اَلْحُكْمُ اَلْدَّاْرِج فِيْ قَتْلِ اَلْخَوَاْرِج
}الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { ، } لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، لَهُ } اَلْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ {.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، أَمَرَ بِطَاْعَتِهِ، وَاَتِّبَاْعِ سُنَّتِهِ، } وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ: } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِنَّ وُجُوْدَ اَلْخَوَاْرِجِ ، فِيْ مُجْتَمَعَاْتِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، يُشَكِّلُ خَطَرَاً عَظِيْمَاً ، وَفَسَاْدَاً كَبِيْرَاً ، وَضَرَرَاً خَطِيْرَاً ، فَهُمْ كَاَلْسَّرَطَاْنِ فِيْ اَلْجَسَدِ ، إِنْ لَمْ يُسْتَأْصَلْ وَيُتَخَلَّصْ مِنْهُ ، انْتَشَرَ ضَرَرُهُ ، وَاَمْتَدَ خَطَرُهُ إِلَىْ اَلْجَسَدِ كُلِّهِ ، وَوَاللهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ وُجُوْدَ اَلْسَّرَطَاْنِ فِيْ اَلْجَسَدِ ، أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ وَأَقَلُّ ضَرَرَاً ، مِنْ وُجُوْدِ اَلْخَوَاْرِجِ فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ اَلْمُسْلِمِ ، لِأَنَّ سَرَطَاْنَ اَلْجَسَدِ ، قَدْ يَنْتَهِيْ بِاَسْتِأْصَاْلِهِ ، وَيَسْلَمُ اَلْجَسَدُ مِنْ خَطَرِهِ وَضَرَرِهِ ، وَلَكِنَّ اَلْخَوَاْرِجُ ، لِاَنْتِهَاْءَ لَهُمْ إِلَىْ يَوْمِ اَلْقِيَاْمَةِ ، يَقُوْلُ e عَنْهُمْ ، فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْنَّسَاْئِيُ : (( لَايَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )) وَفِيْ حَدِيْثٍ حَسَّنَهُ اَلْأَلْبَاْنِيُ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ يَقُوْلُ e : (( كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ، حَتَّى يَخْرُجَ فِي أَعْرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ )) فَاَلْنَّبِيُ e ، أَخْبَرُ بِوُجُوْدِهِمْ حَتَّىْ خُرُوْجِ اَلْمَسِيْحِ اَلْدَّجَاْلِ ، اَلَّذِيْ خُرُوْجُهُ عَلَاْمَةً مِنْ عَلَاْمَاْتِ قِيَاْمِ اَلْسَّاْعَةِ ، وَلَكِنَّهُ e بَشَّرَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوْا كَمَاْ يَتَصَوَّرُوْنَ ، أَنَّ اَلْأُمُوْرَ تَؤُوْلُ إِلَيْهِمْ ، بِاَنْتِشَاْرِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ ، وَأَعْمَاْلِهِمْ اَلْإِجْرَاْمِيَّةِ فِيْ مُجْتَمَعَاْتِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، فَكُلَّمَاْ خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ ، وَهَذِهِ بُشْرَىْ لِأَهْلِ سُنَّتِهِ e .
فَجُوْدُ اَلْخَوَاْرِجِ ، كَوُجُوْدِ اَلْسَّرَطَاْنِ فِيْ اَلْجَسَدِ ، إِنْ لَمْ يُبَاْشَرْ بِاِسْتِئْصَاْلِهِ ، وَيُبَاْدَرْ بِكِفَاْحِهِ ، قَضَىْ عَلَىْ اَلْجَسَدِ كُلِّهِ ، كَيْفَ لَاْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ وَهُمْ يُكَفِّرُوْنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَيَسْتَبِيْحُوْنَ دِمَاْءَهُمْ وَأَمْوَاْلَهُمْ ، وَيَخْرُجُوْنَ بِاَلْسِّلَاْحِ عَلَىْ وُلَاْةِ أَمْرِهِمْ ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اَلْجِهَاْدِ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ ، وَمِنْ اَلْأَمْرِ بِاَلْمَعْرُوْفِ وَاَلْنَّهِيِ عَنْ اَلْمُنْكَرِ ، وَاَلْغَيِرَةِ عَلَىْ اَلْمَحَاْرِمِ ، وَنُصْرَةِ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ اَلْنَّبِيُ e بِأَنَّهُمْ شَرُّ اَلْخَلْقِ وَاَلْخَلِيْقَةِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ عَنْهُمُ اَلْنَّبِيُ e : (( يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ , هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ )) ، اَلْخَلْقُ : اَلْنَّاْسُ ، وَاَلْخَلِيْقَةُ : اَلْبَهَاْئِمُ . أَيْ هُمُ شَرُّ جَمِيْعِ اَلْخَلَاْئِقِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَمِمَّاْ يَدُلُ عَلَىْ خَطَرِ اَلْخَوَاْرِجِ : حَثُّ اَلْنَّبِيِ e عَلَىْ قِتَاْلِهِمْ وَقَتْلِهِمْ، بَلْ جَعْلُه e طُوْبَىْ لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوْهُ ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ )) ، وَيَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ )) أَيْ اَسْتَأْصُلُهُمْ وَلَاْ أُبْقِيْ مِنْهُمْ أَحَدَاً ، وَفِيْ ذَلِكَ حَثٌّ عَلَىْ قِتَاْلِهِمْ كَفَّاً لِشَرِّهِمْ ، وَيَقُوْلَ أَيْضَاً فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ آخَرَ : (( يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فَوَلِيُ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِيْنَ عِنْدَمَاْ يُقَاْتِلُ اَلْخَوَاْرِجَ ، وَيَقْطَعُ قَرْنَهُمْ ، وَيَمْنَعُ اِنْتِشَاْرَ فِكْرِهِمْ ، لَهُ أَجْرٌ عَظِيْمٌ ، بِشَهَاْدَةِ اَلْنَّبِيْ e ، بَلْ حَتَّىْ اَلْجَيْشِ اَلَّذِيْ يُقَاْتِلَهُمْ لَهُ مِنَ اَلْأَجْرِ مِاَلَاْ يَعْلَمُهُ إِلَّاْ اَللهُ U ، فَفِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ ، يَقُوْلُ عَلِيُ بِنُ أَبِيْ طَاْلِبٍ t : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ , لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ , وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ , وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ , يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ , يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ , لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قَضَى اللَّهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ e لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ )) أَيْ اِكْتَفَوْا بِعَمَلِهِمْ ذَلِكَ لِدُخُوْلِ اَلْجَنَّةِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
لَقَدْ أَدْرَكَ سَلَفُنَاْ اَلْصَّاْلِح ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَىْ نَهْجِهِمْ ، خَطَرَ اَلْخَوَاْرِجِ وَأَجْرَ قَتْلِهِمْ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَلِيُ بِنُ أَبِيْ طَاْلِبٍ t عَدَدَاً كَبِيْرَاً فِيْ اَلْنَّهْرَوَاْنِ ، وَسَجَدَ t وَمَنْ مَعَهُ سَجَدَةً طَوُيْلَةً شُكْرَاً للهِ U أَنْ وَفَّقَهُمْ لِهَذِاْ اَلْخَيْرِ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاْءِ اَلْخَوَاْرِجِ . وَكَاْنَ عَبْدُاللهِ بِنُ عُمَرَ يَرَىْ أَنَّ قِتَاْلَ اَلْخَوَاْرِج حَقَّاً وَاْجِبَاً عَلَىْ اَلْمُسْلِمِيْنَ . وَلِذَلِكَ أَرَاْدَ t أَنْ يُقَاْتِلَ أَحَدَهُمْ حِيْنَ أَتَىْ اَلْمَدِيْنَةَ يُغِيْرُ عَلَىْ ذَرَاْرِيْهِمْ ، فَقِيْلَ لَهُ : إِنَّ اَلْنَّاْسَ لَاْ يُبَاْيُعُوْنَكَ عَلَىْ هَذَاْ ، فَتَرَكَهُ . وَقَاْلَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ : مَاْ آسَىْ مِنَ اَلْدُّنْيَاْ إِلَّاْ عَلَىْ ثَلَاْثٍ : ظَمَأِ اَلْهَوَاْجِرِ ، وَمُكَاْبَدَةِ اَلْلِّيْلِ ، وَأَلَّاْ أَكُوْنُ قَاْتَلْتُ هَذِهِ اَلْفِئَةِ اَلْبَاْغِيَةِ اَلَّتِيْ حَلَّتْ بِنَاْ . وَيَقُوْلُ اَلْأَزْرَقُ بِنُ قَيْسٍ: كُنَّاْ بِاَلْأَهْوَاْزِ نُقَاْتِلُ اَلْخَوَاْرِجَ وَفِيْنَاْ أَبُوْ بُرْزَةَ اَلْأَسْلَمِيُ t . وَكَذَلِكَ قَاْتَلَهُمْ مُعَاْوِيَةُ بِنُ أَبِيْ سُفْيَاْنَ وَاَلْمُغِيْرَةُ بِنُ شُعْبَةَ .
