خطبة عيد الفطر 1444هـ
منزلة الشكر
الحمد لله على سوابق نعمائه وسوالف آلائه.. أحمده أبلغ الحمد
وأكمله وأتمه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اعتقاداً لربوبيته
وألوهيته وإذعاناً لجلاله وعظمته وصمديته.. وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده
ورسوله المصطفى من خليقته والمجتبى من بريته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
صلاةً متضاعفةً دائمةً إلى يوم نلقاه.
أما بعد :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله
أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراَ، والحمد لله كثيراَ، وسبحان الله بكرةً
وأصيلاَ.
عباد
الله: اتقوا الله تعالى، واحمدوا ربكم على وافر مننه ونعمه، وهنيئًا لكم هذا
اليومُ البهيج، هنيئًا لكم هذا اليومُ المجيد، هنيئًا لكم يومُ العيد السعيد،
هنيئًا لكم عيدُ الإفطار، ويومُ الأفراحِ والمسارّ، والبهجة والأنوار، جعَلَه الله
مقرونًا بالقَبول، صمتم نهاره وقمتم ليله وقرأتم كتابه فاشكروا الله وسلوه
القبول ، فلك الحمد - يا ربي- على إكمال
عِدّة الصيامِ، ولك الحمد - يا ربي- على إدراك رمضان حتى التمام، وحضوره حتى
الختام، جعَلَنا الله ممن أُعتق فيه من النار، وأُنزل منازلَ الصادقين الأبرار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله
الحمد .
الله أكبر على ما هدانا للإسلام وعلى ما منَّ به علينا من إتمام الصيام
والقيام.
أيها
الناس
مِنْ أَعْلَى منازل إياك نعبد وإياك نستعين
منزلة الشكر وَهُوَ نِصْفُ الْإِيمَانِ فَالْإِيمَانُ نِصْفَانِ: نِصْفٌ شُكْرٌ.
وَنِصْفٌ صَبْرٌ.
وَقَدْ
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَنَهَى عَنْ ضِدِّهِ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ. وَوَصَفَ
بِهِ خَوَاصَّ خَلْقِهِ. وَجَعَلَهُ غَايَةَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ. وَوَعَدَ
أَهْلَهُ بِأَحْسَنِ جَزَائِهِ. وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ.
وَحَارِسًا وَحَافِظًا لِنِعْمَتِهِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَهُ هُمُ
الْمُنْتَفِعُونَ بِآيَاتِهِ. وَاشْتَقَّ لَهُمُ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ.
فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الشَّكُورُ وَهُوَ يُوَصِلُ الشَّاكِرَ إِلَى
مَشْكُورِهِ بَلْ يُعِيدُ الشَّاكِرَ مَشْكُورًا. وَهُوَ غَايَةُ الرَّبِّ مِنْ
عَبْدِهِ. وَأَهْلُهُ هُمُ الْقَلِيلُ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]
وَسَمَّى
نَفْسَهُ شَاكِرًا وَشَكُورًا وَسَمَّى الشَّاكِرِينَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ.
فَأَعْطَاهُمْ مِنْ وَصْفِهِ. وَسَمَّاهُمْ بِاسْمِهِ. وَحَسْبُكَ بِهَذَا
مَحَبَّةً لِلشَّاكِرِينَ وَفَضْلًا.
وَقِلَّةُ
أَهْلِهِ فِي الْعَالَمِينَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ خَوَاصُّهُ. كَقَوْلِهِ:
{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ
قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا
شَكُورًا؟» . فمن عظمت عليه نعم الله وجب عليه أن يتلقاها بعظيم الشكر، لاسيما
أنبياءه وصفوته من خلقه الذين اختارهم , وخشيةُ العباد لله على قدر علمهم به.
«وَقَالَ
لِمُعَاذٍ وَاللَّهِ يَا مُعَاذُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ. فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ
فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ،
وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» رواه أبو داود وغيره.
وحَقِيقَة
الشكر فِي الْعُبُودِيَّةِ وَهُوَ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ
عَبْدِهِ:
ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا. وَعَلَى قَلْبِهِ:
شُهُودًا وَمَحَبَّةً. وَعَلَى جَوَارِحِهِ: انْقِيَادًا وَطَاعَةً.
أيها
المؤمنون:
وَالشُّكْرُ
مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ. وَحُبُّهُ
لَهُ.
وَاعْتِرَافُهُ
بِنِعْمَتِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا. وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا
يَكْرَهُ.
فَهَذِهِ
الْخَمْسُ: هِيَ أَسَاسُ الشُّكْرِ. وَبِنَاؤُهُ عَلَيْهَا. فَمَتَى عُدِمَ
مِنْهَا وَاحِدَةً: اخْتَلَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشُّكْرِ قَاعِدَةٌ.
