اَلْخُبَثَاْءُ وَفِتْنَةُ اَلْنِّسَاْءِ
اَلْحَمَدُ لِلهِ اَلْعَزِيْزِ اَلْغَفُوْرِ، } يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {، } إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ، وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ، وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ { . أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ ، } لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { ، } لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ {. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ {. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْبَعْثِ وَاَلْنُّشُوْرِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ: } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
تَكَلَّمْنَاْ فِيْ اَلْجُمُعَةِ اَلْمَاْضِيَةِ، عَنْ تَكْرِيْمِ اَلْإِسْلَاْمِ لِلْمَرْأَةِ، وَأَشَرْنَاْ إِلَىْ خَطَرِ مَنْ يُرِيْدُوْنَ إِبْعَاْدَهَاْ عَنْ دِيْنِهَاْ ، وَجَعْلَهَاْ فِيْ مُتَنَاْوَلِ أَيْدِيْهِمُ اَلْقَذِرَةِ، وَأَمَاْمَ أَعْيُنِهِمْ اَلْخَاْئِنَةِ ، بِدَعْوَىْ إِعْطَاْئِهَاْ حُقُوْقِهَاْ ، وَتَحْرِيْرِهَاْ وَرَفْعِ اَلْظُّلْمِ عَنْهَاْ، وَلَاْ شَكَّ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ اَلْمَرْأَةَ لَمْ تَجِدْ اِهْتِمَاْمَاً وَلَاْ عِنَاْيَةً، بَلْ وَلَاْ مَكَاْنَةً وَلَاْكَرَاْمَةً، إِلَّاْ بِاَلْإِسْلَاْمِ ، وَاَلْحَقُّ مَاْ شَهِدَ بِهِ اَلْأَعْدَاْءُ : تَقُوْلُ إِحْدَاْهُنَّ، وَقَدْ ذَاْقَتْ وَيْلَاْتِ اَلْحُرِّيَةِ اَلْمَزْعُوْمَةِ تَقُوْلُ : اِمْنَعُوْا اَلْاِخْتِلَاْطَ ، وَقَيِّدُوْا حُرِّيَةَ اَلْفَتَاْةِ ، بَلْ اُرْجِعُوْا إِلَىْ عَصْرِ اَلْحِجَاْبِ ، فَهَذَاْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِبَاْحَيَّةِ وَاَنْطِلَاْقِ وَمُجُوْنِ أُوْرُبَاْ ، وَأَمْرِيْكَاْ .
وَتَقُوْلُ أُخْرَىْ وَهِيَ تُخَاْطِبُ بَنَاْتِ اَلْإِسْلَاْمِ : لَاْ تَأْخُذَنَّ مِنَ اَلْعَاْئِلَةِ اَلْأُوْرُبِيَّةِ مِثَاْلَاً لَكُنَّ، لِأَنَّ عَاْئِلَاْتَهَاْ هِيَ أُنْمُوْذَجٌ رَدِيْءٍ ، لَاْ يَصْلُحُ مِثَاْلَاً يُحْتَذَىْ .
فَاَلْإِسْلَاْمُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ هُوَ صَمَّاْمُ اَلْأَمَاْنِ، وَهُوَ أَيْقُوْنَةُ اَلْضَّمَاْنِ بِإِذْنِ اَللهِ تَعَاْلَىْ ، لِشُرُوْرٍ عَظِيْمَةٍ، وَمَفَاْسِدَ كَثِيْرَةٍ، يَقَعُ فِيْهَاْ، وَيَتَوَرَّطُ بِهَاْ ، مَنْ تَأَثَّرَ بِغَيْرهِ وَكَمَاْ قَاْلَ U: } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {، أَيْ مِنَ اَلْمَغْبُوْنَيْنَ اَلْهَاْلِكِيْنَ ، وَقَدْ ذَكَرَ اَللهُ U لَنَاْ فِيْ كِتَاْبِهِ مَنْ هُمُ اَلْخَاْسِرُوْنَ، وَمَاْذَاْ لَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، فَقَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ: } إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ، لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ، ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ إِنْحِرَاْفِ دُعَاْةِ تَحْرِيْرِ اَلْمَرْأَةِ، وَفَسَاْدِهِمْ وَضَلَاْلِهِمْ، وَسُوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ ، تَغَاْفُلُهُمْ عَنْ مَاْجَاْءَ فِيْ اَلْاِسْلَاْمِ ، بِشَأْنِ اَلْمَرْأَةِ، وَطَرِيْقَةِ اَلْتَّعَاْمُلِ مَعَهَاْ، يَقُوْلُ U: } وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ { فَهَذِهِ اَلْآيَةُ نَزَلَتْ بِأَصْحَاْبِ اَلْنَّبِيِ e ، خَيْرِ اَلْقُرُوْنِ ، اَلَّذِيْ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُنَاْ مِثْلَ اَلْجَبَلِ اَلْعَظِيْمِ ذَهَبَاً ، مَاْبَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَاْ نَصِيْفَهُ ، } وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا { . مَنْ هُنَّ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ اَلْلَّاْتِيْ لَاْ يَسْأَلُوْهُنَّ مَتَاْعَاً إِلَّاْ مِنْ وَرَاْءِ سِتْرٍ يَسْتُرُ عَنِ اَلْنَّظَرِ، إِنَّهُنَّ زَوْجَاْتُ اَلْنَّبِيْ e، أُمْهَاْتُهُمْ كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ { اَلْطَّاْهِرَاْتُ اَلْعَفِيْفَاْتُ، اَلْمُؤْمِنَاْتُ اَلْصَّاْدِقَاْتُ، اَلْلَّاْتِيْ يَقُوْلُ عَنْهُنَّ U: } يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا { فَإِذَاْ كَاْنَ مَنْعُ اَلْنَّظَرِ، وَوُجُوْدُ حَاَجْزِ سَاْتِرِ، وَاْجِبَاً عِنْدَمَاْ يُرِيْدُ صَحَاْبِيٌّ جَلِيْلٌ مَتَاْعَاً مِنْ إِحْدَىْ زَوْجَاْتِ اَلْنَّبِيْ e، فَكَيْفَ بِرَجُلِ عِلْمَاْنِيٍ لَبْرَاْلِيٍ، مُتَأَثِّرٍ بِحَضَاْرَةٍ مُنْحَرِفَةٍ، وَمُتَخَلِّقٍ بِأَخْلَاْقٍ شَيْطَاْنِيَّةٍ شَهْوَاْنِيَّةٍ، مَعَ كَاْسِيَةٍ عَاْرِيَةٍ، مُتَزَيِّنَةٍ مُتَعَطِّرَةٍ ، مَتَكَحِّلَةٍ مُتُوَرِّسَةٍ، بَعْيَدَةٍ عَنْ مَنْ يَغَاْرُ عَلَىْ عِفَّتِهَاْ ، وَفِيْ غَفْلَةٍ عَنْ مَنْ يُهِمُّهُ شَرَفُهَاْ وَكَرَاْمَتُهَاْ، وَلَيْسَ لِطَلَبِ مَتَاْعٍ، إِنَّمَاْ لِقِيَاْدَةِ سَيَّاْرَةٍ، وَلِعْبِ رِيَاْضَةٍ، وَمُشَاْرَكَةٍ فِيْ نَدْوَةٍ ، وَاَسْتِقَبَاْلِ مُرَاْجِعٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ يُرِيْدُهُ بُنُوْ عِلْمَاْنِ مِنْ نِسَاْءِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
فَأَيُ فَضِيْحَةٍ لِهَؤُلَاْءِ عِنْدَ اَلْعُقَلَاْءِ، وَأَيُ خِزْيٍ وَعَاْرٍ ، يُرِيْدُهُ هَؤُلَاْءِ اَلْسُّفَهَاْءِ، أَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِ اَلْنَّبِيْ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِر كيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَالنِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَني إِسْرَائِيلَ كانَتْ في النِّسَاءِ ))، يَقُوْلُ اِبْنُ عُثَيْمِيْن ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ : أَيْ : اِحْذَرُوْهُنَّ ، وَهَذَاْ يَشْمَلُ اَلْحَذَرَ مِنَ اَلْمَرْأَةِ ، فِيْ كَيْدِهَاْ مَعَ زَوْجِهَاْ ، وَيَشْمَلُ أَيْضَاً اَلْحَذَرَ مِنَ اَلْنِّسَاْءِ وَفِتْنَتِهِنْ ، وَلِهَذَاْ قَاْلَ e: (( فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَني إِسْرَائِيلَ كانَتْ في النِّسَاءِ )) فَاَفْتَتَنُوْا فِيْ اَلْنِّسَاْءِ ، فَضَلُّوْا وَأَضَلُّوُاْ وَ اَلْعِيَاْذُ بِاَللهِ !!
