خارقوا السفينة
الحمد لله الذي قسم عباده إلى طائع ولئيم ، وضال عن الهدى ومستقيم ، وعد من أطاعه دار النعيم ، وتوعد من جحده وعصاه بدار الجحيم .
أحمده يسر كلا لما خلق له ، وجعل الأعمال بالخواتيم .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له : } وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله : } رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهاكم عنه ، فقد قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
معشر المسلمين :
روى البخاري في صحيحه ، عن النعمان بن بشير t ، أن النبي r قال : (( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر ، فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها ، وكان الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء ، ويصبون على الذين أعلاها فيؤذونهم ، فقالوا : لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا ، فقال الذين في أسفلها : أما إذا منعتمونا فننقب السفينة من أسفلها فنستقي . قال : فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا ، وإن تركوهم هلكوا جميعا ))
ففي هذا الحديث ـ أيها الأخوة ـ يبين r ضرورة الأخذ على أيد المجرمين ، والتصدي لهم ، ومنعهم من الوصول إلى أهدافهم ، فشبه r المجتمع بالسفينة التي في البحر ، المملوءة بالناس ، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فالذين في الأسفل ، عندما يستقون من الماء ، يمرون على من فوقهم ، فتأذى الذين أعلاها منهم ، فقالوا : لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا ! قال الذين في الأسفل : إذا نخرق خرقا في السفينة ، لأن أسفل السفينة في الماء ، فإذا تركوهم يخرقون خرقهم ، هلكوا جميعا ، غرقوا ، الذين في الأسفل والذين في الأعلى ، ولكن إن منعوهم من خرق سفينتهم ، نجوا جميعا ، الذين في الأسفل والذين في الأعلى ، فنجاة الجميع ، بمنعهم والأخذ على أيديهم ، وهلاك الجميع بتركهم ، بأن يفعلون ما يريدون .
أيها الأخوة :
فهذا المثل النبوي ، ذكره r لنحافظ على سفينة مجتمعنا ، من الذين يعملون على خرقها ، وما أكثرهم في هذا الزمان ! و من أخطرهم ، هذه الجماعات ، التي صار ينتسب إليها بعض المسلمين ، والبعيدة كل البعد عن ما كان عليه النبي r وأصحابه ، ففي الحديث الحسن الصحيح ، عن العرباض بن سارية t قال : وعظنا رسول الله e موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا . قال e : (( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، وإنه من يعش منكم )) أي الذي يمد الله في عمره (( فسيرى اختلافا كثيرا . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ هذا الحديث العظيم ، الذي لا يحب ذكره ، كل من تأثر في هذه الجماعات ، أشار r فيه إلى أمور هامة : تقوى الله U ، والسمع والطاعة لولي الأمر ، مهما كان ، حتى ولو كان عبدا من أهل الحبشة ، لأن من عاش فسيرى اختلافا كثيرا في هذه الأمور ، والنجاة والمخرج والسلامة : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) .
أيها الأخوة :
وفي حديث آخر ، حذر r من ترك سنته وسنة خلفائه ، ففي الحديث الصحيح ، يقول صلوات ربي وسلامه عليه : (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار وواحدةٌ في الجنة ، والذي نفسُ محمدٍ بيده ، لتفترقنّ أُمتي ـ يعني نحن ـ على ثلاث وسبعين فرقةً ؛ فواحدةٌ في الجنةِ ، واثنتان وسبعون في النار )) . ولما سأل عن هذه التي هي في الجنة ، الناجية من النار ، قال r : (( هم الذين على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) .
الشاهد ـ أيها الأخوة ـ النبي r حصر النجاة والسلامة للمسلمين في مجتمعاتهم ، باتباع سنته وسنة أبي بكر وعثمان وعلي ، الذي كان عليها خير القرون ، أما هذه الجماعات وتلك الأحزاب والفرق ، التي تتبع ما ينظر لها من قبل قادتها ، وتبني مناهجها على العواطف ، وتعمل أعمالا لم تكن في عهده r ولا في عهد خلفائه ، بل ولا في عهد أصحابه ، فوجودها خطر على المجتمع ، بل وعلى الأمة بأسرها ، كأولائك الذين يريدون خرق السفينة ، فيجب منعهم ، ويجب الأخذ على أيديهم ، ويجب التحذير منهم ، ويجب التعاون لكشف مخططاتهم ، لتسلم لنا سفينة مجتمعنا ، والعاقل ـ أيها الأخوة ـ يدرك مغزى النبي r من ذكره لهذا الحديث العظيم .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن في وجود هذه الجماعات بمناهجها وأفكارها ، المبنية على اجتهادات مؤسسيها ، لخطر عظيم ، على العقيدة وعلى الأمن وعلى الوحدة بل وعلى الفطرة التي فطرنا الله عليها ، وقد كنا في سلامة ـ أيها الأخوة ـ قبل هذه الجماعات ، نعم كنا يدا واحدة ، وصفا واحدا ، وهانحن اليوم كما ترون ، نعاني الأمرين نتيجة أفكار منحرفة ، وطرق مختلفة .
إن العاقل ـ أيها الأخوة ـ ليدرك خطر هذه الجماعات ، التي منذ ظهرت ، ابتداء من أولائك الذين جعلوا بيت الله الحرام ، مستودعات لأسلحتهم ، وحاصروا المصلين ، وروعوا المؤمنين ، وانتهاء بأولئك الذين سمعتم عن أخبارهم بمدينة الرياض ، الذين جعلوا استراحتهم مخزنا لأسلحتهم.
إن العاقل ـ أيها الأخوة ـ ليدرك شر هؤلاء وخطرهم ، ومن فقد عقله ، فليسأل نفسه : ماذا يريد هؤلاء من هذه الأسلحة ؟ ومن سيحاربون ؟ ومن سيقتلون ؟ فإذا وجد جوابا غير المسلمين ، فليسأل الله الخلف على عقله !
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، وارض اللهم عن صحابته الغرر ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن بقية الصحابة أجمعين ، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، اللهم انشر رحمتك على بلدك الميت .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .
|