فَسَلَفُنَاْ اَلْصَّاْلِحُ ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَىْ نَهْجِهِمْ ، أَدْرَكُوْا خَطَرَ اَلْخَوَاْرِجِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَاْتَلَهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُمْ ، يَقُوْلُ سَمَاْحَةُ اَلْشَّيْخُ بِنُ بَاْزٍ رَحِمَهُ اَللهُ : اَلْجُمْهُوْرُ عَلَىْ أَنَّهُمْ عُصَاْةٌ مَبْتَدِعَةٌ ضَاْلُوْنَ ، وَلَكِنْ لَاْ يُكَفِّرُوْنَهُمْ ، وَاَلْصَّوَاْبُ أَنَّهُمْ كُفَّاْرٌ بِهَذَاْ قَوْلُهُ : (( يَمْرُقُوْنَ مِنَ اَلْإِسْلَاْمِ ثُمَّ لَاْ يَعُوْدُوْنَ إِلَيْهِ)) دَلِيْلٌ عَلَىْ أَنَّهُمْ كُفَّاْرٌ ، (( وَلَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَاْدٍ )) عَاْدٌ كُفَّاْرٌ، وَاَلْصَّحِيْحُ وَاَلْظَّاْهِرُ مِنْ اَلْأَدِلَّةِ أَنَّهُمْ بِهَذَاْ اَلْتَّنَطُّعِ وَبِتَكْفِيْرِهِمْ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَتَخْلِيْدِهِمْ فِيْ اَلْنَّاْرِ أَنَّهُمْ كُفَّاْرٌ بِهَذَاْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوُنَ اَلْعَاْصِيَ كَاْفِرٌ وَمُخَلَّدٌ فِيْ اَلْنَّاْرِ ، فَهَذَاْ ضَلَاْلٌ بَعِيْدٌ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ ، وَخُرُوْجَاً عَنْ دَاْئِرَةِ اَلْإِسْلَاْمِ .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَحْذَرْ هَذِهِ اَلْفِئَةِ اَلْضَّاْلَةِ اَلْمُجْرِمَةِ ، نَسْأَلُ اَللهَ أَنْ يَكْفِيْنَاْ شُرُوْرَهُمْ ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِيْ نُحُوْرِهِمْ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مَجِيْبٌ . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّهُ لَمِنْ فَضْلِ اَللهِ U عَلَيْنَاْ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، بَلْ وَعَلَىْ كَاْفَةِ اَلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ بُلْدَاْنِهِمْ ، تَوْفِيْقُهُ لِوُلَاْةِ أَمْرِنَاْ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، إِلَىْ مُقَاْتَلَةِ اَلْخَوَاْرِجِ ، وَإِقَاْمَةِ شَرْعِ اَللهِ U فَيْهِمْ ، مِنْ نُصْحٍ وَوَعْضٍ وَسَجْنٍ وَقَتْلٍ وَتَعْزِيْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهَذَاْ مَاْ يَؤمَلُهُ كُلُّ عَاْقِلٍ يُهِمُّهُ اَلْعَدْلُ، وَاَسْتِقْرَاْرُ اَلْأَمْنِ، وَاَنْتِشَاْرُ اَلْطَّمَأْنِيْنَةِ ، وَكَمَاْ قَاْلَ U: } وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { وَكَمَاْ قَاْلَ عُثْمَاْنُ بِنُ عَفَّاْن t: إِنَّ اَللَّهَ لَيَزَعُ بِاَلْسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ- أَيْ لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ مَا لَا يَمْتَنِعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ .
فَفِيْ قَتْلِ هَؤُلَاْءِ اَلْخَوَاْرِجِ، اَلَّذَيْنَ يُكَفِّرُوْنَنَاْ، وَيَسْتَحِلُّوْنَ دِمَاْءنَاْ، وَيُفَجِّرُوْنَ فِيْ مَسَاْجِدِنَاْ ، وَيَقْنِصُوْنَ رِجَاْلَ أَمْنِنَاْ ، فَفِيْ قَتْلِهِمْ ، وَإِقَاْمَةِ شَرْعِ اَللهِ فَيْهِمْ ، خَيْرٌ لِلْبِلَاْدِ وَاَلْعِبَاْدِ، وَقَدْ رُوِيَ فِيْ اَلْأَثَرِ : لَإِقَامَةُ حَدٍّ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُمْطَرَوا أَرْبَعِينَ يَوْمًا .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَهَذَاْ اَلْفَضْلُ اَلْعَظِيْمُ ، اَلْمُتَمَثِّلُ بِإِقَاْمَةِ شَرْعِ اللهِ U ، وَتَنْفِيْذِ حُدُوْدِهِ، مِثْلَمَاْ سَرَّ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَأَثْلَجَ صُدُوْرَ اَلْمُتَّقِيْنَ ، أَقَضُّ مَضَاْجِعَ اَلْمُغْرِضِيْنَ، وَأَرَّقَ اَلْحَاْقِدِيْنَ وَاَلْمُفْسِدِيْنَ، وَعَلَىْ رَأْسِهِمْ دَوْلَةُ فَاْرِسَ ، إِيْرَاْنَ ، وَسُفَهَاْءُ اَلْرَّاْفِضَةَ فِيْ كُلِّ مَكَاْنَ ، حَيْثُ ثَاْرَتْ ثَاْئِرَتُهُمْ لِقَتْلِ خَاْرِجِيٍ ، نُفَّذَ بِهِ شَرْعُ اَللهِ U ، وَلَكِنَّهُمْ تَنَاْسُوْا مِئَاْتَ اَلْلَآفِ فِيْ سُوْرِيَّاْ ، اَلَّذِيْنَ يُقَاْتِلُوْنَهُمْ لِلْحِفَاْظِ عَلَىْ اَلْنِّظَاْمِ، وَيُلْقُوْنَ عَلَيْهِمْ اَلْبَرَاْمِيْلَ اَلْمُتَفَجِّرَةَ مِنْ أَجْلِ بِشَّاْرَ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُهُمْ لِلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ اَلْعِرَاْقِ وَاَلْيَمَنِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدُلُ عَلَىْ سَذَاْجَةِ عُقُوْلِهِمْ ، وَخُبْثِ مَقَاْصِدِهِمْ ، وَلَكِنْ كَمَاْ قَاْلَ U : } وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ { .
أَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَحْفَظَ لَنَاْ وُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ غُصَّةً فِيْ نُحُوْرِ اَلْمُفْسِدِيْنَ ، وَأَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ كَلِمَةَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَنْ يَنْصُرَ بِهِمْ اَلْدِّيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ ، أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ ، أَوْ أَرَاْدَ وُحْدَتَنَاْ بِسُوْءٍ ، فَاَلْلَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ ، يَاَقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز .
اَلْلَّهُمَّ اِهْزِمَ اَلْحُوْثِيِّنَ اَلْمُعْتَدِيْنَ ، اَذْنَاْبِ اَعْدَاْءِ دِيْنَكَ وَحَبِيْبَكَ وَصْحَبِهِ اَلْكِرَاْمِ ، اَلْلَّهُمَّ اِهْزِمْهُمْ وَ شَتِّتْ جَمْعَهُمْ ، اَلْلَّهُمَّ اَعْمِيْ اَعْيُنَهُمْ عَنْ جُنُوْدِنَاْ وَحُدُوْدِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ اَبْعَدْ أَقْدَاْمَهُمْ اَلْدَّنِسَةَ عَنْ وُطْئِ اَرْضِ اَلْحَرَمَيْنَ اِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْن ، اَلْلَّهُمَّ مَكِّنْ جُنُوْدَنَاْ مِنْهُمْ وَأَهْزِمْهُمْ وَ أَقْذِفِ اَلْرُّعْبَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ اَلْلَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ اَلْلَّهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُمْ اَلْلَّهُمَّ خَاْلِفْ بَيْنَ آرَاْئِهِمْ اَلْلَّهُمَّ اَجْعَلْ بَأْسَهَمْ بَيْنَهُمْ اَلْلَّهُمَّ أَرِنَاْ بِهِمْ عَجَاْئِبَ قُدْرَتِكْ يَاْ قَوُيَ يَاْ عَزِيْز . اَلْلَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ اَلْمَهْمُوْمِيْنَ مِنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَنَفِّسْ كُرَبَ اَلْمَكْرُوْبِيْنَ مِنْ عِبَاْدِكَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِفَرَجِ اَلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ سُوْرِيَّاْ ، اَلْلَّهُمَّ إِنَّ مَضَاْيَاْ وَأَهْلَهَاْ قَدْ أَصَاْبَهُمْ اَلْبَلَاْءُ وَاَلْضَّرُ , اَلْلَّهُمَّ اَرْفَعْ عَنْهُمُ بَلَاْءَهُمْ وَاَكْشِفْ عَنْهُمْ ضُرَّهُمْ , اَلْلَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاْعٌ فَأَطْعِمْهُمْ , وَحُفَاْةٌ فَاَحْمِلْهُمْ , وَعُرَاْةٌ فَاَكْسِهِمْ , وَمَظْلُوْمُوْنَ فَاَنْتَصِرْ لَهُمْ , اَلْلَّهُمَّ أَنْزَلْ عُقُوْبَتَكَ عَلَىْ مِنْ حَاْصَرَهُمْ ، يَاْ قَوُيَّ يَاْ عَزِيْزَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|