فَاَلْنَّبِيُ e يَقُوْلُ اِحْذَرُوْهُنَّ ، لَيْسَ اِحْتِقَاْرَاً لَهُنَّ، وَلَاْ لِلْتَّهْوُيْنِ مِنْ شَأْنِهِنَّ ، وَلَكِنْ لِوُجُوْدِ مَنْ يَفْتَتِنُ بِهِنَّ ، لِوُجُوْدِ مَرْضَىْ اَلْقُلُوْبِ، اَلَّذِيْنَ يَسِيْلُ لُعَاْبُ شَهْوَتِهِمْ، عِنْدَمَاْ يَرَوْنَ اَلْنِّسَاْءَ ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ صَحِيْحِ اَلْإِسْنَاْدِ: (( إِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا )) وَمَعْنَىْ اِسْتَشْرَفَهَاْ اَلْشَّيْطَاْنُ : أَيْ زَيَّنَهَاْ وَجَمَّلَهَاْ فِيْ نَظَرِ اَلْرِّجَاْلِ .
فَأَيُ مُخَاْلَفَةٍ وَأَيُ ضَلَاْلٍ وَفَسَاْدٍ ، يَقَعُ بِهِ مَنْ يَنْعِقُ لِتَحْرِيْرِ نِسَاْءِ اِلْمُسْلِمِيْنَ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَفِيْ بَلَدِ إِسْلَاْمِيٍ ، مَيَّزَهُ اَللهُ U بِدِيْنِهِ ، وَتَحْكِيْمِ كِتَاْبِهِ ، وَاَلْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، أَيْنَ اَلْخُبَثَاْءُ مِنْ قَوْلِ اَلْنَّبِيْ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( مَاْ تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَىْ اَلْرِّجَاْلِ مِنَ اَلْنِّسَاْءِ )) ، فَاَلْإِفْتِتَاْنُ بِاَلْنِّسَاْءِ ، يَسْتَحِيْلُ أَنْ يَحْصُلَ وَهُنَّ فِيْ بُيُوْتِهِنَّ ، لَاْ يَرَيْنَ إِلَّاْ أَزْوَاْجَهُنَّ وَمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاْحُهُنَّ .
وَلِخَطَرِ هَذِهِ اَلْفِتْنَةِ ، حَذَّرَ اَلْنَّبِيُ e مِنَ اَلْخَلْوَةِ بِاَلْنِّسَاْءِ ، وَمِنَ اَلْدُّخُوْلِ عَلَيْهِنَّ ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( لَاْ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا )) ، فَلَاْ يَجُوْزُ لِلْرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِاَمْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ، لَاْ فِيْ بَيْتٍ وَلَاْ فِيْ مَكْتَبٍ وَلَاْ فِيْ عِيَاْدَةٍ وَلَاْ فِيْ سَيَّاْرَةٍ وَلَاْ فِيْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْأَمَاْكِنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبَاً وَذَرِيْعَةً إِلَىْ اَلْوُقُوْعِ فِيْ اَلْحَرَاْمِ، وَاَلْشَّيْطَاْنُ حَرِيْصٌ عَلَىْ إِيْقَاْعِ اَلْعَبْدِ فِيْ اَلْحَرَاْمِ ، وَتَزْيِيْنُهُ لَهُ، وَإِنْ كَاْنَ اَلْرَّجُلُ مِمَّاْ يُوْثَقُ بِهِ، وَاَلْمَرْأَةُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَاْ يُمْكِنُ أَنْ يُوْثَقَ بِاَلْشَّيْطَاْنِ، بَلْ حَتَّىْ لَوْ كَاْنَ اَلْرَّجُلُ أَخَاً لِزَوْجِ اَلْمَرْأَةِ ، عَمَّاً لِأَبْنَاْئِهَاْ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ : (( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ )) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ أي قَريبُ الزَّوْجِ كَأخِيهِ، وابْنِ أخِيهِ ، وَابْنِ عَمِّهِ ! قَالَ e: (( الْحَمْوُ الْمَوْتُ )) وَهَذِهِ كَلِمَةُ مِنْ أَبْلَغِ مَاْ يَكُوْنُ مِنَ اَلْتَّحْذِيْرِ ، يَعْنِيْ كَمَاْ أَنْ اَلْإِنْسَاْنَ يَفِرُ مِنَ اَلْمَوْتِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ دُخُوْلِ أَقَاْرِبِهِ عَلَىْ زَوْجَتِهِ وَأَهْلِهِ بِلَاْ مَحْرَمٍ .
فَلْنَتَقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنُدْرِكْ خَطَرَ مَنْ يَنْعِقُوْنَ لِتَحْرِيْرِ اَلْمَرْأَةِ ، فَهُمْ وَاَللهِ لَاْيُرِيْدُوْنَ تَحْرِيْرَهَاْ، إِنَّمَاْ يُرِيْدُوْنَ نَحْرَ عِفَّتِهَاْ وَكَرَاْمَتِهَاْ .
اَسْأَلُ اَللهَ أَنْ لَاْيُحَقِقَ لَهُمْ غَاْيَةً ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مَجِيْبٌ . أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ اَلْتَّعَرُّضَ لِفِتْنَةِ اَلْنَّسَاْءِ ـ اَلَّتِيْ حَذَّرَ مِنْهَاْ اَلْنَّبِيُ e ـ يُشَكِّلُ خَطَرَاً عَظِيْمَاً، وَيَعُوْدُ بِمَاْ لَاْ تُحْمَدَ عُقْبَاْهُ ، يَكْفِيْ فِيْ ذَلِكَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ تَسْمِيَةُ اَلْنَّبِيُ e لَهَاْ بِاَلْفِتْنَةِ ، وَوَصْفُهُ لَهَاْ بِأَنَّهَاْ أَضَرَّ فِتْنَةٍ عَلَىْ اَلْرِّجَاْلِ ، فَكَيْفَ بِأَشْبَاْهِهِمْ؟ فَيَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ أَنْ يُبْعِدَ عَنْ هَذِهِ اَلْفِتْنَةِ اَلْخَطِيْرَةِ اَلْمُضِرَّةِ، وَأَنْ يَحْذَرَهَاْ مَهْمَاْ بَلَغَ مِنْ دَرَجَاْتِ اَلْتُّقَىْ وَاَلْوَرَعِ وَاَلْدِّيْنِ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِه e: (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ )) ، وَقَدْ صَدَقَ e ، يَقُوْلُ أَحَدُ اَلَّذِيْنَ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَ اَللهِ وَاَلْدَّاْرَ اَلْآخِرَةِ : لَأَنْ تَأْمَنُوْنِيْ عَلَىْ كُنُوْزِ اَلْدُّنْيَاْ, خَيْرٌ لِيْ مِنَ أَنْ تَأْمَنُوْنِيْ عَلَىْ أَمَةً سَوْدَاْءَ رَأْسُهَاْ كَاَلْزَّبِيْبَةِ، وَيَقُوْلُ آخَرُ : لَاْ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِاَمْرَأَةٍ وَلَوْ كَاْنَ يُعَلُّمُهَاْ اَلْقُرَّآنَ ، وَلَوْ كَاْنَتْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَاْنَ .
