خوارج هذا الزمان
الحمد لله خالق الأرض والسموات ، المنزه عن العيب والآفات ، المطلع على الظواهر والمكنونات ، له الأسماء الحسنى وجميل الصفات.
أحمده من إله ، تكفل بالمزيد لمن شكره ، وبالمغفرة لمن تاب له واستغفره ، } وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ( وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أنزل عليه الكتاب وفيه آيات بينات صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، واتبع أثره وسلم تسليما كثيراً. أما بعد ، عباد الله:
اتقوا الله U بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهاكم عنه ، فقد أمركم بذلك ربكم فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( وقال U في وصيته لكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ( فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الأخوة المؤمنون:
لقد وعدنا بالحديث عن ذكر صفات الخوارج ، وكيف نعرفهم لنحذرهم ، ونحذّر أبنائنا من الوقوع في منهجهم الباطل ، لأن منهج الخوارج ، وفكرهم المنحرف ، باق إلى يوم القيامة ، وسوف يجد من يحمله ، ويعمل به حتى يخرج المسيح الدجال ، فبخروج المسيح الدجال ، تكون نهاية الخوارج وفكرهم ، ففي الحديث المرفوع إلى النبي r عن أبي برزة الأسلمي يقول r : (( لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال )).
ففكر الخوارج ، ومنهجهم الباطل ، باق وموجود إلى خروج المسيح الدجال ، وخروج المسيح الدجال علامة من علامات يوم القيامة ، لذا ـ أيها الأخوة ـ وجب الحذر والتحذير من فكر الخوارج ، ومن منهجهم ، ومن أشخاصهم ، ووجب أيضا توضيح صفاتهم للحذر منهم والتحذير عنهم.
أيها الأخوة المؤمنون:
إن قضية الخوارج ليست قضية أشخاص معينين ، تنتهي بسجنهم أو قتلهم ، إنما هي قضية فكر ومنهج ، قضية منهج فاسد بني على فكر منحرف ، يتوارثونه ويتعلمونه ويتلقونه من زعمائهم ، ممن يسمونهم بالمشايخ المجاهدين ، والمفكرين الإسلاميين ، ورجال الميدان ، والمربين الناصحين ، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.
نعم ـ أيها الأخوة ـ وجود هذا الفكر وذلك المنهج بوجود هؤلاء ، والذي من أبرز صفاتهم : التقية والتستر وعدم الظهور، وهذا الأمر معروف عن الخوارج ، فقد كان مديروا الفتنة في زمن عثمان إذا حضروا عند الأمير أظهروا التوبة والندم والإقلاع وإذا خلى بعضهم إلى بعض قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ، وقد قال سعيد بن العاص لعثمان رضي الله عنه ؛ يا عثمان ! إن هذا أمر مصنوع يلقى في السر فيتحدث به الناس . فتنظيمهم حزبي سري سياسي ، لا يرتقي فيه إلا ذو الوجهين فيظهرون الولاء للأمراء والمحبة للعلماء تقية لكن كلامهم في المجالس الخاصة بهم ، يخالف ما يظهرون ومن تاب منهم يشهد عليهم بذلك.
فهم ـ أيها الأخوة ـ لا يعلنون فكرهم ولا يبينون منهجهم ، إلا في مجالسهم الخاصة ، وفي ملتقياتهم السرية ، وعند ممن هم على شاكلتهم ، وخاصة الذين ذكر النبي r صفاتهم: (( حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ))، الذين يستغلون حداثة سنهم ، وسفاهة عقولهم ، لعمل ما يريدون ، وتنفيذ ما يخططون له ، فعند هؤلاء المساكين الصغار، أولائك هم العلماء ، وهم القادة المربون ، وهم المجاهدون ، وهم المجددون:
ألقاب مملكة في غير موضعها **** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
صنعوا منهم أبطالا ، وخلعوا عليهم ألقابا ، ليخدعوا بهم المغفلين ، ويفتنوا بأقوالهم الجاهلين ، ويصدوا بهم الناس عن الدين الصحيح ، والمنهج السليم.
فمن صفات خوارج هذا الزمان :
أن لهم علماء خاصين ، أما العلماء المعروفون المعتبرون ، كهيئة كبار العلماء ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، فهم لاعتبار لهم ، ولا قيمة لفتاواهم ، بل يتهمونهم بعدم فقههم للواقع ، وأنهم لم يفتحوا صدورهم للشباب ، ولم ينزلوا للساحة ، وأنهم علماء سلطان ، وأنهم لا ينطقون بالحق ، وغير ذلك مما يقوله الأفاكون ، يتجرءون على فضلاء علماء وذلك من صفاتهم ، بل تجرءوا على من هو خير منهم ، تجرءوا على النبي r ، قالوا له أعدل ، وقالوا له اتق الله . فعندهم جرأة على من خالفهم ولو كان من أهل الفضل والعلم ،بل ولو كان من أصحاب رسول الله r ، فقد خرّج الإمام أحمد في مسنده من طريق سعيد بن جُمْهان ، قال كنا مع عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يُقاتل الخوارج ، وقد لحق غلام لابن أبي أوفى بالخوارج ، فناديناه : يا فيروز ، هذا ابن أبي أوفى . قال الغلام الخارجي : نعم الرجل ـ يعني الصحابي ابن أبي أوفى رضي الله عنه ـ لو هاجر ! ـ يعني إلى الخوارج ـ قال ابن أبي أوفى : ما يقول عدو الله ؟ فقيل له : يقول نعم الرجل لو هاجر . فقال : هجرة بعد هجرتي مع رسول الله r ، سمعت رسول الله r يقول: (( طوبى لمن قتلهم وقتلوه )). حديث حسن . فلا تعجبوا من جرأتهم الآن على مشايخنا وعلمائنا ، فإنهم لا يرضون عن أحد حتى ينزع البيعة ويهاجر إليهم وينضم إلى حزبهم ولو كان صاحب رسول الله r.
