كثرة الخبث
الحمد لله الذي خلق فسوى, وقدر فهدى, وأنعم بنعم لا تعد ولا تحصى, يعلم السر وأخفى, له الأسماء الحسنى, والصفات العلا, أحمده حمداً كثيراً, وأشكره شكراً جزيلاً, والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد, خير من عبد وشكر, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه و من اهتدى بهديه إلى يوم الدين, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, وراقبوه في سركم وعلنكم, وسرائكم وضرائكم, وأشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة, فإنه وعد الشاكرين المزيد, وتوعد المعرضين بأشد الوعيد.
أيها الناس: جاء مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه عندما سئل عن الهلاك العام, أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:" نعم, إ ذا كثر الخبث" متفق عليه.
والخبث كثير وكثير, والشر مستطير.
أيها المسلمون: يُنقلُ لنا أخبارُ مؤلمة, ومشاهد خطيرة, ومناظر محرمة, وشبهات وشهوات, ودعوات وضلالات, تعرض على أهل الإسلام في ليلهم ونهارهم, وصباحهم ومسائهم, فمستقل ومستكثـر من هذا الخبث والخبائث.
فإنا لله وإنا إليه راجعون, غُزي المسلمون في عقر دارهم, ومن دون سلاح, وهزموا من غير كفاح, يرجمون بشهب الضلالات, ويمطرون بوابل السيئات, وهم مع ذلك ساهون سادرون سامدون شبابهم, إلا من عصم الله ساهرون على هذه المنكرات, وشيوخهم عاجزون عن دفع المعضلات, لا حول لهم ولاقوة إلا بالله رب العالمين, وأهل الشر يتفننون ويتنافسون في الغوايات من خلال عرض أجساد البغايا والمومسات, وإثارة الغرائز والشهوات, فيا له من خبث عم وطم وأعمى وأصم حول أهل الديانات إلى دياثات, يدخل فيرى ما يندى له الجبين من الضم والقبلات أمام بناته وزوجته وأهله, وكأنهم مجتمعون على محكم الآيات, فلربما شاركهم في رؤية هذه المناظر المشينة والأفعال اللعينة.
أيها الناس: تداركوا أنفسكم وذويكم قبل أن تندموا فلا ينفع حينئذ الندم وأفيقوا من هذه الغفلة, وعلى ولاة أمركم وعلمائكم وتجاركم وأهل الحل والعقد فيكم, وعلى عامتكم وخاصتكم, أن تهبوا في وجه هذا الغزو الاستعماري اليهودي الصليبي, وسائر ملل الكفر والإلحاد, وأن تشيدوا الحصون الحصينة في وجه هؤلاء الغزاة, وأن تتسلحوا بسلاح العلم والإيمان واليقين بوعد الله القائل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7}} محمد.
وأن تقوموا بدينكم خير قيام, وأن تحفظوا رعاياكم الذين جعلهم الله أمانة في أعناقكم, وأن تقابلوا هذا الغزو الاستعماري الفكري بنشر دين الحق, دين الإسلام, وأن تغزوهم في عقر دارهم من خلال نشر الإسلام والدعوة إليه, والذب عنه ونفي الشبه التي تثار ضده وضد أهله, وان تتمثــلوا به ظاهراً وباطناً, وأن تدعوا الناس بأفعالكم قبل أقوالكم, وأن تصدقوا الله في دعوتكم ودعائكم, وأن تتقوا الله في أنفسكم وفي المسلمين.
عباد الله: إن الحدث أليم, والخطب جسيم, أن نغزى في عقر دارنا ولا نفعل شيئاً.
أهل الإسلام: إن أسلافكم نشروا الإسلام وهم على ظهور الخيل والإبل والحمير, ونشروه مع قلة عددهم وعدتهم, أما أنتم اليوم فتملكون من الوسائل ما تهزمون به أعداءكم لو صدقتم الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {217}} البقرة.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة سيد المرسلين, وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية لم ترد
|