌ مِنَ الطُّلَّابِ ، لِاخْتِبَارِ هَذِهِ الدُّنْيَا ، مَعْرِفَةَ مَا يُسْأَلُونَ عَنْهُ ، وَكَشْفَ مَا يُخْتَبَرُونَ فِيهِ ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَدْفَعُ مَا يَسْتَطِيعُ دَفْعُهُ ، مِنْ أَجْلِ سُؤَالٍ أَوْ فِقْرَةٍ فِي سُؤَالٍ ، وَنَحْنُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - اخْتِبَارَاتُنَا مَكْشُوفَةٌ ، وَأَسْئِلَتُهَا بَيِّنَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ؛ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ؛ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ؛ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ؛ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ ». فَاللهَ .. اللهَ عِبَادَ اللهِ ، يَا مَنْ تُرِيدُونَ النَّجَاحَ ، يَا مَنْ تُرِيدُونَ الْفَوْزَ وَالْفَلَاحَ ، عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالِاسْتِعْدَادِ وَالْعَمَلِ ، فَالنَّتِيجَةُ إِمَّا سَعَادَةٌ لَا شَقَاءَ بَعْدَهَا ، وَإِمَّا شَقَاءٌ لَا سَعَادَةَ بَعْدَهُ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ : ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ هَذَا الِاخْتِبَارَ الَّذِي نَعِيشُ وَقَائِعَهُ ، وَالَّذِي خَلَقَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ مِنْ أَجْلِهِ ، يَحْتَاجُ لِإِعْدَادٍ وَاسْتِعْدَادٍ ، يَحْتَاجُ لِعَمَلٍ بِمَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا : كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ » . أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : وَأَمَّا نَتِيجَةُ هَذَا الِاخْتِبَارِ ، الَّذِي خَلَقَ اللهُ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ مِنْ أَجْلِهِ ، فَشَهَادَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حِينَمَا تَتَطَايَرُ الصُّحُفُ ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ يَقُولُ : ﴿ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ ﴾ ، أَوْ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ آخِذٌ كِتَابَهُ بِالشِّمَالِ يَقُولُ : ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ﴾. أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، اللَّهُمَّ يَسِّرْ حِسَابَنَا ، وَيَمِّنْ كِتَابَنَا ، وَآمِنْ خَوْفَنَا . اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَنَفِّسْ كُرُبَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ تُذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَأَنْ تَحْمِيَ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَأَنْ تَجَعَلَ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|