احذروا الشرك والشحناء
خطبة يوم الجمعة 16/08/1433هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أخرج الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان والطبراني وغيرهم عن النبي r أنه قال : (( يطَلع الله عز وجل إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )) حديث صحيح ، صححه جمع من المحدثين ، وفي رواية حسنة عند الطبراني : (( فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه )) .
عباد الله : هذا الحديث هو الحديث الصحيح الوحيد في فضل ليلة النصف من شعبان وما سواه من الأحاديث الواردة كلها ضعيفة لا حجة فيها .
أيها المسلمون : ليلة النصف من شعبان ليلة مغفرة للذنوب وعفو عن السيئات يتفضل فيها الغفار الرحيم التواب على عباده فيغفر ذنوبهم ويتجاوز عن سيئاتهم ... ذلك لأنه جل جلاله كثير المغفرة ويعد بها ولا يغفر الذنوب إلا هو ، ويحب المعذرة ، ويريد التوبة على العباد ، وهو العفو ويحب العفو عن السيئات .
وهذه الفضيلة لليلة النصف من شعبان يشاركها فيها يوما الاثنين والخميس على مدار السنة فهما أيضاً يوما مغفرة أسبوعية ، فعَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: «تعرض الْأَعْمَال فِي كل اثْنَيْنِ وخميس، فَيغْفر الله لكل امْرِئ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، إِلَّا امْرأ كَانَ بَينه وَبَين (أَخِيه) شَحْنَاء، فَيَقُول: اتْرُكُوا هذَيْن حَتَّى يصطلحا» رَوَاهُ مُسلم
وهما يومان تفتح فيهما أبواب الجنة مع المغفرة ، ففي رواية في صحيح مسلم أيضاً لحديث أبي هريرة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : " تفتح أَبْوَاب الْجنَّة يَوْم الْاِثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس، فَيغْفر لكل عبدٍ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا إِلَّا رجل كَانَت بَينه وَبَين أَخِيه شَحْنَاء، فَيُقَال انْظُرُوا هذَيْن حَتَّى يصطلحا، أنظروا هذَيْن حَتَّى يصطلحا " . فلنحمد ربنا كثيرا أيها المسلمون (( إن ربنا لغفور شكور )) يمن علينا بالمغفرة تكراراً ، إن سلمنا من الخصال المانعة منها .
وفي هذه الأحاديث بين النبي r لنا خصلتين تحرمان العبد من مغفرة الله في ليلة النصف من شعبان وفي يومي الاثنين والخميس وهما : الشرك بالله صغيره وكبيره ، والشحناء والحقد على المؤمنين . فلنقف معهما :
الخصلة الأولى : الشرك بالله العظيم ، أعظم الذنوب وأقبحها ، وأكبر الكبائر وأشنعها ، قال الله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، فيا من ترجو من ربك المغفرة والعفو والتجاوز ، حقق توحيدك ، وخلصه ونقه من الشرك صغيره وكبيره ، واعبد الله مخلصاً له الدين حنيفا مسلماً بارئاً من المشركين .. فبذلك أمرك الله ولذلك خلقك ، وتب إلى ربك والتجئ إليه وقل : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم . واعلم أن من الشرك ما هو خفي ، أخفى من دبيب النمل على الصفا كالسمعة والرياء ، فحذار حذار . (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً )) .
أيها المسلمون : والخصلة الثانية المانعة من نيل مغفرة الله في ليلة النصف من شعبان : المشاحنة مع أحد عباد الله المؤمنين . والمشاحنة هي حقد المسلم على أخيه المسلم وضغينة قلبه وغله عليه وبغضه له لغير سبب شرعي ، مما يؤدي إلى التدابر والتقاطع .
عباد الله : الشحناء من الأخلاق القبيحة التي لا يليق أن تشيع بين المؤمنين ، وسلامة الصدر منها من أروع الأخلاق التي تدخل الجنة ، فصفة المؤمنين السائرين على نهج الأنصار والمهاجرين أنهم يقولون في دعائهم (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا) ، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح : قيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ قال : (( كل مخموم القلب صدوق اللسان )) قالوا صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال : (( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد )) .
وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ثلاث مرات في ثلاثة أيام : (( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )) فيطلع في المرات الثلاث الرجل نفسه ، ولم يكن الرجل كثير صلاة وصيام لكنه كان يبيت كل ليلة وليس في قلبه شيء على أحد من المسلمين ) فسلامة قلبه من الغل والحقد هي التي بلغته هذه المنزلة . فهنيئاً لأصحاب القلوب السليمة فلهم النجاة يوم القيامة (( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ))
أيها المسلمون : الشيطان ينزغ بينكم لتتشاحنوا فتحرموا من مغفرة ربكم ، فاحذروا نزغاته كما حذركم ربكم بقوله : (( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا )) واعتصموا بالله (( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله )) .
ويسعى الشيطان للتحريش بينكم ، فاحذروا تحريشه ، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ) .
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِه، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلِّى اللهُ عليه وعلى آلِه وَأصحابِه وَإِخْوَانِهِ وسلِّمَ تَسلِيماً كَثِيراً . أما بعد
أيها الناس : أسباب الشحناء كثيرة ، فابتعدوا عن الأسباب التي تؤدي بكم إلى الشحناء .
ــ وإن من أكثر أسباب الشحناء تفشيا : التنافس على حطام الدنيا ، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة : (( إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم ؟ )) فقال عبد الرحمن بن عوف : نكون كما أمر الله . فقال رسول الله صلى الله عليم وسلم : (( أو غير ذلك : تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون )) نعم هذا هو الواقع .
فيا عباد الله حطام الدنيا أحقر من أن تتقاطعوا من أجله ، فلا يحملنكم حطام الدنيا على الخصومة في المحاكم . لماذا يتهاجر الأرحام بسبب شيء لا يساوي عند الله جناح بعوضة ، لماذا يختصم الإخوة والأخوات السنوات فلا يقتسمون الميراث لخلاف على شيء زائف زائل ، ليرض المؤمن بما قسم الله له وسيكون أغنى الناس وإن كان يعيش على الكفاف .
ــ والحسد والغش والظلم والكبر والطعن في النسب كلها من أسباب الشحناء ، في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : (( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره )) .
عباد الله : المبادرة إلى العفو والصفح عن عباد الله من أسباب نقاء النفس من الشحناء : (( فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) وحتى لو كنت ترى أنك أنت المحق بادر بالعفو لتكون الأخير عند الله (( فما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً )) عز في الدنيا وعز في الآخرة (( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم )) .
فاتقوا الله عباد الله وأصلحوا ذات بينكم ، واصطلحوا ، وأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله ودعوا الحقد والشحناء ليعود عليكم ربكم بالمغفرة .
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا لما يرضيك عنا، اللهم بلغنا رمضان ، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل قدومه بشرى نصر وتمكين وعز للأمة الإسلامية، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، اللهم لا تقتلنا بعذابك ولا تهلكنا بغضبك وعافنا بين ذلك، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وتولّ أمرنا وأصلح أعمالنا وأحوالنا وقلوبنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|