عيد الفطر 1432هـ
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أما بعد عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لنا ، ولمن كان قبلنا ، يقول U من قائل : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله يا عباد الله ، ولنحرص على تحقيق وصية الله لنا ، الرحيم بنا ، الخبير بما ينفعنا دنيا وأخرى ، ولنعلم يا عباد الله ، بأن المستفيد الأول والأخير ، من تمسكنا بتقوى الله U هو نحن وليس غيرنا ، يقول سبحانه : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { يقول ابن سعدي في تفسيره : يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة ، ويسوق الله الرزق للمتقي ، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به .
فالفائدة من تقوى الله U ، التي هي وصية الله لنا ، تعود لنا ـ أيها الأخوة ـ وكما قال تبارك وتعالى : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { فلنتق الله ـ يا عباد الله ـ ولنعمل بوصية الرحيم بنا ، ليجعل لنا مخارج من مآزقنا ، وأرزاقا تسد فقرنا وحاجتنا ، ويسرا لما تعسر من أمورنا ، فأمتنا بحاجة لنكون كذلك ، بل هو فرض عين على كل واحد من أبنائها ، ونحن منهم ، بل من أوائلهم ، فبلادنا مهبط الوحي ، ومأرز الإسلام ، فمنها بدأ الإسلام ، وإليها يعود ، وهي متجه المسلمين قاطبة ، في صلاتهم ، وفي أفئدتهم ، بل وحتى في آلامهم وآمالهم ، وهاهي الأمة بجملتها ، في وضع لا تحسد عليه ، ولايدرك خطورته ، إلا العقلاء ، بل حتى غير العقلاء ، فهاهي المآزق تحيط بالمسلمين من كل مكان ، من قتل وسلب ونهب وحرب وضرب وغير ذلك ، أما } ويرزقه من حيث لا يحتسب { ، فهذه لا تحتاج إلى توضيح ولا بيان ، صارت المجاعات على مستوى الدول ، فضلا عن الأسر والأفراد . وكذلك ـ أيها الأخوة ـ أمور الأمة الإسلامية من عسر إلى أعسر ، وهل من التيسير لها كون ثالث مساجدها تحت وطئة أخوان القردة والخنازير ، فهل من تعسير أعظم من هذا ـ أيها الأخوة ـ فنتائج التقوى في هذه الدنيا للأمة متعسرة ، ووالله إننا لنخشى على نتائجها في الآخرة ، حينما يقع قول الجبار جل جلاله : } وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا { .
الله أكبر ، الله اكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن ما يحل بأمتنا الإسلامية ، وما يتسبب في ضعف شوكتها ، وضياع هيبتها ، وهوانها على الناس من غيرها من الأمم ، سببه ذنوبنا ومعاصينا ، وبعدنا عن تعاليم ديننا ، وهو مسؤلية كل واحد منا ، وسوف يسألنا الله عنه ، ويحاسبنا عليه ، والسعيد من قام بواجبه ، وأدى ما عليه ، وساهم بما يستطيع ، لإبراء ذمته يوم القيامة ، ولن يكون ذلك إلا بإصلاح النفوس ، والرجوع إلى الله U ، فالأمة لم تؤتى من فراغ ، والقطرة مع القطرة ، تكون سيلا جارفا ، وفيضانا زاحفا ، وكما قال تبارك وتعالى : } وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ { .
الله أكبر ، الله اكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أيها الأخوة المؤمنون :
وإننا في هذا اليوم ، الذي هو يوم عيد للمسلمين ، يظهرون فرحهم ، ويشكرون الله U على ما تفضل به عليهم ، نتمنى أن يكون عيدا بحق لنا ولإمتنا ، فهاهي الفتن تعصف بها عصف الريح ، وتفتك بها فتك النار بالهشيم ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما اصلح أولها ، فالتوحيد ونبذ الشرك ، والتمسك بالسنة وهجر البدع ، وإقامة شعائر الدين ، من صلاة وزكاة ، وحج وصيام ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وتوقير للعلماء والدعاة ، وطلب للعلم ، هو ما يخرج الأمة من مآزقها ، ويعيد لها مكانتها ، ويقوي شوكتها ، وصدق الله : } وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ { .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ في أنفسنا وفي أمتنا .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله ولي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله معيد الجمع والأعياد ، أحمده سبحانه من إله يحكم بين العباد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، } جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد :
أيها المسلمون ؛ اتقوا الله تعالى ، واعلموا بأن الله سبحانه بشر المستقيمين على عبادته ، والمستمرين في طاعته بالسعادة الكاملة في الدنيا والآخرة ، فقال سبحانه : } إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { قال العلماء : الاستقامة : هي المداومة على الطاعة . وقال عمر بن الخطاب t : معنى الإستقامة : أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب .
فحافظوا على الطاعات ـ ياعباد الله ـ وبادروا بصيام ستة أيام من هذا الشهر ، فإن نبيكم e يقول : (( من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله ))
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أيها الأخوة المؤمنون :
اعلموا رحمكم الله بأن من السنة لمن خرج إلى المصلى يوم العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر اقتداء بالنبي e وإظهارا لشعائرالله .
معشر النساء ؛ أيتها الفاضلات ، إلتزمن بآداب الإسلام : } فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {
أخواتي الفاضلات ؛ احذرن ما تفعله بعض النساء من كشف للعورات ، وإظهار للمفاتن ، فقد قال النبي e : (( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد )) وذكر : (( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )) . إحذرن ايتها المسلمات كثرة اللعن وجحود ما يتفضل به الأزواج فقد النبي e : (( رأيتكن أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير )) .
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
معشر المسلمين والمسلمات :
هنيئا لكم عيدكم ، جعلني الله وإياكم من الذين ينادى بهم : انصرفوا مغفورا لكم .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك أن تغفر لنا في مقامنا هذا أجمعين . اللهم إنا عبادك ، خرجنا إلى هذا المكان نرجوا رحمتك ونأمل ثوابك ، وبحاجة لفضلك ، ونخاف عذابك وعقابك ، فاللهم حقق لنا ما نرجوا ، وآمنا مما نخاف يارب العالمين .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك اللهم على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم أيد بنصرك المبين عبادك المجاهدين ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ، وهيئ لهم البطانة من عبادك الصالحين الناصحين .اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين وارحم اللهم موتى المسلمين . اللهم أنزل من بركات هذا اليوم على أهل القبور من المسلمين في قبورهم ، وعلى أهل الدور من المسلمين في دورهم ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة . ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، وآتنا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة واجعلنا من المحسنين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
|