حافظ السنة أبو هريرة رضي الله عنه
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي
الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ
اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا
مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا
إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أهم مسائل العقيدة التي اعتنى بها أهل العلم
بيان منزلة الصحابة رضي الله عنهم وما يجب على المسلمين تجاههم, وما ذاك إلا لأنهم
أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم. ولقد أثنى الله
تعالى على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة من كتابه الكريم وامتدحهم
بأحسن الأوصاف وأكملها قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
وحديثنا
اليوم عن عَلَم من هؤلاء الأعلام النبلاء،
علماً وحفظاً، عبادة وزهداً، سماحة وكرماً
إنه الصحابيَّ الجليل عبدالرحمن بن صخر الدوسي (أبو هريرة رضي الله عنه) ومن منا لايعرف هذا الْجبل الشامخ فما من حديث يروى
إلا قالوا (عن أبي هريرة )أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم في السنة
السابعة من الهجرة النبوية . نشأ هذا الصحابي الجليل يتيماً في حجر أمه فكان يرعى الغنم
في صغره اشتهر بكنيته (أبو هريرة) لهرة كان يلعب
بها.
وقد شرح
الله صدر أبي هريرة للإسلام فأسلم واجتهد في إسلام أمه حتى أسلمت أيضا بعد دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم اهد أم أبي هريرة), فرجع أبو هريرة إلى رسول الله
يبكي من الفرح بإسلام أمه واستجابة الله دعوة نبيه، فبشره ففرح النبي صلى الله عليه
وسلم وحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، ثم قال أبو هريرة ( يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى
عباده المؤمنين ويحببهم إلينا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم حبب عُبيدك
هذا وأمه إلى المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين) يقول أبو هريرة فما خُلق مؤمنٌ يسمع بي
ولا يراني إلا أحبني. رواه الإمام مسلم .
فهنيئاً
لمن أحب أبا هريرة وأمه في الله جعل وعلا. فإن حبهم علامة إيمان!!!!! .
ولَما
استقر أبو هريرة في المدينة لزم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة وحَبّب الله
إليه حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم
عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة قال له النبي عليه السلام مثنياً ومنوهاً بشدة حرصه
على العلم (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت
من حرصك على الحديث).
كان أبو
هريرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شديد الفقر والحاجة وكان مع ذلك صابراً محتسباً
ومن المواقف التي تدل على شدة ما كان فيه ما قصّه عن نفسه فقال : أصابني جهد شديد،
فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله، فأجابني ثم دخل بيته، فمشيت غير
بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي،
فقال: «يا أبا هريرة» فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي،
فانطلق بي إلى رحله _ أي بيته_ ، فأمر لي بعُسّ _أي قدح كبير_ من لبن فشربت منه، ثم
قال: «عد يا أبا هر» فعدت فشربت، ثم قال: «عد» فعدت فشربت، حتى استوى بطني فصار كالقِدْح
.
أيها
الإخوة في الله: لقد تحمل الجهد والجوع في سبيل التفرغ لملازمة النبي صلى الله عليه
وسلم وحفظ حديثه _ وليس من باب الكسل وحب البطالة
_ فكانت العاقبة حميدة حيث صار أكثر الصحابة رواية للحديث عن النبي صلى الله عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور
الرحيم.
الْحمدُ لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
الملكُ الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم
وبارَك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
عباد الله: فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر معلماً
للناس الخير، وكان يخاف أن ينشغل الناس بالدنيا عن طلب العلم الشرعي فكان يتعاهدهم
بالتذكير بفضل العلم وشرفه وشدة الحاجة إليه ، فقد دخل السوق مرة والناس مشغولون بالبيع
والشراء فناداهم قائلاً: «يا أهل السوق، ما أعجزكم» قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال:
«ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم، وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم
منه» قالوا: وأين هو؟ قال: «في المسجد» فخرجوا سراعا إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم
حتى رجعوا، فقال لهم: «ما لكم؟» قالوا: يا أبا هريرة أتينا المسجد، فدخلنا، فلم نر
فيه شيئا يقسم. فقال لهم أبو هريرة: «أما رأيتم في المسجد أحدا؟» قالوا: بلى، رأينا
قوما يصلون، وقوما يقرءون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة:
«ويحكم، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم» رواه الطبراني في الاوسط بسند حسن .
ومن صفاته
أنه كان بارا بأمه قال سعيد بن المسيب: "وبلغنا أن أبا هريرة -رضي الله عنه- لم
يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبته ,ومن صفاته رضي الله عنه الكرم والسخاء وإكرام الضيوف
يقول الطُفاوي: “نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- رجلا أشد تشميراً، ولا أقومَ على ضيف من أبي هريرة .
وكان
حريصاً أن يكون هو وأهل بيته أهل عبادة وقيام في الليل وكان حريصاً على صيام ثلاثة
أيام من كل شهر وكان يبادر بها أول الشهر .
ومع ما
كان عليه من التقوى والعبادة والعلم والفضل فقد كان شديد الخوف من الله تعالى فقد بكى
في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري، وقلة زادي،
وأني أمسيت في صعود، ومَهبطُهُ على جنة أو نار، فلا أدري أيهما يؤخذ بي.
إخوة
الإيمان: إن سيرة هذا الإمام الكبير سيرة واسعة مليئة بالعظات والعبر والفوائد ولكن
هذه نبذة مختصرة منها أسأل الله أن ينفعني وإياكم ومن سمعها بها إنه سميع مجيب الدعاء.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا
عليم، اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا
تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك
شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا،
وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك
يا أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا من الشاكرين لآلائك، الصابرين على بلائك، الناصرين
لأوليائك. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأكرمنا ولا تهنا،
وأعطنا ولا تحرمنا. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد،
والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك
يا أرحم الراحمين! اللهم اقسم
لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن
اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما
أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا،
ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط
علينا من ﻻ يرحمنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في
قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت
الغفور الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله
رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |