خطبة جمعة وافقت عيد الفطر
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ
لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد
أما بعد
فاتقوا الله أيها المؤمنون واحمدوه على ما منّ به عليكم من صيام ورمضان وقيامه،
فلولا توفيق الله لكم وتيسيره لكم ما أدركتم ذلك (قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا)
أيها الناس: تنطوي
صحيفة رمضان وتقوَّض سوقُه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من
خسر.
عباد الله: إن
من أعظم ما يودع به الصائمون شهرهم ويختمون به صيامهم ( الاستغفار) فهو ختام
الأعمال الصالحة كلها :
تختم به الصلاة استغفر الله استغفر الله استغفر
الله . ويختم به الحج ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ) وبه تختم به المجالس، فإن كانت ذكراً كانت
كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كانت كفارة لها، فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان
بالاستغفار
إخوة الإيمان
: ألا وإن من أنفع الاستغفار وأرجاه ما كانت التوبة النصوح مصاحبة له؛ فإن
المستغفر بلسانه مع كونه عاقدا العزم على العودة إلى المعصية بعد شهر رمضان، ليس
مستغفراً على الحقيقة بل هو مخادع نفسه متبع خطوات الشيطان.
قال تعالى : {إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} فمن قام
بهذه الأعمال الثلاثة - الايمان والهجرة
والجهاد – مع لأوائها ومشقتها كان لغيرها
أشد قياما به وتكميلا.
إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى
به لا ينبغي له أن يعتمد عليها، ويعول عليها، بل يرجو رحمة ربه، ويرجو قبول أعماله
ومغفرة ذنوبه، وستر عيوبه.
ومن أعظم ما
يختم به الصائم شهره أيضاً: سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْـحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وصَلَى اللهُ عَلى نبينا محمد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
فعن أبي أيوب
الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان
ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله" رواه مسلم أي: كأنما صام السنة
كلّها، وقد ورد عند النسائي (جعل الله الحسنة بعشرة أمثالها. فشهر بعشرة أشهر،
وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة)
وهذا
من فضل الله على عباده أن يحصل ثواب صوم الدهر على وجه لا مشقة فيه، وهذه هي الحكمة
في كونها ستة أيام،
ومن
ثمار صوم النفل – كغيره من التطوعات – أنه يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص
أو تقصير. وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: "قال الرب
تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون
سائر عمله كذلك" رواه الترمذي وحسنه
والأفضل أن
تكون هذه الأيام الستة متتابعة. ويجوز تفريقها أثناء الشهر.
ومن
عليه قضاء فإنه يبدأ به ثم يصوم هذه الأيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من
صام رمضان ثم أتبعه ".
ومن عليه أيام
من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان حتى يقضيها ثم يصوم الست. ولأن المسارعة إلى
أداء الواجب وبراءة الذمة مطلوبة من المكلف.
|