وَالشُّكْرُ
مَعَهُ الْمَزِيدُ أَبَدًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فَمَتَى لَمْ تَرَ حَالَكَ فِي مَزِيدٍ.
فَاسْتَقْبِلِ الشُّكْرَ.
وَالتَّحَدُّثُ
بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ صُنِعَ
إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ
فَلْيُثْنِ. فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ. وَإِنْ كَتَمَهُ
فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ
زُورٍ» . رواه ابو داود والبخاري في الأدب المفرد .
فَذَكَرَ
أَقْسَامَ الْخَلْقِ الثَّلَاثَةَ: شَاكِرُ النِّعْمَةِ الْمُثْنِي بِهَا، وَالْجَاحِدُ
لَهَا وَالْكَاتِمُ لَهَا. وَالْمُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ
أَهْلِهَا. فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ.
وَقَوْلُهُ:
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمُ اعْمَلُوا شُكْرًا عَلَى
مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالنِّيَّةِ .
وورد
في الأثر قَالَ فَضِيلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} .
فَقَالَ دَاوُدُ عليه السلام : يَا رَبِّ، كَيْفَ أَشْكُرُكَ، وَالشُّكْرُ
نِعْمَةٌ مِنْكَ؟ قَالَ: "الْآنَ شَكَرْتَنِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ
النِّعْمَةَ مِنِّي".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله
الحمد
الخصام
والمنازعات من الشيطان ليحزن الذين آمنوا
فمتى حصَل بين مسلِمَين عَتبٌ وخصومة ، لم يجُز لأحدِهما هجرُ أخيه أكثرَ
مِن ثلاث، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: "لا يحلّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال، يلتَقيان فيُعرِض
هذا ويعرِض، وخيرُهما الذي يبدَأ بالسلام" متفق عليه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله
الحمد
أقيموا
الصلاةَ جماعة مع المسلمين في المساجد ولاحظّ في الاسلام لمن ضيعها فإنها الملّة،
وآتوا الزكاةَ فإنها الجُنّة، وحُجّوا فالحجُّ مَنقاة، واصدُقوا فالصّدق مَنجاة،
وصِلوا أرحامَكم فالصّلَة منسأةٌ ومثرَاة، ولا تقرَبوا المعاصيَ فالمعصيةُ ذلٌّ
ومَهواة.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على الصيام والقيام والعيد،
والحمد لله على ما شرع من الشرائع، وما هدانا إليه من العبادات والشعائر، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم
وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد... أما بعد:
أما
بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، فإنّ تقواه أفضلُ زادٍ وأحسن عاقبة في معادٍ،
الله
أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا .
اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان (عيد الفطر ويوم
الجمعة ) واقتضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى العيد سقطت عنه صلاة
الجمعة ويصليها ظهراً في بيته إذا دخل وقت الظهر وإن شاء صلى الجمعة مع المسلمين
فهذا أكمل وأفضل هذا في حق المأموم أما الامام فيجب عليه صلاة العيد وصلاة الجمعة
.
يا نساءَ المسلمين:
إنّ
الله رفعكنّ وشرّفكنّ، وأعلى قدرَكنّ ومكانتَكنّ، وحفظ حقوقَكنّ، فاشكرنَ النعمةَ،
واذكرن المِنّة، فما ضُرِبَ الحجاب، ولا فرِضَ الجِلباب، ولا شرِعَ النّقاب إلاّ
حمايةً لأعراضِكنّ، وصيانةً لنفوسِكنّ، وطهارةً لقلوبكنّ، وعصمةً لكنّ من دواعِي
الفتنةِ، وسُبُل التحلّلِ والانحدَارِ، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضن من
أبصاركنّ، واحفَظنَ فروجكنّ، واحذَرنَ ما يلفِت الأنظار، ويُغرِي مرضَى القلوبِ
والأشرار، واتّقين النار. وويل لمن تعمدت فتنة الرجال قال تعالى: (إن الذين فتنوا
المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم وله عذاب الحريق)"
أيّها
الآباء والأولياء: صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم، وحاذِروا التقصيرَ والتساهل،
واجتنِبوا التفريطَ والتشاغل الذي لا تؤمَن لواحِقُه وتوابعه وتواليه وعواقِبه،
بيدَ أنّ عاقبتَه بوار، وخاتمتَه خسار،
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان،
والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. اللهم أعتق رقابنا من
النار ورقاب والدينا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين من النار يا حيّ يا قيّوم، اللهم
إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من
قول وعمل، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر
علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك
شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا،
وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك
يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأكرمنا ولا
تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد،
والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك
يا أرحم الراحمين! اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ
عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر
عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ
بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم
وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد،
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في
نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا
وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا تقبل صلاتنا
وصيامنا وقيامنا ودعائنا وصالح أعمالنا، انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة لعيد الفطر المبارك تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=127 |