وَلَاْ شَكَّ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ فِتْنَةَ اَلْنِّسَاْءِ مِنْ فِتَنِ اَلْحَيَاْةِ اَلْلاْتِيْ أَمَرَنَاْ e بِاَلْاِسْتَعَاْذَةِ مِنْهُنَّ فِيْ كُلِّ صَلَاْةِ، كَمَاْ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )) . فَاَحْذَرْ أَخِيْ اَلْمُسْلِم ، اَلْتَّعَرُّضَ لِلْنِّسَاْءِ وَفِتْنَتِهِنَّ إِنْ كُنْتَ سَاْئِقَاً أَوْ بِاْئِعَاً أَوْ طَبِيْبَاً أَوْ مُوَظَّفَاً أَوْ حَتَّىْ مِنْ هُوَاْةِ وَسَاْئِلِ اَلْاِتِّصَاْلِ ، وَاَلْسَّعِيْدُ ـ أَخِيْ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، يَقُوْلُ اِبْنُ كَثِيْرٍ فِيْ كِتَاْبِهِ اَلْبِدَاْيَةِ وَاَلْنِّهَاْيَةِ: أَحْدَاْثُ سَنَةِ تَسْعٍ وَسَبْعَيْنَ وَمَاْئَتِيْنِ : وَفِيْهَاْ تُوُفِّيَ عَبْدُهُ بِنُ عَبْدِ اَلْرَّحِيْمِ - قَبَّحَهُ اَللهُ - ، ذَكَرَ اِبْنُ اَلْجَوْزِيُ أَنَّ هَذَاْ اَلْشَّقَيُ كَاْنَ مِنَ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ كَثِيْرًا فِيْ بِلَاْدِ اَلْرُّوْمِ ، فَلَمَّاْ كَاْنَ فِيْ بَعْضِ اَلْغَزَوَاْتِ ، وَاَلْمُسْلِمُوْنَ مُحَاْصِرُوْا بَلْدَةً مِنْ بِلَاْدِ اَلْرُّوْمِ؛ إِذْ نَظَرَ إِلَىْ اِمْرَأَةٍ مِنْ نِسَاْءِ اَلْرُّوْمِ فِيْ ذَلِكَ اَلْحِصْنِ، فَهَوِيَهَاْ ، فَرَاْسَلَهَاْ: مَاْ اَلْسَّبِيْلُ إِلَىْ اَلْوُصُوْلِ إِلَيْكِ؟ فَقَاْلَتْ: أَنْ تَتَنَصَّرَ ، وَتَصْعُدَ إِلَيَّ ، فَأَجَاْبَهَاْ إِلَىْ ذَلِكَ ، فَمَاْ رَاْعَ اَلْمُسْلِمِيْنَ إِلَّاْ وَهُوَ عِنْدَهَاْ ، فَاَغْتَمَّ اَلْمُسْلِمُوْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ غَمًّا شَدِيْدًا، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً عَظِيْمَةً، فَلَمَّاْ كَاْنَ بَعْدَ مُدَّةٍ مَرُّوْا عَلَيْهِ وَهُوَ مَعَ تَلْكَ اَلْمَرْأَةِ فِيْ ذَلِكَ اَلْحِصْنِ ، فَقَاْلُوْا: يَاْ فُلَاْن ! مَاْ فَعَلَ قُرْآنُكَ؟ مَاْ فَعَلَ عِلْمُكَ؟ مَاْ فَعَلَ صِيَاْمُكَ؟ مَاْ فَعَلَ جِهَاْدُكَ ؟ مَاْ فَعَلَتْ صَلَاْتُكَ ؟ فَقَاْلَ: اِعْلَمُوْا أَنِّيْ أُنسِيْتُ اَلْقُرَّآنَ كُلَّهُ إِلَّاْ قَوْلَهُ: } رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ { ، وَقَدْ صَاْرَ لِيْ فَيْهِمْ مَاْلٌ وَوَلَدٌ .
هَذِهِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ فِتْنَةُ اَلْنِّسَاْءِ، اَلَّتِيْ يُرِيْدُ اَلْخُبَثَاْءُ تَعْرِيْضَ اَلْمُسْلِمِيْنَ وَاَلْمُسْلِمَاْتِ لَهَاْ، وَيَسْعَوْنَ إِلَىْ إِيْقَاْعِهِمْ بِهَاْ.
أَسْأَلُ اَللهَ أَنْ يَكْفِيَنَاْ شُرُوْرَهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِيْ نُحُوْرِهِمْ ، وَأَنْ يَجْعَلَ تَدْبِيْرَهُمْ وَتَخْطِيْطَهُمْ سَبَبَاً فِيْ تَدْمِيْرِهِمْ إِنَّهُ قَوُيٌ عَزِيْزٌ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ، أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ ، أَوْ أَرَاْدَ نِسَاْءَنَاْ بِسُوْءٍ ، فَاَلْلَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ ، يَاَقَوُيُّ يَاْ عَزِيْز .
اَلْلَّهُمَّ يَاْ حَيَّ يَاْ قَيُّوْمَ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيْثُ فَلَاْ تَكِلْنَاْ إِلَىْ اَنْفُسِنَاْ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَاْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، اَلْلَّهُمَّ يَاْ مُنْزِلَ اَلْكِتَاْبَ وَيَاْ مُجْرِيَ اَلْسَّحَاْبَ وَيَاْ سَرِيْعَ اَلْحِسَاْبَ وَيَاْ هَاْزِمَ اَلْأَحْزَاْبَ أُهْزُمِ اِلْنَّصَاْرَىْ وَاَلْيَهُوْدَ اَلْمُحَاْرِبِيْنَ لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ اِهْزِمَ اَلْحُوْثِيِّنَ اَلْمُعْتَدِيْنَ أَذْنَاْبِ أعْدَاْءِ دِيْنَكَ وَحَبِيْبَكَ وَصْحَبِهِ اَلْكِرَاْمِ، اَلْلَّهُمَّ اِهْزِمْهُمْ وَشَتِّتْ جَمْعَهُمْ، اَلْلَّهُمَّ اَعْمِيْ أعْيُنَهُمْ عَنْ جُنُوْدِنَاْ وَحُدُوْدِنَاْ، اَلْلَّهُمَّ اَبْعَدْ أَقْدَاْمَهُمْ اَلْدَّنِسَةَ عَنْ وُطْئِ اَرْضِ اَلْحَرَمَيْنَ اِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْن، اَلْلَّهُمَّ مَكِّنْ جُنُوْدَنَاْ مِنْهُمْ وَأَهْزِمْهُمْ وَأَقْذِفِ اَلْرُّعْبَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ اَلْلَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ اَلْلَّهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُمْ اَلْلَّهُمَّ خَاْلِفْ بَيْنَ آرَاْئِهِمْ اَلْلَّهُمَّ اَجْعَلْ بَأْسَهَمْ بَيْنَهُمْ اَلْلَّهُمَّ أَرِنَاْ بِهِمْ عَجَاْئِبَ قُدْرَتِكْ يَاْ قَوُيَ يَاْ عَزِيْز .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|