النوم آية من آيات الله العظام
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي
الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ
اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا
مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا
إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله التي لا يقبَلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا
يُثيبُ إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.
أيها
المسلمون: نِعَم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تُحصى، نتقلّب فيها صباحَ مساء، نعم دينية
وأخرى دنيوية , نعم ظاهرة وباطنة, نعم في السر والعلن فنحمده حمداً يليق بجلاله وكبريائه
.
عباد الله قال الله تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) أي في نفس العبد من
العبر والحكمة والرحمة ما يدل على أن الله وحده الأحد الفرد الصمد، وأنه لم يخلق الخلق
سدى .
ومن تلكم
النعم التي تحتاج منا إلى تفكر وتدبر: (( نعمة النوم))؛ النوم الذي جعله الله رحمة
بالعباد لترتاح أبدانُهم، وتسكُن جوارحُهم، وتهدأ نفوسُهم؛ ولا يدرك قدر نعمة النوم
إلا من فقدها وعجز عنها إما لمرض او نحوه.
أيها
المسلمون: النومُ حالٌ عجيبٌ من أحوال الإنسان، وآيةٌ من آيات الله العِظام، ونعمة
من نعم الله الجِسام دعانا ربُنا لنتفكر فيها، ونشكره عليها فقال سبحانه: (وَمِنْ آَيَاتِهِ
مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
ومن هنا
جاءت الآداب النبوية والسُنن المحمدية بالإرشاد والتوجيه، حتى يكون منامُنا طاعة ونومُنا
عبادة؛ والتزامُ هذه السنن سببٌ للسلامة من الأحلام المُزعِجة والمارقة، وسببٌ لحصول
المغفرة والأجر، ومُعينٌ على القيام لصلاة الفجر، والقوة والنشاط في سائر اليوم..
وإليكم
-أيها المسلمون- طائفةً مما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه:
فمما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: أن تُغطَّى الآنيةُ التي فيها
شراب أو طعام، وأن تُطفئ النار، سواء نار تنّور أو جَمْر تدفئة أو نار غاز أو غيرها،
وأن يُغلَق باب البيت؛ يقوم العبد بهذه الأعمال قبل نومه تطبيقاً للسُنة وطلباً للسلامة..
ومِما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: «أنه كان يكره النومَ قبل
العِشاء، والحديثَ بعدها»، لأن النوم قبل العشاء قد يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء, والحديث
بعدها قد يفوت صلاة الفجر إلا إذا كان هناك مصلحة شرعية للسمر بعد العشاء.
ومِما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: وجوب التفريق بين الأولاد
في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين، لأن نومهم على فراش واحد في تلك السِنّ مظنة للفساد
وحدوث ما لا تحمد عُقباه..
ومن سُنن
النوم وآدابه: اجتناب النوم في الأماكن الخطرة كالنوم على سطحٍ ليس له حاجز يقيه من
السقوط حال نومه، وكذا نوم الطفل على سرير عال بدون وضع وقايات تَمنعه من السقوط؛ ومنها:
النهي عن النوم في بطون الأودية والطُرقات، فيُعرّض نفسه للهلاك بسيل مفاجئ أو بأذيّة
دابة أو سيارة..
ومما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: أنه يُشرع له قبل أن يضطجع
على فراشه أن ينفضه ويُسمّي تطبيقاً للسُنة، فإن الفراش قد يكون فيه شيء من المؤذيات
ولا سيما إذا كان الفراش في مزرعة او استراحة أو خلاء؛ ومثله: ألا ينام وبيده بقايا
من أثر الطعام حتى يغسلها..
ومنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينامُ إلا والسواك عنده، فإذا استيقظَ بدأ بالسِّواك؛
وكان صلى الله عليه وسلم يحث على الوِتر قبل النوم لمن خشِيَ ألا يقومَ آخر الليل..
وكان يأمر بكتابةُ الوصية، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ
يُوصِي فيه، يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده»..
