(فإني قريب)
إِنَّ
الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا
وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ
أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ تَسِلِيمَاً كًثِيراً (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل
بدعة ضلالة .
أما بعد فاتقوا
الله واشكروه على نعمه العظيمة ومنها بلوغ هذا الشهر المبارك :شهر الصيام والقيام
وشهر الصبر , وشهر الدعاء .
عباد الله يقول
الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ} .
هذا جواب سؤال
سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا
فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ} لأنه تعالى الرقيب الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور، فهو قريب أيضا من داعيه بالإجابة، ولهذا قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة. والقرب نوعان:
قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
فمن دعا ربه
بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام والاستعجال
ونحوها، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي
الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به،
الموجب للاستجابة.
عباد الله وفي
الآية الكريمة فائدة نفيسة للصائم وهي أن الله تعالى ذكر هذه الآية في ضمن آيات
الصيام للتأكيد على أهمية الدعاء للصائم في يومه وليلته فهو في عبادة شريفة كريمة
ويدل على ذلك أيضا ما ثبت بسند حسن من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات
لا ترد: دعوة الوالد لولده , ودعوة الصائم ودعوة المسافر» ) ويتأكد الدعاء قبيل
فطره لما روى ابن ماجه بسند حسن (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد)، قَالَ عَبْد
اللَّهِ بْنُ أَبِي مُليَكة: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
بِرَحْمَتِكَ التِي وسعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي.
فهذه بعض
الفضائل والمكرمات من رب الأرض والسموات لعباده الصائمين والصائمات.
أيها الناس:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وكذلك الدعاء. فإنه من أقوى الأسباب في دفع
المكروه وحصول المطلوب. ولكن قد يتخلف عنه أثره. إمّا لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء
لا يحبه الله لما فيه من العدوان. وإمّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته
عليه وقت الدعاء. فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا. فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا.
وإمّا لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب
واستيلاء الغفلة والسهو اللهو وغلبتها عليه. كما
في صحيح الحاكم
من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ادعوا الله وأنتم موقنون
بالإجابة".
واعلموا أن
الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه!.
فهذا دواء نافع
مزيل للداء. ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته. وكذلك أكل الحرام يبطل قوته
ويضعفها. وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه,
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه
وإن كان ضعيفا. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه..!.
وإذا اجتمع مع
الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة
وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات
المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة
بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلّا
وتضرّعا ورقّة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى
وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده صلّى الله عليه
وسلّم، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألحّ عليه في
المسألة وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين
يدي دعائه صدقة- فإن هذا الدعاء لا يكاد يردّ أبدا. ولا سيما إن صادف الأدعية التي
أخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم
الأعظم.
عباد الله الصائمون
القانتون الداعون الله: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (أنا عند ظن
عبدي بي, وأنا معه إذا دعاني) رواه مسلم وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الدعاء
هو العبادة) رواه الترمذي، نعم هو عبادة من أزكى واشرف العبادات , من وفق للقيام
بها فقد وفق لخير كثير وأعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالدعاء ..
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور
الرحيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله سميع الدعاء، مجيب النداء، جزيل العطاء، أحمده سبحانه حمدًا يملأ الأرض
والسماء وما بينهما وما بعدهما مما يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله ذي الْمن والعطاء، يُوالي على عباده النعماء،
ويُرادف عليهم الآلاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الأنبياء وقدوة الأتقياء
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء، أما بعد:
أيها المؤمن: لك أن تسأل
نفسك: ما بالنا ندعو فلا يستجب لنا ؟!! وهذا السؤال يرد على ذهن كل واحد منا ولكن
اسمعوا إلى هذا الكلام من الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله قال: "ومن
كان قصده في دعائه التقرب إلى الله بالدعاء وحصول مطلوبه- من شفاء من مرض أو سداد
دين أو غيرها- فهو أكمل كثيراً ممن لا يقصد إلا حصول مطلوبه فقط -قال- كحال أكثر
الناس فإنه هذا نقص وحرمان لهذا الفضل العظيم وفي هذا فليتنافس المتنافسون وهذا من
ثمرات العلم النافع) أ.هـ.
وللدعاء المجاب شرائط
وهي: أن يدعو بأحسن الأسماء، كما قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى
فَادْعُوهُ بِها)، ويخلص النيّة، ويظهر الافتقار، ولا يدعو بإثم، ولا بما يستعين
به على معاداته. وأن يعلم أنّ نعمته فيما يمنعه من دنياه كنعمته فيما خوّله
وأعطاه. ومعلوم أنّ من هذا حاله فمجاب الدعوة..!
وبقي الجواب عن السؤال
ما بالنا ندعو فلا يستجب لنا ؟!!!!
فنقول إليكم هذه البشرى
النبوية فتمسكوا بها وعضوا عليه بالنواجذ ثبت في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدَعْوَةٍ
لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا
إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ يعجِّل لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ
يَدّخرها لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ
مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ" أي نكثر الدعاء.
اللهم
إنك عفُوٌّ تحب العفو فاعفو عنّا، اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفو فاعفو عنّا، اللهم
إنك عفُوٌّ تحب العفو فاعفو عنّا. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتجاوز عن تقصيرنا
وزلاتنا، واجعلنا من عتقائك من النار، اللهم أعتقنا ووالدينا والمسلمين من النار
يا أرحم الراحمين، اللهم وفقنا للعمل الصالح فيما بقي من الليالي والأيام يا ذا
الجلال والإكرام.
اللهم
إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. اللهم إنا
نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم أقل
عثرات المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى وألّف
بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك، وانتصر لعبادك المستضعفين
في كل مكان، اللهم واحقن دمائهم وصن أعراضهم وتولّ أمرهم وسدد رميهم وعجّل بنصرهم
وفرّج كربهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم عليك بأعداء الدين من الكفرة
المجرمين والطغاة الملحدين الذين قتلوا العباد وسعوا في الأرض بالتخريب والتقتيل
وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم
وأحبط سعيهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم
المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات
أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم نسألك رحمة تهد بها قلوبنا، وتجمع بها
شملنا وتلُمّ بها شعثنا وترُدّ بها الفتن عنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة عن شهر رمضان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=132 |