خُطْبَةُ جُمُعَةٍ في يَوْمِ عِيدٍ الفطر
01 -10 -1444
إِنَّ الحَمدَ
للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ
فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ
التَّقْوَى، وامْتَثِلُوا أَوامِرَه، واجْتَنِبُوا نَواهِيهِ، واسْأَلُوهُ
الثَّباتَ عَلَى هذا الدِّينَ حَتَّى الْمَماتَ، فإنَّ العِبادَةَ لا تَنْقَضِي
إلا بَالْمَوْتِ، قال تعالى لِنَبِيِّهِ محمدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ ) ، أيْ: الْمَوْتَ، والْمُرادُ
هُوَ الثَّباتُ عَلى التَّوحِيدِ والسُّنَّةِ، والاسْتِمْرارُ في جَمِيعِ العُمُرِ
عَلى التَّقَرُّبِ إلى اللهِ بِطاعَتِهِ.
وَقَدْ
امْتَثَلَ النبيُّ صلى اللهُ عَليه وسلمَ أَمْرَ رَبِّهِ، في العِبادَةِ والبَلاغِ
المُبِينِ لِلناسِ وأداءِ الأَمانَةِ، حَتى أتاه اليقينُ مِن رَبِّهِ، وَهُوَ الذي
غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، صَلى اللهُ عَليه
وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ
نَمْتَثِلَ هذا الأَمْرَ مِن اللهِ، وأَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وسلمَ في ذلك.
وَمِنْ أَعْظَمِ ما يُعِينُ عَلى ذلك: أَنْ
تَتَذَكَّرُوا الحِكْمَةَ التي مِنْ أَجْلِها خُلِقْتُمْ، فَإِنَّ ذلكَ مِنْ
أَعْظَمِ ما يُزَهِّدُ في الدُّنْيا وَيُعَلِّقُ القَلْبَ بالآخِرَةِ، حِينَمَا
يَعْلَمُ العَبْدُ يَقِينًا أَنَّه ما خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَّا مِن
أَجْلٍ أَمْرٍ واحِدٍ فَقَط، أَلا وَهُوَ عِبادَةُ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه،
واتِّباعُ رَسُولَه صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ
والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، وقال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).
عِبادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ تَمامِ نِعْمَةِ
اللهِ عَلَيْنَا، أَنْ أَكْمَلَ لَنا شَهْرَ الصِّيامِ والقِيامِ، فَنَحْمَدُ
اللهَ عَلَى ذلكَ، ونَسْأَلُهُ أَنْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِالقَبُولِ،
وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا ما حَصَلَ مِنْ خَطَأٍ وَتَقْصِيرٍ.
ثُمَّ
اعْلَمُوا أَنَّ لِلْفَرِيضَةِ ما يُكَمِّلُها وَيَسُدُّ خَلَلَ التَّقْصِيرِ
فِيها، وَلِذلكَ شَرَعَ اللهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ رَمَضانَ سِتَّةَ
أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال، تُتِمُّ لَهُ أَجْرَ صِيامِ سَنَةٍ كامِلَةٍ، كَمَا قالَ
رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صامَ رَمَضانَ ثُمَّ
أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ ). وَلَا يَتَحَقَّقُ
ذلكَ إلَّا بِإِتْمامِ صَوْمِ رَمَضانَ أَوَّلًا، لِظاهِرِ الحَدِيثِ.
وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصُومَها أَثْناءَ الشَّهْرِ مُتَتابِعَةً أَوْ
مُتَفَرِّقَةً.
وَإيَّاكَ أَيُّها المُسْلِمُ أَنْ
تَنْقَطِعَ عَنْ مُتابَعَةِ تِلاوَةِ القُرْآنِ بَعْدَ رَمَضانَ، فَاحْرِصْ عَلَى
تَخْصِيصِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمِكَ الطَّوِيلِ لِلتِّلَاوَةِ والتَّدَبُّرِ والحِرْصِ
عَلَى امْتِثالِ أَوامِرِهِ واجْتِنابِ نَواهِيهِ، واعْلَمْ أَنَّ للهِ أَهْلِينَ
مِن الناسِ، أَهْلُ القُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخاصَّتُهُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْـحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ اللهِ:
مِن الطَّبِيعِي أَنْ يَفْرَحَ الْمُسْلِمُونَ بِالعِيدِ، وأَنْ يَظْهَرَ مِنْهُم
أَيْضًا ما يَدُلُّ عَلى هذه الفَرَحِ، وَلا يُلامُونَ عَلَى ذلك إذا كانَ في
حُدُودِ الْمُباحِ، وَسالٍمًا مِمَّا يُسْخِطُ اللهَ. وَلكِنَّ الفَرَحَ دَرَجات.
فَإِيَّاكُمْ
أَنْ تَنْسَوْا بِأَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ هُوَ الفَرَحُ بِهذا الدِّينِ، قال
تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ ). وَفَضْلُ اللهِ هُوَ القُرْآنُ، وَبِعْثَةُ الرسولِ صَلَى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدِّينُ والإِيمانُ وَعِبادَةُ الرحمنِ. هُوَ أَكْبَرُ
أَمْرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَحَ بِهِ، وَخَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُهُ مِنْ مَتاعِ
الدُّنْيا وَلَذَّاتِها. فَنِعْمَةُ الدِّينِ الْمُتَّصِلَةُ بِسَعادَةِ
الدَّارَيْنِ، لا نِسْبَةَ بَيْنَها وَبَيْنَ جَمِيعِ ما في الدُّنْيا، مِمَّا
هُوَ مُضْمَحِلٌّ وَزائِلٌ عَنْ قَرِيبٍ، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الفَرَحَ
الحَقِيقِيَّ والاسْتِبْشارَ، إِنَّمَا يَكُونُ بِأُمُورِ الدِّينِ.
رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ
أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم احفظنا
بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا
أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك
والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم وفق ولاة أمورنا
لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|