ومِما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: أنه كان إذا أخد مضجعه ذكر
الله بما تيسر من أنواع الذكر؛ وذِكرُ الله مطلوبٌ عند النوم ومُتَأكَّد؛ فقد قال عليه
الصلاة والسلام: «من اضطجَع مضجِعًا لا يذكرُ اللهَ فيه كانت عليه من الله تِرة» أي
حسرة ونقص؛ وقد صحّ: أن الشيطان في هذه الحال، ليحضر جاهداً ويُنوّم العبدَ قاصداً
تفويته الذكر والدعاء – فكُن للذكر محافظاً، وللشيطان مجاهداً..
ومِما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: قراءةُ آية الكرسي إذا أويتَ
إلى فِراشك, ومن الذِّكر قبل النوم: التسبيحُ ثلاثًا وثلاثين، والحمدُ ثلاثًا وثلاثين،
والتكبيرُ أربعًا وثلاثين والمعنى: أن من داوم على هذا الذكر فإنه في يومه لا يتضرر
بكثرة العمل ولا يشق عليه، مما فيه غُنية عن الخادم..
ومِما
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من سُنن النوم وآدابه: أنه كان يقول: «باسمك اللهم
أموتُ وأحيا»، وإذا قام قال: «الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور»..
وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم ينام على شقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن،
ثم يقول: «اللهمّ قِني عذابك يوم تبعث عبادك».. ولما رأى عليه الصلاة والسلام رجلاً
نائماً على بطنه نهاه عن تلك الضجعة وقال: «مالك وهذا النوم، هذه نومة يكرهها الله»
أو قال: «يبغضها الله» ، وسبب الكراهة عن هذه الرقدة أنها ضجعة أهل النار..
زينّا اللهُ وإياكم بزينة الإيمان، وجَعلَنا وأهلينا هداة مهتدين ..
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله وليِّ الْمؤمنين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عُدوان إلا على
الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المبين، وأشهد أن
محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد
عباد الله: لمَّا كان النوم هو المحطة الأخيرة في يوم المسلم، وقد يكون أيضاً المحطة
الأخيرة في عُمره، حسُن أن يختم المسلم يومه بالطهارة وذكر الله عز وجل، فعن البراء
بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ
وضوءَك للصلاة، ثم اضطجِع على شقِّك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ
أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجَا منك إلا إليك،
اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ»، قال: «فإن متَّ من ليلتك فأنت
على الفِطرة، واجعلهنَّ آخر ما تتكلَّم به» أخرجه البخاري ومسلم..
بل حتى
إذا جامع أهله فأراد أن ينام فالسُنة المؤكدة في حقه أن يغسل فرجه ويتوضأ ثم ينام ويكره
أن ينام على غير وضوء؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من بات طاهراً بات وفي
شِعاره مَلَك - أي في ثيابه الداخلية - فلا يستيقظ إلا قال المَلَك اللهم اغفر له فإنه
بات طاهرا».
فاتقوا
الله عباد الله، وتفكّروا في هذه الآية لتشكروا الله عليها وتتّعظوا منها؛ فكم بات
قوم وهم من أهل الدنيا، وأصبحوا وهم من أهل الآخرة؛ فاحرصوا رحمكم الله على هدي الإسلام
وأدبه في النوم وغيره، واعزموا في نومكم الاستيقاظ لصلاة الفجر، لتفوزوا وتفلحوا بعظيم
المغفرة والأجر.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا
عليم، اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا
تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك
شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا،
وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك
يا أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا من الشاكرين لآلائك، الصابرين على بلائك، الناصرين
لأوليائك. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأكرمنا ولا تهنا،
وأعطنا ولا تحرمنا. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد،
والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك
يا أرحم الراحمين! اللهم اقسم
لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن
اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما
أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا،
ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط
علينا من ﻻ يرحمنا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في
قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت
الغفور الرحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله
رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |