الثبات على الإسلام1/2
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له على الإسلام طرفة عين، فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه من مكانهما، ولقد منّ الله الكريم على أكرم خلقه عليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم بنعمة الثبات على الإسلام فقال: ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا )، وامتن أيضاً على صفوة عباده فقال سبحانه: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)، وكذلك ما مُنح العبد منحة أفضل من الثبات على الإسلام حيث يجد أهله ثمرته وهم أحوج ما يكونون إليه في دنياهم وفي قبورهم وفي معادهم. والإسلام يا عباد الله هو الدين الذي أرسل الله به الرسل من نوح إلى محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام إذْ ما من رسولٍ يرسله الله إلى قومه إلا ويدعوهم إلى الإسلام لقوله تعالى: ( إن الدين عند الإسلام )، وقوله تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، هذا هو الإسلام الذي متى ما وجد في قلب العبد وصدق مع الله في تحقيقه والعمل به على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وحرص على الثبات عليه وغذَّاه بالعلم النافع والبعد عن نواقضه ومنقصاته فلن يتزعزع بإذن الله عند الامتحان كما قال هرقل ملك الروم لأبي سفيان عندما سأله عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: هل يرتد أحدٌ منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقال أبو سفيان: لا، فقال هرقل: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
نعم؛ إن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يتزعزع صاحبه ولا يسخط دينه ولا تزل قدمه في جميع المواطن التي يُبتلى بها، فلا يتزعزع في ساحة الجهاد، وكذلك لا يتزعزع في ميدان الدعوة حيث يبقى متميّزاً عن غيره من الدعاة بالعلم ولزوم السنة والسير على ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا يميّع قضايا العقيدة، ولا يركن إلى أهل الشهوات، ولا يمد عينه إلى ما مُتّع به أهل الثراء، وكذلك من خالطت بشاشة الإيمان قلبه لا يتزعزع عند المصائب، ولا عندما ترد عليه شبهات الكفار وأهل البدع والمنافقين، ومن خالطت بشاشة الإيمان قلبه فإنه لا يُقدّم مصالحه الخاصة على أمور دينه، فهو ثابتٌ لا يتزعزع ولا يتغيّر حتى عند نزول الملائكة لقبض روحه كما هي عادة الله مع أوليائه يثبتهم عند الموت وفي القبر وعند المرور على الصراط حتى يصلوا إلى الجنة بسلام. إن الثبات على الإسلام لا يحصل لكل أحد وإنما يحصل لمنْ كَمُلَ التوحيد في قلبه وتعلق بربه واقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم وعلم حق اليقين أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومنْ تأمل سيرة أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ومنْ سار على دربهم عرف ذلك.
عباد الله اعلموا أن المولى جل وعلا شرع لنا سُبلاً من سلكها منحه الله الثبات على الإسلام وحباه بنعمة التثبيت:
أولها: فعل الأوامر وترك النواهي؛ فإن ذلك من أعظم أسباب الثبات على دين الله قال تعالى: ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَ تثبيتاً وإذاً لأتيناهم من لدنا أجرناً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً ).
وأعظم ما أمر الله به هو التوحيد وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غير الله معه، ومما يدل على أن العناية بالتوحيد والبعد عن الشرك أهم أسباب الثبات والهداية قوله تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )، الذين آمنوا: أي وحدوا الله حق توحيده، ولم يلبسوا: أي لم يخلطوا، إيمانهم: توحيدهم، بظلم: أي بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
السبب الثاني: الدعاء؛ فإن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين فينبغي له أن يكثر من سؤال الله الثبات، وكان من أكثر دعائه عليه الصلاة والسلام (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله:
ومن أسباب الثبات على الدين
قراءة سير الأنبياء والصالحين والدعاة المصلحين السابقين كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)، فقص الله على نبيه قصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وقصة يوسف، وقصة أصحاب الكهف وصاحب ياسين، وذكر وصايا لقمان لابنه، وكان عليه الصلاة والسلام يتلو على أصحابه من أخبار السابقين الصالحين والمصلحين لِمَا فيها من تأثيرٍ بالغٍ في النفوس.
وخير منْ يُقتدى بهم بعد الأنبياء: الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
روى البيهقي وغيره بأسانيد يشد بعضها بعضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجه جيشاً إلى الروم فأسروا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه، فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد، فابتلاه الملك بأنواع الابتلاءات ومنها: أنه حبسه في بيت ليس فيه طعام ولا شراب وأمر أن يوضع عنده خمرٌ ولحمُ خنزير، فمكث ثلاثة أيام لا يأكل و لا يشرب، فأرسل الملك بعض الرجال لينظروا، فقالوا للملك: قد أنثنى عنقه، فإن أخرجته وإلا مات، فأخرجه ثم قال له: ما منعك أن تأكل وتشرب؟ فقال رضي الله عنه: أما إنها ضرورة وقد حلت لي ولكن كرهت أن أُشمتك على الإسلام، فقال له: هل لك أن تتنصر؟ وأعطيك نصف ملكي، فقال له: لو أعطيتني ما تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين. قال: إذاً أقتلك، قال: أنت وذاك. فدعا بقدرٍ فصب فيها ماءاً فأوقد عليها حتى احترقت، ودعا بأسيرين من أسرى المسلمين فأمر بأحد هما فأُلقي فيها أمامه وهو ينظر كي يخيفه، ثم أعاد عليه الدعوة إلى النصرانية فأبى، ثم بكى فقال: ما أبكاك؟
فقال رضي الله عنه: إنما هي نفسٌ واحدة تلقى الساعة وتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفسٌ تلقى في النار في سبيل الله. فقال الملك: هل لك أن تُقبّل رأسي وأخلّي عنك؟
فرضي عبد الله بن حذافة رضي الله عنه بشرط أن يخلّي عن جميع أسرى المسلمين، رضي بالمهانة رضي الله عنه من أجل أسرى المسلمين، فقبِل الملك وقبَّل رأسه. وقدم عبد الله بالأسرى على عمر فأخبروه خبره، فقال عمر رضي الله عنه: حقٌ على كل مسلم أن يقبِّل رأس ابن حذافة وأنا أبدا فقبَّل رأسه.
الله أكبر؛ إنها قصة عظيمة تدل على مدى ثبات هذا الصحابي البطل واعتزازه بدينه وترفعه عن كل ما ينقضه أو يخدش فيه، وما أحوج شبابنا وكل منْ يسافر خارج هذه البلاد إلى الإقتداء بهذا الصحابي الجليل لإن الواجب علينا أن نكون قدوة خيرٍ لغيرنا وسفراء خيرٍ لديننا وبلدنا المسلم، وذلك بأن نكون صالحين مصلحين، فإن بعض منْ يسافر إلى خارج هذه البلاد لا يكون كذلك بل يسيء إلى دينه وبلده والعياذ بالله...
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ------------------------------------------------
الثبات على الإسلام2/2
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واستعدوا قبل الموت لما بعد الموت.
لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن الثبات على الإسلام وبعض الأسباب المعينة عليه.
ومن أسباب الثبات على الإسلام:
الاعتقاد الجازم بأن المستقبل للإسلام؛ قال تعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)، فيجب على المسلمين عموماً حكاماً ومحكومين أن يعتقدوا ذلك إن كانوا صادقين في انتمائهم لدينهم.
خصوصاً في هذا الزمن الذي ظهرت شوكة الكفار وقويت وسبب ذلك ضعفاً في نفوس المسلمين بل يأساً عند كثير من المسلمين مع الأسف الشديد وكأنهم يشكّون في وعد الله بإظهار هذا الدين، وهذا والعياذ بالله خلل في العقيدة. فإن من تدبر كتاب الله عرف أن من المواقف التي يظهر فيها الفرق بين المؤمنين والمنافقين، موقف الفريقين عند ظهور الكفار وضعف المسلمين. فالمنافقون يُسيؤون الظن بالله وبرسوله ويشكّون في وعد الله، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنه لن يظهر للمسلمين شوكة وأن الأعداء قد هيمنوا على العالم وأنه لا سبيل لهم إلا في إتباعهم ومجاراتهم وأن التفكير في نصرة الدين وظهور السنة تفكير رجعي. ولا شك أن هذا هو ظن المنافقين الذين ذكرهم الله في سورة آل عمران والفتح، قال تعالى: ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله )، وقال تعالى: ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بوراً ). وأما المؤمنون الكمَّل فإنهم يقولون مهما ظهر الكفار ومهما حصل منهم من مضايقة للمؤمنين وتسلط عليهم إلا أن العاقبة للمؤمنين، ونهاية المطاف للمؤمنين.
لأنهم يؤمنون بقول الله تعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر ).
ويؤمنون ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن المؤمنين يفتحون بيت المقدس حتى أن الشجر والحجر ينطقان: ( يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ).
ومن أسباب الثبات على الإسلام:
الحب في الله والبغض في الله؛ روى أبو داود عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )، ومن المعلوم أن الرجل على دين خليله وصاحبه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم منْ يخالل)، ومن أجل ذلك أوصى العالم ذلك الرجل الذي قتل مائة نفس عندما جاءه يستفتيه في أمر التوبة فقال: ( إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال العالم: ومنْ يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنك بأرض سوء اذهب إلى أرض يطاع الله فيها )، لعلمه أن التائب لا يثبت على توبته إلا في أرض الطاعة مع أهل الطاعة.
نسأل الله الثبات على الإيمان والسلامة من كيد الشيطان، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:- عباد الله :
ومن أسباب الثبات على الإسلام:
كراهية الكفر والعودة إليه؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد لا يذوق حلاوة الإيمان إلا بذلك فقال: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان .... وذكر منها: وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف النار )، وهذا الشعور لا يوجد إلا عند من كمل الإيمان في قلبه وتعلق بربه واعتز بدينه، ويستحيل أن يوجد عند منْ يمجّد الكفار ويمدحهم، ويستصغر المسلمين عندهم، وإن صلى مع المسلمين وصام معهم.
ومن أسباب الثبات على الإسلام:
كثرة ذكر الله ؛ وحسبكم بذلك إخبار مقلب القلوب وعلام الغيوب: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر تطمئن القلوب )، وإذا اطمئن القلب ثبتت الأقدام ولم تعرف التردد والإحجام ولذلك أمرنا الله عز وجل بذكره عند الالتقاء بالأعداء فقال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون )، وفي هذا بيان أن ذكر الله عند ملاقاة العدو يطهر القلب ويذهب رجز الشيطان ويثبت الأقدام.
ومن أسباب الثبات على الإسلام:
نصرة دين الله؛ الجهاد في سبيل الله ، الدعوة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحكم بما أنزل الله، تطبيق الحدود الشرعية، قال الله عز وجل: ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، وقال تعالى: ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ).
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ألف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
|