الحمد
الحمد لله رب العالمين , الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور , الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً , الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً , ملء السموات وملء الأرض وملء مبينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد , له الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي وله الحمد بعد الرضا , له الحمد بكل نعمة أنعم بها علينا في قديم أو حديث أو عامة أو خاصة , وأصلي وأسلم على النبي المرتضى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله , أعبد الناس وأخشاهم وأتقى ، وأكثرهم ذكراً وشكراً وحمداً , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً ،، أما بعد
فاتقوا الله عباد الله حق تقاته , وتسابقوا بتقواه إلى جنته ومرضاته , فالجنة ما أعدت إلا للمتقين (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ))
أيها المؤمنون : املئوا حياتكم بالحمد لله , فالحمد كله لله ملكاً واستحقاقاً واختصاصاً فهو المستحق للمحامد كلها وهو المحمود على كل حال , يحمد في السراء ويحمد في الضراء , ويحمد على كماله وجلاله ويحمد على إنعامه وأفضاله , يحمد في الليل والنهار والسر والجهار , (( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ )) , (( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ )) , والحميد من أسماء ربنا المجيد , ذكره في القرآن خمسة وعشرين مرة ، (( وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )) , محمود بكل لسان ، وفي كل حال ومكان ، حمد نفسه , وحمده عباده وخلقه , يحب الحمد جل جلاله , لأنه المستحق له , ويعطي عليه العطاء الجزيل .
ولا يستطيع العباد أن يحصوا الثناء عليه , لذا قال عليه الصلاة والسلام : ( لا أحصي ثناءً عليك أن كما أثنيت على نفسك ) كل الخلائق تسبح بحمد (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) , (( وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ )) ، و(( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ )) , (( فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) محمود في إلهيته , محمود في ربوبيته , محمود في رحمانيته ، محمود في ملكه , محمود في قيوميته ، محمود في أسمائه وصفاته (( وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ مِنْ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا )) .
ونبينا صلى الله عليه وسلم اسمه محمد لكثرة خصاله المحمودة وهو أحمد الناس لربه , ولذا أعطاه ربه المقام المحمود في اليوم الموعود , الذي يحمده عليه الخلائق كلها يوم يسجد لربه فيفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحها عليه من قبل ويقبل شفاعته في الخلائق لفصل القضاء ، وأعطاه الله لواء الحمد ، لواء يرفع له ويكون تبع له كل عباد الله الحامدين .
أيها الناس : لعظيم مقام الحمد ومكانته افتتح الله به كتابه فأول آية فيه ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) وافتتح به أربع سور أخريات به ( الأنعام والكهف وسبأ وفاطر ) وذُكر الحمد في القرآن في أربعين موضعاً .
وشرع الحمد وربطه بالعبادات العظيمة ، فالصلاة تفتتح بـ ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ) وتُقْرأ في كل ركعة من ركعاتها سورة الحمد , وبعد كل ركوع من ركعاتها يقال : ( ربنا ولك الحمد ) وفي كل ركوع وسجود يستحب أن يقال : ( سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ) متفق عليه .
وبعد الانتهاء من الصلاة يشرع حمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة مع التسبيح والتكبير , ورمضان يختم بالتكبير المتضمن للحمد ( الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) شكراً لله على تمام العدة , والحج والعمرة في تلبيتهما ( إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وفي مواطن أخرى من أذكارهما .
عباد الله : والحمد من أحب الكلام إلى الله , قال صلى الله عليه وسلم : ( أحب الكلام إلى الله أربع : سبحان والحمد لله ولا إلى إلا الله والله أكبر . لا يضرك بأيهن بدأت ) أخرجه مسلم .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدعاء الحمد لله ) حديث حسن أخرجه الترمذي وابن ماجه، وفي رواية : ( أفضل الشكر الحمد لله ) أخرجه ابن حبان , فالحمد دعاء وشكر , بل أفضل الدعاء والشكر ، لأنه يتضمن طلب رضا الولي الحميد , وطلب المزيد من فضله , ويتضمن الثناء على الله بصفات الكمال ونعوت الجلال .
ولعظيم مكانة الحمد قال عليه الصلاة والسلام : ( الحمد لله تملأ الميزان , وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض ) أخرجه مسلم . الله أكبر ما أعظم فضل الحمد .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أفضل عباد الله يوم القيامة الحامدون ) أخرجه الطبراني .
وقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين حق الإيمان : (( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )) .
اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام نحن ووالدينا وذرياتنا . واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع , والحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ، اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن , ولك الحمد أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهن , ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أهل الثناء والحمد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حامل لواء الحمد ، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه أولي الفضل والمجد . أما بعد.
عباد الله : والله لو أننا تأملنا نعم ربنا علينا وأدمنا ذكرها ، لما فترنا عن حمده والثناء عليه في صباحنا ومسائنا ، ولاستشعرنا معاني ما اعتدناه من الحمد في أذكارنا ودعائنا , (( وما بكم من نعمة فمن الله )) , فلنحمد ربنا على نعمة الظاهرة والباطنة ، لنحمده على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن , ولنحمده على الهدى والمعتقد الصحيح , لنحمد ربنا على بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وأن صيرنا من أمته , ولنحمد ربنا على الأمن وكفاف العيش , لنحمد ربنا على العافية , ولنحمده في السراء والضراء .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها ) , بل قال عليه الصلاة والسلام : ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ) حديث حسن .
وفي الحديث : ( من رأى صاحب بلاء فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً , إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش ) حديث حسن أخرجه الترمذي .
( وإذا أصيب العبد بولده فحمد الله , قال الله للملائكة : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد ) , وقال صلى الله عليه وسلم : ( عجبت من قضاء الله عز وجل للمؤمن : إن أصابه خير حمد ربه وشكر وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر والمؤمن يؤجر في كل شيء ) حديث صحيح أخرجه أحمد .
عباد الله : الحمد مشروع لكم عند نومكم واستيقاظكم في أذكار معلومة ، ومشروع لكم في أذكار صباحكم ومسائكم (( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ )) ، فاستشعروا معنى الحمد وأنتم ترددون هذه الأذكار , واعلموا أن معناه : الثناء على الله لكماله وجلاله ومحاسنه وإحسانه مع حبه وتعظيمه .
فـ ( اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ) , قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال ذلك حين يصبح فقد أدى شكر يومه ، ومن قاله حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ) .
ومن السنة أن نستفتح دعاءنا بالحمد لله ، فقد سمع الله لمن حمده ، والدعاء موقوف حتى يثنى على الله ويصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم كما جاء في الخبر الصحيح .
والرجل الذي قال في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم , قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعه : ( والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ) . حديث صحيح أخرجه النسائي وابن ماجه .
عباد الله : الخلائق يوم الدين يدعوهم الرحمن فيستجيبون بحمده , (( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) وأهل الجنة يقولون : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ )) ويقولون : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ )) , (( وَآخِر دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ )) .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم عليك بالروافض أعداء أهل البيت وخصوم السنة ، اللهم لا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. اللهم عليك بطاغية الشام وأنصاره وأعوانه اللهم عجل بهلاكه ونصرة أهل السنة . اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين ، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام ، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم ، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين اللهم ردنا إليك رداً جميلاً. اللهم حفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين واجعلها قائمة بالتوحيد والسنة مستمسكة بالشريعة المحمدية. ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-121.html
|