اَلْغِشُّ وَاَلْنَّصْبُ وَاَلْاِحْتِيَاْلُ الْحَمْدُ للهِ ؛ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ ، وَعَلِمَ مَوْرِدَ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَمَصْدَرَهُ ، لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَهُ وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَهُ ، سُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ ، حَيٍّ عَلِيمٍ قَدِيرٍ ، سَمِيعٍ خَبِيرٍ بَصِيرٍ ، لَا يَخْفَى عَنْهُ مَا أَسَرَّهُ الْعَبْدُ وَمَا أَظْهَرَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَوْضَحَ بِهِ سَبِيلَ الْهُدَى وَنَوَّرَهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى انْتِهَاءِ الدُّنْيَا وَابْتِدَاءِ الْآخِرَةِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : اتَّقُوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فَبِذَلِكَ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ، وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - بِأَنَّ الْغِشَّ وَالنَّصْبَ وَالِاحْتِيَالَ ، ظَاهِرَةٌ خَطِيرَةٌ ظَهَرَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ ، سَهَّلَ ظُهُورَهَا ، وَسَاعَدَ عَلَى وُجُودِهَا ، وَأَعَانَ عَلَى انْتِشَارِهَا : أَجْهِزَةُ الِاتِّصَالِ ، وَغَفْلَةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَالثِّقَةُ الزَّائِدَةُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، وَالسَّذَاجَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ عِنْدَ بَعْضِهِمُ الْآخَرِ . كَثِيرَةٌ هِيَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - مَظَاهِرُ الْغِشِّ وَالنَّصْبِ وَالِاحْتِيَالِ ، وَخَاصَّةً فِي سَبِيلِ جَمْعِ الْمَالِ ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، صَارَ بَعْضُ ضِعَافِ الْإِيمَانِ ؛ يَتَفَنَّنُونَ فِي خَلْقِ الْحِيَلِ ، وَيَبْتَكِرُونَ أَنْوَاعَ الْخُدَعِ ، مِنْ أَجْلِ أَكْلِ أَمْوَالٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ . وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ ، أَنْعَمَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْنَا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ ، وَخَصَّنَا بِصِفَاتٍ وَمُمَيِّزَاتٍ ، مِنْ أَجْلِهَا صِرْنَا مَطْمَعًا لِلْآخَرِينَ ، وَهَدَفًا لِلنَّصَّابِينَ وَالْمُحْتَالِينَ وَالْغَشَّاشِينَ ، إِلَى دَرَجَةِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ صَارَ الْغِشُّ مِهْنَةً لَهُ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِنَا ، وَخَاصَّةً مُخَالِفِي أَنْظِمَةِ وُلَاةِ أَمْرِنَا ، بَلْ وُجِدَ مَنْ يَحْتَالُ لِأَخْذِ أَمْوَالِنَا ، عَنْ طَرِيقِ رَسَائِلِ الْهَاتِفِ الْجَوَّالِ ، وَبَعْضُهُمْ بِمُجَرَّدِ مُكَالَمَةٍ هَاتِفِيَّةٍ ، يَحْصُلُ عَلَى مَا يُرِيدُ ، وَمَا هَذِهِ الْقَنَوَاتُ الَّتِي تُعْنَى بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ ، وَيَتَّصِلُ بِهَا بَعْضُ السُّذَّجِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ . وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَنَّ إِحْسَانَ الظَّنِّ أَمْرٌ أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، وَحَثَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ ،كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ وَلَكِنَّ الطِّيبَةَ الزَّائِدَةَ ، وَالسَّذَاجَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ ، أَمْرٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ » ، وَيَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لَسْتُ بِالْخِبِّ وَلَا الْخِبُّ يَخْدَعُنِي . أَحْسِنِ الظَّنَّ بِالْمُسْلِمِين ، احْمِلْهُمْ عَلَى الْخَيْرِ ، وَلَكِنْ لَا عَلَاقَةَ لِذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ إِحْسَانُ ظَنِّكَ بِهِمْ وَسِيلَةً لِنَهْبِ أَمْوَالِكَ ، وَسَلْبِ ثَرَوَاتِكَ ، وَتَصْفِيرِ أَرْصِدَتِكَ . أَيُّهَا الْإِخْوَةُ : إِنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، سَوَاءً فِي غِشِّهِمْ ، أَوْ فِي الِاحْتِيَالِ عَلَيْهِمْ ، أَوْ فِي التَّغْرِيرِ بِهِمْ ؛ لَمُنْكَرٌ عَظِيمٌ ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ ، نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ ، وَحَذَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ ، وَقَالَ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ » ، ثُمَّ ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! » .أَيْ كَيْفَ يُسْتَجَاْبُ لَهُ وَهَذِهِ حَاْلُهُ . فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْغِشِّ وَالنَّصْبِ وَالِاحْتِيَالِ ، مِنَ الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: « يَا عِبَادِي ! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ فَلَا تَظَّالَمُوا » . وَلِلْمَظْلُومِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- يَنْبَغِي لِكُلِّ ظَالِمٍ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ مِثْلِهَا ، يَرْفَعُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَقُولُ : لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ . فَاتَّقُوا اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ ، وَكُونُوا حَذِرِينَ مِنَ الْغَشَّاشِينَ وَالنَّصَّابِينَ وَالْمُحْتَالِينَ . أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا ، وَذُرِّيَّةً صَالِحَةً نَافِعَةً ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ . أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَةِ نَبِيِّكَ وَالتَّابِعِينَ ، وَتَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَيِّدْ إِمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ بِتَأْيِيدِكَ ، اللَّهُمَّ انْصُرْ بِهِ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِهُدَاكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ، وَاصْرِفْ عَنْهُ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾. عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|