أيها الأخوة المؤمنون:
ومن صفاتهم :
إخفاء محاسن ولاة الأمر وكتمانها ، وهذه العلامة من ابرز العلامات التي يستطيع الإنسان أن يميز بها بين دعاة الضلال ودعاة الهدى ، فدعاة الضلال ، أهل الفتنة لا ينسبون إلى ولاة الأمر شيئا من الخير ، يجحدون كل خير يفعله ولاة الأمر ؛ من إقامة الصلوات وحماية الثغور والقيام على خدمة الحرمين وحجاج بيت الله الحرام والسعي في استباب الأمن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم الشريعة والإنفاق على الدعوة والدعاة ونصرة الإسلام وأهله ، إلى غير ذلك من الأمور المحمودة . وهم في ذلك قد خالفوا قول النبي e : (( من لا يشكر الناس لا يشكر الله U))
ومن أهدافهم في كتم محاسن ولاة أمرهم لأن لا يكون في نفوس الناس محبة لهم ، ومن ثم لا يكون الاجتماع ولا الالتفاف حولهم .
فهذه علامة من أبرز علاماتهم ، فإذا رأيت أو سمعت أخي المسلم متحدثا يخفي محاسن ولاة الأمر وينشر معايبهم ويتصيد أخطاءهم فأقسم عليه ولست بحانث إنه من دعاة الضلال والفتنة .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، ويفقهنا في الدين ويجعلنا من عباده الصالحين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً
أيها الأخوة المؤمنون:
ومن صفاتهم أيضا :
تبني مآسي وجراحات المسلمين وإظهار المناصرة لهم ليوهموا الناس بأنهم القائمون على ذلك ، ثم يصدرون البيانات والتوقيعات الجماعية في النقير والقطمير والصغير والكبير قد جعلوا أنفسهم أوصياء على أمة محمد e وما علموا أنهم قد خالفوا في ذلك سنة نبينا بافتياتهم على ولاة أمرنا وعلمائنا الكبار بان هذه القضايا الكبرى لا يقدر على معرفة خفاياها وحقائقها وعلاجها إلا أولو الأمر: ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً [ وهؤلاء إنما يتبنون جراحات المسلمين ويظهرون مناصرتهم ليجمعوا الناس حولهم وليتشبعوا بما لم يعطوا ، ويهمشوا في الوقت ذاته نصرة ولاة الأمر لقضايا المسلمين بل قد يزعمون خلاف ذلك ليشعروا الجهال بأن ولاة الأمر قد خذلوا قضايا الأمة ولم ينصروا إخواننا المسلمين ويصل الأمر بهم إلى اتهام حكامنا بموالاة الكفار ومناصرتهم على إخواننا المستضعفين وهذا من الكذب الذي سيسألهم الله عنه يوم القيامة.
أيها الأخوة المؤمنون:
ومن صفاتهم :
ليُّ أعناق النصوص لتوافق أهواء القوم وهم يعتقدون أولا ثم يستدلون ، وعلى سبيل المثال : يربون الشاب التابع لهم على أن ولاة الأمر موالون للكفار طواغيت قد غيروا دين الله ! وبعد أن يتشرب بهذا الفكر التكفيري الخارجي تراه يبحث عن أي دليل يسعفه ويلبس به ، فإذا أتيتهم بأحاديث رسول الله e بوجوب السمع والطاعة للأمراء وأن الجهاد يكون خلفهم وبإذنهم وأنه يحرم التحريض عليهم والسعي في شق العصا عند ذلك ترى التفلت والتملص المخزي من هذه النصوص وتأويلها أو يقرون بها ويقولون : هي للخلفاء الراشدين الأربعة أو للقرشي أو لمن لا معصية عنده . بل قد يتجرءون ويقولون هي للحاكم المسلم وليست لولاة أمرنا وفي هذا الكلام ما فيه.
أيها الأخوة المؤمنون:
هذه أبرز صفاتهم : أهل تقية وخفاء وخاصة مشايخهم، لا يعترفون بالعلماء المعروفين ، كهيئة كبار العلماء ، ولجنة الإفتاء ، يخفون محاسن ولاة الأمر ويظهرون معايبهم ، ويتصيدون أخطاءهم ، يتبنون مآسي وجراحات المسلمين وكأنهم أوصياء على أمة محمد e وأخيرا يلوون أعناق النصوص لتوافق أهواءهم.
اسأل الله أن يكفينا شرورهم ، وأن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل: ] إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين .اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين،اللهم إنا نسألك حفظ أعراضنا ، وحفظ أموالنا ، وحفظ دمائنا ، اللهم من أرادنا بسوء اللهم أشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يا رب العالمين. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله:
)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|